كيف تخلّص الإمام المهدي (عليه السلام) من رقابة السلطات العباسية؟

, منذ 6 ساعة 55 مشاهدة

منذ بزوغ فجر ولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن (عجّل الله فرجه)، فقد كان الإمام ملاحَقًا من قبل السلطة العباسية، التي كانت تخشى من تحقق النبوءة التي تكررت على ألسنة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) والأئمة من أهل البيت (عليهم السلام): "يخرج من ولدي من يملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعد ما مُلئت ظلمًا وجورًا". وقد أدرك الخلفاء العباسيون أن هذا "الموعود" سيشكّل تهديدًا لسلطتهم، فبذلوا قصارى جهدهم لاكتشاف مكانه والقضاء عليه. ومع ذلك، نجح الإمام المهدي في الإفلات من قبضة العباسيين بفضل مجموعة من العوامل التي سنتناولها تفصيلًا في هذا المقال.

أولًا: الظروف السياسية والأمنية زمن الإمام الحسن العسكري

عاش الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ـ والد الإمام المهدي ـ في سامراء تحت الإقامة الجبرية، وكان محاطًا بمراقبة دقيقة من جواسيس السلطة. ومن خلال مراقبة الإمام العسكري، كان العباسيون يسعون للتأكد من عدم ولادة "الابن الموعود".

لكن الإمام العسكري تعامل بحذر شديد مع الوضع، فأخفى زواجه بنرجس (أم الإمام المهدي) ولم يُعلن عن حملها. وحين وُلد الإمام المهدي سنة 255هـ، أُخفيت ولادته عن أعين الناس، حتى عن أقرب المقرّبين للإمام إلا من خواص أصحابه.

ثانيًا: التدابير الأمنية الصارمة لإخفاء الولادة

اتخذ الإمام العسكري وأصحابه خطوات حازمة لإخفاء أمر الإمام المهدي، ومن هذه التدابير:

الإخفاء التام للولادة: حتى أن بعض الشيعة لم يعلموا بولادة الإمام إلا بعد فترة، وكانت الولادة سرّية بحضور عدد محدود جدًا من الثقات كالسيدة حكيمة (عمة الإمام العسكري) وبعض الخواص مثل عثمان بن سعيد العمري.

الاختفاء المباشر بعد الولادة: لم يظهر الإمام المهدي علنًا، بل تربى في الخفاء، وكان يتواصل مع شيعته من خلال وسطاء موثوقين.

التكتم على شخصية الأم: كانت السيدة نرجس الجليلة جارية رومانية الأصل، ولم يُعلن أنها زوجة للإمام، لئلا تثير شكوك السلطة. ولعل في بعض الشواهد على أنها "خادمة" في بيت الإمام العسكري (عليه السلام).

ثالثًا: وجود شبكة "الوكلاء" الممهدة للغيبة

كان للأئمة من قبل الإمام المهدي نظام دقيق من الوكلاء، هدفه إيصال الأموال الشرعية (الخمس) والأسئلة العقائدية والشرعية إلى الإمام، والعكس أيضًا. هذا التنظيم السري نشأ وتطور من زمن الإمام الهادي (عليه السلام)، وتكامل في زمن الإمام العسكري، ومهّد للغيبة الصغرى.

وقد استخدم الإمام المهدي هذا النظام بعد وفاة أبيه، حيث تواصل مع شيعته من خلال سفرائه الأربعة المعروفين، خاصة عثمان بن سعيد العمري ثم ابنه محمد بن عثمان. وهكذا استمر الاتصال مع القاعدة الشيعية دون أن يظهر الإمام شخصيًا، ما صعّب على السلطة العباسية تعقّبه.

رابعًا: دخول الإمام في الغيبة الصغرى مباشرة

بعد شهادة الإمام الحسن العسكري سنة 260 هـ، دخل الإمام المهدي في الغيبة الصغرى، حيث لم يُشاهد علنًا، بل كانت مراسلاته تتم عبر وكلائه فقط. واستمرت الغيبة الصغرى قرابة 70 عامًا، كان فيها الإمام حاضرًا ولكن لا يُرى، وبهذا انقطعت يد السلطة عن إمكان الوصول إليه.

وقد تخللت هذه الغيبة عدة محاولات من العباسيين للعثور عليه، منها تفتيش بيت الإمام العسكري فور وفاته، والضغط على الجواري والنساء في البيت، لكنهم لم يعثروا على شيء، لأن الإمام كان قد أخفي ببراعة، وربما خرج من سامراء آنذاك.

خامسًا: العناية الإلهية والإعداد الغيبي

إلى جانب كل الأسباب الظاهرة من التخطيط البشري والتنظيم السري، هناك بعد غيبي وإلهي لا يمكن إغفاله، فالإمام المهدي إمام منصوص عليه، وحجّة لله في أرضه، ومن الطبيعي أن تكون عناية الله شاملة له، تحرسه من أعين المتربصين، كما حُفظ موسى بن عمران من فرعون، وعيسى بن مريم من الرومان.

خلاصة

استطاع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الإفلات من قبضة السلطة العباسية من خلال:

التدبير المحكم من الإمام الحسن العسكري لإخفاء زواجه وولادة ابنه.

التكتم التام على تفاصيل حياة الإمام بعد ولادته.

اعتماد نظام الوكلاء السري الذي حفظ التواصل مع القاعدة الشيعية.

الدخول المباشر في الغيبة الصغرى بعد وفاة والده.

العناية الإلهية الخاصة التي حمت الإمام من القتل أو الأسر.

هذا المزيج من الأسباب الطبيعية والإلهية مهّد لغيبة الإمام الكبرى، وبقاء الحجة محفوظًا ليظهر في الوقت الذي يأذن الله فيه بظهوره ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0748 Seconds