ما هي فائدة الإمام المهدي (عج) وهو غائب لا يقدر على رفع الظلم؟

, منذ 11 شهر 524 مشاهدة

إن الإمام يحث الناس على الطاعات، ويصدهم عن المعاصي، ويمنعهم عن التغالب والتهاوش، ويبعثهم على التناصف والتعادل، وكل من يصدر منه هذه الأمور فهو لطف، فالإمام لطف، وكل لطف واجب على الله تعالى، فنصب الإمام واجب عليه ، ما دام الناس موجودين، ولو كان زمنهم أبعد الأزمنة عن عصر النبوة.

لا يقال الإمام إنما يكون لطفاً، إذا كان متصرفا بالأمر والنهي، وأنا لا نقول به، فما نعتقده لطفاً، لا نقول بوجوبه، وما نقول بوجوبه ليس بلطف: لأنا نقول: إن وجود الإمام نفسه لطف بوجوه: أحدها: أنه يحفظ الشرائع، ويحرسها عن الزيادة والنقصان وثانيها: أن اعتقاد المكلفين بوجود الإمام، وتجويز نفوذ حكمه عليهم في كل وقت سبب لردعهم عنم الفساد وتقربهم إلى الصلاح. وهذا معلوم بالضرورة، كما عليه فرقتنا الناجية، بعدما عرفت ولي الله في عصرها وإمامها، فإنها تقرب إلى الصلاح وترتدع عن الفساد في الدين وغيره. وثالثها: إن تصرف الإمام لا شك أنه لطف، وذلك لا يتم إلا بوجوده، فيكون وجود نفسه لطفاً، وتصرفه لطف آخر.

ولأنا نقول (1) الإمامة اللطفية يعتبر فيها ثلاث جهات: الأولى منها: ما يجب على الله تعالى، وهو خلق الإمام، وتمكينه بالقدرة والعلم والنص عليه باسمه ونسبه، وهذا قد فعله الله تعالى في صاحب الزمان، لأنه قال في كتابه المبين للنبي صلى الله عليه وآله: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) (2)، فظهر أن كلما يقول ويأمر به النبي صلى الله عليه وآله هو عن أمر الله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وآله قد قال بإمامة صاحب الزمان وأخبر عنه، وأمر بإطاعته، كما وصل إلينا من الأخبار الكثيرة، والروايات الجمة المتواترة، من أوثق مصادرها، فلو لم يكن نصبه من الله عز وجل قد نصب المهدي بن الحسن عليه السلام إماما لنا، وهو صاحب زماننا عجل الله فرجه. والثانية: ما يجب على الإمام، وهو تحمله للإمامة وقبوله لها، وهذا قد فعله الإمام صاحب الزمان عليه السلام، كما يظهر من الروايات الكثيرة التي فيها ذكر الذين وصلوا إلى خدمته، في زمان غيبته الصغرى.(3) والثالثة: ما يجب على الرعية، وهو مساعدته، والنصرة له، وقبول أوامره وامتثال قوله، ومن المعلوم أن الرعية لم تكن تساعده وتنصره، وتقبل أوامره، كما لم تفعل مع أئمتنا الذين مضوا قبل هذا الإمام، فغيبته وحضوره من هذا الجهة سواء.(4) وبهذا يندفع بالكلية ما أشكل به بقوله، فنقول: وأي فائدة في إمام مختف عاجز لا يقدر على رفع الظلم؟ مع أن هذا الإشكال بزعم هذا الفاضل يجري في الله تبارك وتعالى عن ذلك أيضا لأن الله - وهو أجل من جميع المخلوقات - مختف عن أبصارنا كما يدل قوله عز وجل: (لا تدركه الأبصار)(5)، وهو أقدر من الإمام على رفع الظلم لأنه مستجمع لجميع الصفات الكمالية، ومع ذلك كله لا يرفع الظلم والمناكير والفواحش من الناس، فيقال: - تقدس شأنه عن ذلك كله وتعالى -: ما الفائدة في أن الله تعالى مختف عاجز لا يقدر على رفع الظلم؟!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) (أنظر (تلخيص الشافي) و(الغيبة ص ١١) لشيخ الطائفة، و(شرح) التجريد) للعلامة ص ٢٨٥ - ٢٨٦).

(2) سورة النجم، الآية:3.

(3) ولذلك عين خلفاء واحدا بعد الآخر وهم عثمان بن سعيد العمري، وابنه محمد بن عثمان، وأبو القاسم الحسين بن روح، وعلي بن محمد الصمري، ليكونوا الواسطة بينه وبين الشيعة، والأبواب إليه، وكان عليه السلام يجيب على الأسئلة على أيديهم، ويبلغون الأحكام عنه إلى الشيعة هذا في الغيبة الصغرى وأما في الكبرى فقد أرجع الشيعة إلى فقهاء الطائفة وأمرهم بأخذ الأحكام منهم والانقياد له باعتبارهم خلفائه عليهم. كل هذا مع ما أشار إليه المؤلف دليل على تحمله للإمامة، وقبوله للقيام بأعبائها.

(4) قال المحقق الطوسي نصير الملة والدين رضي الله عنه: (وجوده لطف وتصرفه لطف آخر، وعدمه منا) التجريد ص ٢٨٥ بشرح العلامة.

(5) سورة الأنعام، الآية: 103. عقيدتنا في السرداب.

(6) أقول: ليس هذا الرجل أول من نسب هذا الاعتقاد - وهو الاعتقاد بغيبة الإمام عليه السلام في السرداب في مدينة سامراء - إلى الشيعة الإمامية، بل قد سبقه في ذلك جماعة من علماء طائفته، كابن حجر، وابن طولون، وابن الوردي... ولقد زاد بعضهم على هذا بقوله: أن الشيعة يعتقدون ببقائه عليه السلام في السرداب فينتظرون خروجه منه، ومن هؤلاء ابن تيمية في (منهاج السنة!!) ومن هؤلاء أيضا.

ابن خلدون حيث قال في (المقدمة ص ٣٥٢) عن الاثني عشرية ما نصه: (يزعمون أن الثاني عشر من أئمتهم - وهو محمد بن الحسن العسكري ويلقبونه بالمهدي - دخل السرداب بدارهم بالحلة وتغيب حين اعتقل مع أمه وغاب هناك، وهو يخرج آخر الزمان فيملأ الأرض عدلا، ويشيرون بذلك إلى الحديث الواقع في كتاب الترمذي في المهدي، وهم إلى الآن ينتظرونه ويسمونه المنتظر لذلك، ويقفون في كل ليلة بعد صلاة المغرب بباب هذا السرداب وقد قدموا مركبا فيهتفون باسمه ويدعونه للخروج حتى تشتبك النجوم ثم ينفضون ويرجئون الأمر إلى الليلة الآتية وهم على ذلك لهذا العهد) ولا يخفى ما فيه من أغلاط وافتراءات. وقد أخذ هذا آخرون ممن تقدم وتأخر منهم، حتى أن قائلهم قال: (أما آن للسرداب أن يلد الذي... هذا، ومن العجيب أنهم لم يذكروا، أو ينوهوا عن حديث واحد جاء من طرق الشيعة مفيدا لهذا المعنى المدعى، أو اسم كتاب لعالم من علمائهم نقلوا عنه ذلك! على أن هذا الاعتقاد لم يأت في أي كتاب للشيعة في أي موضوع كان، وهذه كتبهم منتشرة بفضل المطابع، متوفرة لكل أحد أضف إلى ذلك: أن علماء هذه الطائفة ينفون هذه النسبة، ويعدونها من جملة المفتريات التي لا أصل لها والموجهة إلى الشيعة الإمامية. فقد قال الحجة الكبير الميرزا حسين النوري صاحب المستدرك وغيره من مصادر الحديث لدى هذه الطائفة، قال في (كشف الأستار ص): (نحن كلما راجعنا وتفحصنا لم نجد لما ذكروه أثرا، بل ليس في الأحاديث ذكر للسرداب أصلا...) وقال آية الله السيد صدر الدين الصدر - قدس سره - في كتاب (المهدي ص ١٥٥): (وأما بعض ما يقوله في هذا الباب بعض عوام الشيعة ونسبه إلينا كثير من خواص أهل السنة فلا أعرف له مدركا، ولم أجد له مستندا). وقال الشيخ الإربلي رحمه الله في (كشف الغمة ج ٣ ص ٢٨٣): (والذين يقولون بوجوده لا يقولون أنه في سرداب، بل يقولون أنه موجود، يحل ويرتحل، ويطوف في الأرض...) وقال شيخنا الحجة المجاهد الشيخ عبد الحسين الأميني في (الغدير ج ٣ ص ٣٠٨ - ٣٠٩) في دحض مفتريات القصيمي صاحب كتاب (الصراع بين الإسلام والوثنية) قال ما نصه: (وفرية السرداب أشنع وإن سبقه إليها غيره من مؤلفي أهل السنة لكنه زاد في الطمور نغمات بضم الحمير إلى الخيول وادعائه اطراد العادة في كل ليلة واتصالها منذ أكثر من ألف عام. والشيعة لا ترى أن غيبة الإمام في السرداب ولا هم غيبوه فيه ولا أنه يظهر منه، إنما اعتقادهم المدعوم بأحاديثهم أنه يظهر بمكة المعظمة تجاه البيت، ولم يقل أحد في السرداب: أنه مغيب ذلك النور، وإنما هو سرداب دار الأئمة بسامراء، وأن من المطرد إيجاد السراديب في الدور وقاية من قايظ الحر، وإنما اكتسب هذا السرداب بخصوصه الشرف الباذخ لانتسابه إلى أئمة الدين وأنه كان مبوأ لثلاثة منهم كبقية مساكن هذه الدار المباركة، وهذا هو الشأن في بيوت الأئمة عليهم السلام ومشرفهم النبي الأعظم في أي حاضرة كانت، فقد أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه. وليت هؤلاء المتقولين في أمر السرداب اتفقوا على رأي واحد في الأكذوبة حتى لا تلوح عليها لوائح الافتعال فتفضحهم فلا يقول ابن بطوطة في رحلته ٢ ص ١٩٨: أن هذا السرداب المنوه به في الحلة، ولا يقول القرماني في أخبار الدول: أنه في بغداد، ولا يقول الآخرون: أنه بسامراء. ويأتي القصيمي من بعدهم فلا يدري أين هو، فيطلق لفظ السرداب ليستر سوأته...) فعلم أنه لا دليل لما ذكر السويدي وغيره، ولا مستند لهم في هذه النسبة لا في حديث من الأحاديث، ولا في كلام لواحد من العلماء، وناهيك بهؤلاء النافين أئمة نياقد، وأعلاما محيطين بالأخبار والآثار.

المصدر: الإمام الثاني عشر، العلامة السيد محمد سعيد الموسوي آل صاحب العبقات، ص19-24.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0669 Seconds