العدل الشامل في حكومة الإمام المهدي وإمكانية تحققه في عالم مليء بالتفرقة

, منذ 16 ساعة 56 مشاهدة

العدل من القيم الأساسية التي تنشدها جميع الأديان والشرائع السماوية، وهو غاية كبرى في مسيرة البشرية عبر التاريخ. ويحتل العدل موقعًا مركزيًا في الإسلام، حيث ورد في القرآن الكريم بأشكال متعددة، مؤكدًا على أهميته كقيمة محورية في الحياة الفردية والاجتماعية والسياسية. وفي العقيدة الشيعية، يُعدّ ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) نقطة تحوّل تاريخية ستُعيد للعالم توازنه الأخلاقي والروحي من خلال إقامة العدل الشامل. لكن السؤال المطروح: هل يمكن تحقق هذا العدل في عالم يضجّ بالتفرقة والصراعات؟ هذا المقال يحاول أن يسلّط الضوء على البعد الإنساني والقرآني لفكرة العدل المهدي، مع تقييم واقعية هذا الحلم الإلهي.

أولًا: العدل في القرآن الكريم

العدل في القرآن لا يُختزل في الجانب القضائي فحسب، بل يمتد إلى جوانب الحياة كلها. يقول الله تعالى:

"إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ" (النحل: 90).

وفي موضع آخر:

"وتمت كلمة ربك صدقًا وعدلاً" (الأنعام: 115).

فهذه الآيات تؤكد أن العدل هو من سنن الله الكونية، وهو ركن في بناء المجتمعات الصالحة. ويرتبط العدل بالتوحيد، حيث أن الظلم شرك (لقمان: 13)، والعدل صورة من صور تطبيق التوحيد في الواقع.

ثانيًا: العدل في حكومة الإمام المهدي: البعد الإنساني والروحي

في الروايات الإسلامية، وخاصة الشيعية، وردت أوصاف متعددة لحكومة الإمام المهدي، وكلّها تدور حول محور العدالة المطلقة. منها:

"يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا."

البعد الإنساني في هذه الحكومة لا يقتصر على رفع الظلم فحسب، بل يشمل:

تحرير الإنسان من الفقر والاستغلال.

إعادة توزيع الثروات بالعدل.

نشر الأمن النفسي والاجتماعي.

إزالة الفوارق الطبقية.

إحياء الضمير الإنساني والعلاقة بالله.

هذا العدل سيكون شموليًا، لا يتبع لجنس أو لون أو مذهب، بل يُخاطب فطرة الإنسان أينما كان، فيجعل من العالم قرية إنسانية عادلة متصالحة.

ثالثًا: إمكانية تحقق العدل الشامل في عالم مليء بالتفرقة

قد تبدو فكرة العدل الشامل في عصر الإمام المهدي أشبه بالمدينة الفاضلة أو حلمًا يصعب تحققه، في ظل الحروب الطائفية، والاستعمار الثقافي، والتمييز العنصري، والفقر، والاحتكار، وهيمنة القوى الكبرى. لكن النظر من زاوية الإيمان والعقل يجعلنا نعيد تقييم الموقف:

فالعدل الشامل ليس مجرد مشروع بشري، بل وعد إلهي.

والوعود الإلهية لا تسقط بالتغيرات الاجتماعية، بل تتحقق حين تكتمل شروطها.

البشرية وصلت إلى حالة من الإشباع المادي، لكنها تعاني من الجفاف الروحي.

وهذا التناقض يجعلها مهيّأة لقبول قيادة روحية عادلة تُحقق التوازن بين الجسد والروح، بين الفرد والجماعة.

وظهور الإمام المهدي سيكون مترافقًا مع تغيّر في الوعي العالمي.

حيث تميل البشرية نحو القيم الإنسانية مع تطور التجربة التاريخية، ويزيد الرفض للظلم.

رابعًا: التكامل بين البعد الإلهي والإرادة الإنسانية

على الرغم من أن ظهور الإمام المهدي غيبي وتدبّيره بيد الله، إلا أن مسؤولية التمهيد له تقع على عاتق الإنسان. فيجب:

إعداد النفس على محبة العدل ورفض الظلم.

تربية الجيل القادم على القيم القرآنية.

الدعوة إلى الوحدة والعمل على مقاومة الاستبداد بالوعي والفكر.

بذلك، يصبح انتظار الإمام المهدي ليس انتظارًا سلبيًا، بل مشروعًا عمليًا لبناء مجتمع العدل تدريجيًا.

الخاتمة

فكرة العدل الشامل في حكومة الإمام المهدي ليست مجرد حلم بعيد أو أسطورة دينية، بل هي مشروع إنساني - إلهي، تستند إلى الوحي والعقل والتجربة التاريخية. هذا العدل يجمع بين الطموح الإنساني الفطري، والرسالة القرآنية الخالدة، والقيادة الربانية الموعودة. ورغم صعوبة الطريق، فإنّ الأمل بظهور العدل لا يموت، لأنه مغروس في أعماق كل إنسان، ولأنه وعد الله الذي لا يخلف الميعاد.

"وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ..." (القصص: 5)

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0665 Seconds