يُمثّل شهر محرم الحرام عند الشيعة الإمامية شهر الحزن والأسى، إذ يخلّدون فيه أعظم مصيبة عرفها التاريخ الإسلامي، وهي مأساة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه. ومن أبرز من يتفاعل وجدانياً وروحياً مع هذه المصيبة، هو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، الذي لا تُفهم نهضته الكبرى وظهوره المقدّس إلا في ضوء كربلاء وثارات الحسين عليه السلام.
أولاً: الحسين والمهدي.. رابطة الدم والموقف
الإمام المهدي هو الابن التاسع للإمام الحسين عليه السلام، بحسب الروايات المتواترة عند الإمامية، وهو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت. فالعلاقة بين المهدي والحسين ليست فقط نسبية، بل عقائدية ومبدئية:
جاء في الحديث الشريف:
"فيبايع بين الركن والمقام، ويقول: يا أهل العالم إن جدي الحسين قُتل عطشاناً، ألا فثارات الحسين!"
(مأخوذ من بعض روايات الظهور وإن لم تكن بأسانيد قوية، لكنها مروية في مصادر متأخرة)
ثانياً: الحزن في شخصية الإمام المهدي
وردت نصوص تشير إلى عمق الحزن الذي يعيشه الإمام المهدي على جده الحسين عليه السلام، ومن أشهرها:
زيارة الناحية المقدسة:
وهي منسوبة للإمام المهدي، وفيها يقول مخاطباً الإمام الحسين:
"فلأندبنك صباحاً ومساءً، ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً..."
هذه الزيارة تكشف عن عاطفة جياشة وألم داخلي مستمر يعيشه الإمام المهدي تجاه جده الحسين، وتجعل من الحزن على كربلاء عنصراً حاضراً دائماً في وجدانه، وليس فقط في شهر محرم.
ثالثاً: الإمام المهدي في شهر محرم
رغم أن ظهور الإمام المهدي عليه السلام ليس مقيداً زمنياً بمحرم – بحسب أكثر الروايات – إلا أن:
بعض الأخبار تشير إلى أن شهر محرم، وبالتحديد يوم عاشوراء، قد يكون يوم ظهوره وقيامه:
عن أبي جعفر الباقر عليه السلام:
"كأني بالإمام القائم يوم عاشوراء قائماً بين الركن والمقام، وجبرائيل ينادي: البيعة لله"
(الشيخ المفيد، الإرشاد)
هذا الارتباط يعمّق رمزية محرم باعتباره ليس فقط موسم الحزن، بل موسم التهيؤ للثأر والقيام.
رابعاً: البعد الرسالي لِحزن المهدي
الإمام المهدي لا يحزن فقط كعاطفة إنسانية، بل كجزء من رسالته الإلهية، لأن:
ثورته في جوهرها امتداد لثورة الحسين.
شعاره كما في بعض الروايات: "يا لثارات الحسين".
أهدافه في إقامة العدل وإزالة الجور، هي ذاتها التي خرج الحسين من أجلها، حيث قال:
"إني لم أخرج أشراً ولا بطراً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي".
خامساً: أثر هذا الحزن علينا كمؤمنين
إذا كان الإمام المهدي، وهو صاحب العصر والزمان، يبكي بدل الدموع دماً على الحسين، فإن على شيعته ومحبّيه:
أن يُحيوا محرم بالحزن الواعي لا الحزن السطحي.
أن يستلهموا من كربلاء الإيمان والموقف، لا مجرد العاطفة.
أن يُعدّوا أنفسهم لنصرة الإمام المهدي، كما يُجددون بيعتهم للحسين.
خاتمة
شهر محرم عند الإمام المهدي هو شهر ألم ووجدان وثورة، لا يُفارق فيه ذكر الحسين عليه السلام قلبه، ولا تغيب عنه مصيبته. فالحسين هو النبراس، والمهدي هو الثأر، وكربلاء هي الجرح، ومحرم هو صوت هذا الجرح المتجدد، حتى يظهر الوارث الشرعي لدم الحسين، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة