- الشيخ نزار ال سنبل
وقع الكلام بين الأعلام في بداية الغيبة الصغرى، على قولين:
القول الأوّل:
إنَّ بداية الغيبة الصغرى منذ ولادته (عليه السلام).
وقد استندوا في ذلك إلى ما ورد في بعض الروايات:
منها: ما عن السيِّدة الجليلة حكيمة (عليها السلام)، عن أبي محمّد (عليه السلام): «يا عمَّة اذهبي به إلى أُمِّه ليُسلِّم عليها وائتني به».
فذهبت به فسلَّم عليها ورددته فوضعته في المجلس، ثمّ قال: «يا عمَّة، إذا كان يوم السابع فأتينا».
قالت حكيمة: فلمَّا أصبحت جئت لأُسلِّم على أبي محمّد (عليه السلام)، وكشفت الستر لأتفقَّد سيِّدي (عليه السلام) فلم أرَه، فقلت: جُعلت فداك، ما فعل سيِّدي؟
فقال: «يا عمَّة استودعناه الذي استودعته أُمُّ موسى موسى (عليه السلام)» كمال الدين ص425.
ومنها: عن يعقوب بن منقوش، قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام) وهو جالس على دكّان في الدار، وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل، فقلت له: يا سيِّدي، من صاحب هذا الأمر؟ فقال: «ارفع الستر»، فرفعته، فخرج إلينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، دُرّي المقلتين، شثن الكفَّين، معطوف الركبتين، في خدِّه الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمّد (عليه السلام)، ثمّ قال لي: «هذا صاحبكم»، ثمّ وثب فقال له: «يا بنيَّ، اُدخل إلى الوقت المعلوم»، فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثمّ قال لي: «يا يعقوب، اُنظر من في البيت»، فدخلت فما رأيت أحداً كمال الدين ص 408.
والظاهر من هذين الخبرين أنَّ غيبته (عليه السلام) كانت منذ ولادته وفي حياة أبيه (عليه السلام)، والشاهد على هذا الاستظهار من الحديث الأوَّل: «استودعناه الذي استودعته أُمُّ موسى موسى»، ومن الثاني قوله (عليه السلام): «اُدخل إلى الوقت المعلوم»، وقول الراوي: (فدخلت فما رأيت أحداً)، وهذا لا ينافي إمكان رؤيته في ذلك الوقت لبعض أصحاب الإمام العسكري (عليه السلام) لأجل إثبات وجوده وولادته وإمامته (عليه السلام).
فبناءً على هذا الرأي تكون بداية الغيبة الصغرى من سنة (٢٥٥هـ)، وتكون مدَّتها (٧٤) سنة.
ولعلَّك تسأل: إذا كانت ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) في سنة (٢٥٥هـ)، ووفاة الإمام العسكري (عليه السلام) في سنة (٢٦٠هـ)، فهذا يفترض أنَّ عمر الإمام عند وفاة أبيه كان خمس سنوات، فكيف نُفسِّر ما ورد في هذه الرواية من أنَّه ابن عشر أو ثمان سنوات؟
الجواب: لا منافاة في البين ولا اضطراب، كبرىً وصغرىً.
أمَّا الكبرى، فإنَّ المعلوم لدى كثير من الناس أنَّ بعض الأشخاص توجد في أجسامهم خصائص معيَّنة تؤدّي إلى نموّهم سريعاً، بحيث إذا نظر إليهم شخص أعطاهم سنّاً أكبر من سنّهم.
وأمَّا الصغرى، فلأنَّ بعض الروايات دلَّت على أنَّ الإمام (عليه السلام) كان يكبر - ينمو - أكثر ممَّا يكبر غيره، فلهذا كان ابن خمس سنوات آنذاك ولكن الناظر إليه يحسبه ابن ثمان، ولهذا قال الراوي نفسه: (فخرج إلينا غلام خماسي، له عشر أو ثمان).
القول الثاني:
إنَّ بداية الغيبة الصغرى منذ شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
وهو الصحيح الذي عليه جمهور الشيعة الإماميَّة؛ فإنَّ غيبة الإمام لم تبدأ حين ولادته؛ بل بدأت بعد شهادة الإمام العسكري (عليه السلام)، وبناءً عليه فإنَّ الغيبة بدأت من سنة (٢٦٠هـ)، واستمرَّت إلى سنة (٣٢٩هـ)، فيكون مجموع سني الغيبة (٦٩) سنة.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة