ما هي الطرق التي إستعملها الإمام العسكري للإخبار بولادة الإمام المهدي (عج) ؟

, منذ 1 سنة 467 مشاهدة

لقد التزم الإمامية بعد الإمام الحسن العسكري لا يكون الإمامة فعلاً في ذرية النبي و وعترته المصطفين المعينين، ولم يحلوا نائباً أو وكيلاً منابهم بحال، ولا التزموا لغيرهم بشأن عدا كونهم وسائط إلى الأئمة بعد اختبار صدقهم وخصالهم، كما لم يحلوا عالماً محلهم، بل كان شأن العلماء الرجوع إليهم في الفقه الاجتهادي المتوقف على التخصص والخبرة.

وكذلك التزموا بشرط التفرد في الصفات والتميز الملائم لمقام الاصطفاء، فلم يعبؤوا بدعاوى من قبيل دعوى جعفر ابن الإمام الهادي (عليه السلام) الذي لم يكن يتصف بخصال تؤهله لمقام الإمامة رغم قربه، حيث كان ابناً لإمام وأخاً لإمام.

وأما في شأن العلامات على وجود الإمام (عليه السلام) وتعيينه والوصية إليه فقد كانت هناك مؤشرات ذكية تنبه على أنّه قد يكون هناك أمر خفي ومستور في البين.

وهي أمور متعددة منها ..

1. أن الإمام العسكري (سلام الله عليه) استشهد دون وصي ظاهر ولو بوصية شخصية مثل تدبير أمور موته مثل كفنه ودفنه والصلاة عليه وتدبير ما يتعلق بتركته وذويه ومثل ديونه ومصرف ثلثه والاهتمام بأسرته وبغير ذلك من الأمور المتعارفة، وهذا بالرغم من أن المفروض بالمرء شرعاً أن يكون له وصية شخصية كما ندب إليه في الدين وجرى عليه عرف الصالحين، لكنه لم يحدد لنفسه وصياً رغم وجود بعض المقربين إليه من بني هاشم مثل أبي هاشم الجعفري الذي كان معه في السجن، لكن مع ذلك لم يُنقل عن أي أحد دعوى أنه وصي الإمام العسكري ، فكان غياب أي وصي شخصي ظاهر في حقيقته الفاتاً لنظر الشيعة إلى أن الأمر ليس طبيعياً، وعليهم البحث عن حقيقة الحال، بل هو في الحقيقة نحو إشارة ذكية إلى وصي غائب.

٢. أن المفروض بالإمام من أهل البيت أن يعين بنحو ما من يخلفه في قيادة شيعته كما فعل آباؤه ، إلا أن الإمام العسكري لم يخلف أي شخص ظاهر ليتبوأ مقام الإمامة، وهذا كان أمراً بديهياً للعام والخاص جميعاً، فكان ذلك مؤشراً آخر مفهوماً للشيعة الإمامية على أن وراء الأكمة ما وراءها.

ومما كان يساعد على هذا انتقال الأذهان من عدم تعيين الوصي وترك الأمر من غير خليفة ظاهر إلى الانتباه إلى وجود الإمام الغائب ما جاء . عنهم : مسبقاً من أن المهدي من أهل البيت سيغيب حتماً (١).

وأما الاختبارات التي كانت الشيعة تجريها لتحديد الإمام من أهل البيت من اختبار الصفات والميراث العلمي والإنبائي فلم تكن متاحة بنحو مباشر في شأن الإمام الغائب، لكن بالنظر إلى وجود وكلاء يعملون من جهته لمدة سبعين سنة أمكن هذا الاختبار بنحو غير مباشر من عدة نواح..

۱- اختبار الصفات، فقد كان تدبير الوكلاء الأربعة عن الإمام المهدي طيلة سبعين سنة من نيابتهم عنه الله بعد والده الإمام العسكري يلائم وجود إمام متفرد الصفات وراء هذا الأمر يستطيع أن يحفظ كيان الشيعة وعقيدتها في هذا الظرف الحرج من دون ضوضاء ومحذور، كما فعل الأئمة القادة من قبل رغم حراجة الظروف.

٢- اختبار الميراث العلمي، فإنّ ما جاء به الوكلاء عن الإمام (عليه السلام) يدل على التفرد في الإحاطة بمعالم الدين، ولا شك في أن الوكلاء الأربعة مع أنهم من أهل الفضل والفضيلة لم يكونوا من أهل العلم والاختصاص بالفقه والحديث، وكان في أهل العلم من الشيعة مشايخ كبار خلفاً عن سلف منذ زمان الباقر والصادق (عليهما السلام)، وقد قدموا أسئلة إلى الوكلاء فجاء الجواب عنهم متلائماً مع ما هو المعهود من الأئمة القادة من آبائه (عليهم السلام).

3- الميراث الإنبائي، فقد عهد من الأئمة السابقين (عليهم السلام) إنباؤهم الوافدين إليهم عن أخبار خاصة غير متاحة إلا بعلم خاص، وهذا الأمر تحقق أيضاً، فقد كان الحاملون للأموال يأتون بها نواب الإمام المهدي (عليه السلام) فَيُخْبَرُ الحاملون بخصوصيات ما جاؤوا به، وكان أصحاب الحاجات يفدون فيتم إبلاغهم بتحقق حاجتهم، وكان كل ذلك دليلاً مساعداً ومؤكداً للقرائن العامة على وجود الإمام (عليه السلام).

وبجنب كل ما تقدم كانت هناك أخبار خاصة محددة للإمام (عليه السلام) من قبل الأئمة السابقين (عليهم السلام) أو تحكي الاطلاع عليه بعد ولادته، وهو يمكن أن يكون عنصراً إضافياً بعد تطابقه مع القرائن والأصول العامة.

وهكذا يتبين المنهج العام الذي جرى عليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لإرشاد المجتمع الإمامي إلى الإمام اللاحق في الظروف الأمنية والسياسية الحرجة التي كانت تمنع من الإعلان عنه والمجاهرة به.

كما يتبين على الإجمال جري الشيعة الإمامية على أصول هذا المنهج على وجه ملائم في شأن التأكد من ولادة الإمام المهدي (عليه السلام) ووجوده وإمامته، وهو ما سيجيء توصيفه في أصل البحث إن شاء الله تعالى.

وبإتمام هذه النقطة يتم المدخل الذي أردنا ذكره حول منهج البحث والتحري حول إمامة الإمام المهدي وولادته، وهو في حقيقته يبين المنهج العام في الحري إمامة سائر الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام).

ــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: منهج البحث والتحري في شأن الإمام المهدي (عليه السلام)، السيد محمد باقر السيستاني، ص174-177.

 

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0491 Seconds