إنَّ الحديث عن تلك الحكومة الإلهية التي ستحقق الوعد الإلهي وتملأ الأرض قسطاً وعدلاً حديث عظيم وعظيم ولقد كتبت العديد من المؤلفات والموسوعات التي تتعلق بالإمام المهدي (عليه السلام) ودولته في آخر الزمان وكذا التي تناولت سيرته الشريفة وغيبته وسفراءه وما يتعلق بذلك، فكانت العشرات من تلك المؤلفات لعلماء المسلمين من شتى الطوائف. ونقف اليوم عند مؤلَّفٍ من تلك المؤلفات التي تسلط الضوء على طبيعة حكومة الإمام المهدي (عليه السلام) التي نترقبها، وآلية هذه الحكومة، وكيفية الاستعداد لها وتهيئة الأرضية المناسبة وغير ذلك.
حيث يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (صاحب تفسير الأمثل) في كتابه "الحكومة العالمية للإمام المهدي عجل الله فرجه": لا شك أن القرائن تشير على ضوء النظرة الابتدائية إلى أن الدنيا تمضي قدماً نحو الفاجعة التي تتبين ملامحها من خلال مقارنة الوضع السائد مع الماضي القريب...... ولكي يكون الاستعداد نافعاً فهناك عدة خطواتٍ يجب العمل على تهيأتها.
الاستعدادات العامة:
لابد أنْ نذعن بأن بلوغ تلك المرحلة التاريخية التي يجتمع فيها كافة الناس تحت راية واحدة وتزول فيها الأسلحة الفتاكة وتنعدم فيها الطبقات المستعمَرة (بالفتح) والمستعمِرة (بالكسر) وتنتهي فيها النزاعات والألاعيب السياسية والعسكرية للدول العظمى.... وعلى أية حال، هناك استعدادات ينبغي توفرها لقيام هذه الحكومة:
١- الاستعداد الفكري والثقافي: أي ينبغي أنْ يبلغ المستوى الفكري للناس درجة تجعلهم يدركون بأن قضية العِرْق أو المناطق الجغرافية المختلفة ليست بالأمور الجديرة بالاهتمام في حياتهم وليس للخلافات على أساس اللون واللغة والأرض أن تفرق بين أبناء البشر ويجب أن تموت وإلى الأبد العصبيات القبلية والفئوية....
٢- الاستعداد الاجتماعي: لابد أنْ يتعظ الناس من الظلم والجور والأنظمة السائدة ويشعروا بحرارة هذه الحياة المادية واليأس التام من أن مثل هذه الحياة الأحادية النزعة يمكنها في المستقبل حل المشكلة القائمة..... فقد اتسعت رقعة الإرباكات المادية وعدم الأمن والاستقرار إلى جانب غياب حالة الرفاه والرخاء.
٣- الاستعدادات التقنية: خلافاً لما يراه البعض من أن بلوغ مرحلة التكامل الاجتماعي وعالم مفعم بالأمن والعدل والسلام يقترن ضرورة بالقضاء على التقنية المعاصرة، بل الواقع أن هذه التكنولوجيا المتطورة ليس فقط لا تحول دون قيام حكومة العدل العالمية فحسب، بل ربما يستحيل بدونها تحقيق تلك الحكومة.... فإن مثل هذه الحكومة وبغية إشاعة الأمن وبسط العدل في ربوع العالم، تحتاج إلى العلم بكافة المناطق والسيطرة التامة لتتمكن من تربية المجتمع المتأهب للإصلاح إلى جانب الإبقاء على وعيه وحيويته.... ويبدو أن العالم الذي يريد أن يبلغ هذه المرحلة ينبغي أن تتسع فيها رقعة وسائل التربية والتعليم وتتصف بالشمولية بحيث تستند أغلب مشاريعها إلى التثقيف الذاتي، وهذا بدوره يتطلب مراكز ثقافية فاعلة ووسائل ارتباط عامة وصحافة وكتب ضخمة والتي لا تتيسر جميعاً دون وفرة الآلات الصناعية المتطورة..... فهذه بعض الاستعدادات التي جيب أن تتوفر كمقدمة لتلك الحكومة العالمية، فإن مسألة انتظار الحق والعدل وقيام المصلح العالمي (المهدي) تتركب في الواقع من عنصرين: عنصر النفي وعنصر الإثبات، وعنصر النفي هو عدم التكيّف مع الوضع الموجود، وعنصر الإثبات هو السعي إلى الوضع الأفضل خلافاً لاعتقاد البعض بأن المحور الرئيسي لانتظار ظهور المصلح المطلق يكمن في الإحباطات والإرباكات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : كيف يكون الانتظار للإمام المهدي (عليه السلام)؟ ـ تأليف: عماد الكاظمي.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة