وفاة الإمام العسكري (عليه السلام) دليل على ولادة الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه)

, منذ 3 اسبوع 206 مشاهدة

إن الاستدلال بهذا الدليل على إمامته (عجّل الله فرجه)، وهو بنفسه يقتضي ولادته ببيان:

١ - بعد أنْ ثبت وجوب الإمامة في كلِّ زمان، وثبت أنَّ الأئمَّة اثنا عشر إماماً فقط.

٢ - ودلَّت الأدلَّة على موت الإمام الحادي عشر (عليه السلام)، فلا بدَّ من وجود الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه)، فنحن نقطع بوجوده وولادته وإنْ لم نشاهده.

الدليل الرابع: الإجماع على الولادة:

تقريب الدليل:

يُعرَّف الإجماع لغةً بأنَّه الاتِّفاق، واصطلاحاً بأنَّه اتِّفاق حدسي يوجب ثبوت المحمول للموضوع.

والملاحَظ أنَّ قضيَّة الولادة حسّيَّة لا حدسيَّة، فيكون الاستدلال عليها بالإجماع فيه نوع من التجوُّز، باعتبار أنَّ من قال بالولادة إنَّما قال بها تبعاً لما دلَّ من أدلَّة عليها، فيكون أشبه بالرأي في المسألة، ولما كثر من قال به إلى حدٍّ أوجب الإجماع نقل ذلك عنهم، فيكون مدركيًّا، ولا يضرُّ، لأنَّ اتِّفاقهم ذا أهمّيَّة، وهو في قوَّة ثبوت المحمول للموضوع، وكيف ما كان فقد نقل الإجماع على الولادة جملة من علمائنا نذكر من بينهم:

١ - الشيخ المفيد (رحمه الله)، قال: (... وقيام الأدلَّة على أنَّه معصوم من الزلَّات...، ووجوب النصِّ على من هذا سبيله من الأنام، أو ظهور المعجز عليه لتميُّزه ممَّن سواه، وعدم هذه الصفات من كلِّ أحد سوى من أثبت إمامته أصحاب الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)، وهو ابنه المهدي، على ما بيَّنَّاه...)(1).

بتقريب: أنَّ اتِّفاق الأصحاب على تشخيصه وتعيُّن شخصه وأنَّه المهدي (عجّل الله فرجه)، عبارة ثانية عن الإجماع.

٢ - الشيخ الطوسي (رحمه الله)، قال: (وأمَّا الدليل على أنَّ المراد بالأخبار والمعني بها أئمَّتنا (عليهم السلام) فهو أنَّه إذا ثبت بهذه الأخبار أنَّ الإمامة محصورة في الاثني عشر إماماً، وأنَّهم لا يزيدون ولا ينقصون، ثبت ما ذهبنا إليه، لأنَّ الأُمَّة بين قائلين: قائل يعتبر العدد الذي ذكرناه، فهو يقول: إنَّ المراد بها من يذهب إلى إمامته، ومن خالف في إمامتهم لا يعتبر هذا العدد، فالقول - مع اعتبار العدد -: إنَّ المراد غيرهم، خروج عن الإجماع، وما أدَّى إلى ذلك وجب القول بفساده)(2).

بتقريب: أنَّ ممَّا ثبتت به الولادة دليل العدد، وهو محدَّد ومنطبق على محدَّد، وممَّن انطبق عليه العدد الحجَّة بن الحسن (عجّل الله فرجه)، ومخالفة ذلك خروج عن الإجماع.

٣ - الشيخ ميثم بن عليٍّ البحراني (رحمه الله)، قال: (واتَّفقوا على أنَّ أباه لم يمت حتَّى أكمل الله تعالى عقله وعلَّمه الحكمة وفصل الخطاب، وأبانه من سائر الخلق بهذه الصفة، إذ كان خاتم الحُجَج ووصيُّ الأوصياء وقائم الزمان)(3).

٤ - الشيخ الفاضل المقداد السيوري (رحمه الله)، قال: (إنَّه لمَّا دلَّ الدليل على إمامة سيِّدنا المنتظر (عليه الصلاة والسلام)، وأنَّ كلَّ زمان لا بدَّ من إمام معصوم، وجب وجوده وبقاءه من حيث موت أبيه الحسن (عليه السلام) إلى آخر زمان التكليف، وإلَّا لزم إمَّا القول بوجوب إمامة معصوم غيره، وهو باطل بالإجماع أو خلو زمان عن إمام، وهو باطل...)(4).

٥ - الشيخ الطبرسي (رحمه الله)، قال: (إذا ثبت بالدليل العقلي وجوب الإمامة...، وثبت وجوب النصِّ على من هذه صفته من الأنام، أو ظهور المعجز الدالِّ عليه المميِّز له عمَّن سواه، وعدم هذه الصفات من كلِّ أحد بعد وفاة أبي محمّد الحسن بن عليٍّ العسكري ممَّن ادُّعيت الإمامة له في تلك الحال، سوى من أثبت إمامته أصحابه (عليه السلام) من ولده، القائم مقامه، ثبتت إمامته (عليه السلام)...)(5).

إنْ قلت: إنَّ ما مرَّ هو إجماع على الإمامة.

قلت: نُسلِّم في بعضها، ولا يمنع من دلالته على الولادة بالملازمة.

العقيقة دليل الولادة:

تقريب الدليل:

العقيقة: من سُنَن الإسلام تُذبَح فداءً عن الولد، وقد ورد فيها: «كلُّ امرئ مرتهن بعقيقته»(6)، وهي من المستحبَّات الشرعيَّة، وقد عقَّ النبيُّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الحسن والحسين (عليهما السلام)، وكذلك يفعل المسلمون عند مواليدهم، والإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ومن ضمن التدابير التي قام بها لإثبات ولادة ولده الحجَّة (عجّل الله فرجه) أنْ عقَّ عنه بعقاق كثيرة، وممَّا ورد في ذلك:

١ - عن أبي جعفر العمري: لمَّا وُلِدَ السيِّد (عليه السلام) قال أبو محمّد (عليه السلام): «ابعثوا إلى أبي عمرو»، فبُعِثَ إليه، فصار إليه، فقال له: «اشتر عشرة آلاف رطل خبر وعشرة آلاف رطل لحم وفرِّقه [أحسبه قال: على بني هاشم]، وعُقَّ عنه بكذا وكذا شاة»(7).

ودلالة الرواية على الولادة من جهة أنَّ العقيقة ملازمة لها، بل صُرِّح فيها أنَّها لولادة السيِّد، وقد تضمَّنت نوعين من العقيقة:

الأوَّل: عقيقة اللحم وهي عشرة آلاف رطل، وهو ما يقارب (٤٠٠٠) كيلو من اللحم، فإذا ضممنا له الخبز، فإنَّ نصيب كلِّ شخص رطل من الخبر واللحم، وبذلك وصل الخبر إلى ما يقارب (١٠) آلاف فرد أو عائلة، وهي بدورها تسأل أو بعضاً منهم على الأقل: ما هي مناسبة هذا اللحم؟ كما هو متعارف لدينا، وبذلك ينتقل خبر الولادة بشكل لا ينافي الكتمان المطلوب.

الثاني: قوله: «عُقَّ عنه بكذا وكذا شاة»، وهو يشير إلى عدد كبير نسبيًّا يُضاف إلى العشرة آلاف رطل.

٢ - عن إبراهيم بن إدريس، قال: وجَّه إليَّ مولاي أبو محمّد (عليه السلام) بكبش وقال: «عُقَّ عن ابني فلان، وكُلْ وأطعم أهلك»، ففعلت، ثمّ لقيته بعد ذلك، فقال لي: «المولود الذي وُلِدَ لي مات»، ثمّ وجَّه إليَّ بكبشين وكتب: «بسم الله الرحمن الرحيم، عُقَّ هذين الكبشين عن مولاك، وكُلْ هنَّأك الله وأطعم إخوانك»، ففعلت، ولقيته بعد ذلك، فما ذكر لي شيئاً(8).

ودلالته على الولادة واضحة، وقوله في المرَّة الأُولى: «مات» يحتمل للتقيَّة أو الخوف على الراوي، أو فعلاً أنَّه وُلِدَ ومات، أو غير ذلك ممَّا لا يضرُّ بدلالة الرواية على المطلوب.

إنْ قلت: إنَّه لم يُعرَف أو يشتهر أنَّ للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ولدين.

قلت: نحن ودلالة الرواية لا بصدد إثبات أو نفي غير ذلك.

وقال بعض أهل العلم والتتبُّع: لعلَّه وُلِدَ فعلاً ومات ثمّ وُلِدَ له المهدي (عجّل الله فرجه)، ويمكن أنْ يُجاب عنه بأنَّه لا أثر له سوى هذا النصِّ الذي يحتمل التوجيه المتقدِّم.

٣ - عن إبراهيم صاحب أبي محمّد (عليه السلام) أنَّه قال: وجَّه إليَّ مولاي أبو محمّد (عليه السلام) بأربعة أكبش وكتب إليَّ: «بسم الله الرحمن الرحيم، (عُقَّ) هذه عن ابني محمّد المهدي، وكُلْ هنَّأك الله وأطعم من وجدت من شيعتنا»(9).

٤ - عن محمّد بن إبراهيم الكوفي أنَّ أبا محمّد (عليه السلام) بعث إلى بعض من سمَّاه لي بشاة مذبوحة، قال: «هذه من عقيقة ابني محمّد»(10)، ويظهر منها أنَّ العقاق كثيرة، وهذه بعض منها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإرشاد (ج٢/ ص٣٤٢).

(2) الغيبة للطوسي (ص١٥٧).

(3) النجاة في القيامة (ص٢٠١).

(4) اللوامع الإلهيَّة (ص٣٤٦).

(5) إعلام الورى (ج٢/ ص٢٢٥).

(6) الكافي (ج٦/ ص٢٥/ باب العقيقة ووجوبها/ ح٣).

(7) كمال الدِّين (ص٤٣١/ باب ٤٢/ ح٦).

(8) الغيبة للطوسي (ص٢٤٥ و٢٤٦/ ح٢١٤).

(9) بحار الأنوار (ج٥١/ ص٢٨).

(10) كمال الدِّين (ص٤٣٢/ باب ٤٢/ ح١٠).

المصدر : دروس استدلالية في العقيدة المهدوية ـ تأليف : الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0467 Seconds