لقد كان الخلفاء العبّاسيّون في قلق وخوف على دولتهم، وخصوصاً المعتزّ والمهتدي والمعتمد من مولود سيحطّم عرش الظلم، ولذلك شدّدوا الحصار، وجعلوا الإمام تحت المراقبة الشديدة على نفس المنهج الذي سلكه فرعون لمنع حصول ولادة موسى (عليه السلام) وكانوا يختارون من جلاوزتهم مّمن يراقب بيوت الهاشميّين، وعلى الخصوص بيت الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وحاولوا مراراً القضاء على حياة الإمام، والعثور على الإمام المهدي وقتله، ولذلك كان يخفيه عنهم.
وأمّا محاولاتهم الفاشلة فهي كما يلي:
١ - السعي لقتل الإمام العسكري (عليه السلام)
حاول كلٌّ من: المعتزّ والمهتدي والمعتمد العبّاسي مراراً القضاء على حياة الإمام الحسن العسكري في داره أو في السجن لمنع ولادة المهدي المنتظر (عليه السلام)، فقال (عليه السلام) حينما ولد الحجّة: «زعم الظلمة أنّهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل، فكيف رأوا قدرة الله»(1).
٢ - تفتيش بيت الإمام لإلقاء القبض على المهدي
لم يمرّ على رحيل الإمام العسكري (عليه السلام) إلاّ لحظات حتّى حوصر بيت الإمام بأمر من المعتمد العبّاسي، وقام الشرطة بالتفتيش الدقيق في بيت الإمام والبحث عن إبنه.
قال الصدوق: «وجاءوا بنساء يعرفن بالحبل، فدخلن على جواريه، فنظرن إليهنّ، فذكر بعضهنّ أنّ هناك جارية بها حمل، فأمر بها، فجعلت في حجرة ووكّل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم»(2).
٣ - وشاية جعفر، وإلقاء القبض على صقيل
لمّا جهّزوا الإمام العسكري للصلاة عليه تقدّم جعفر بن عليّ ليصلّي على أخيه، فلمّا همّ بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، بأسنانه تفليج، فجذب رداء جعفر وقال: «يا عمّ، أنا أحقّ بالصلاة على أبي...»(3)، ووشى جعفر إلى الخليفة العبّاسي بوجود طفل في بيت الإمام العسكري (عليه السلام)، فبعث المعتمد إثر وشايته جلاوزته ليبحثوا عن صقيل جارية الإمام (عليه السلام) حتّى تدلّهم على ذلك الطفل، فأنكرت صقيل ذلك، وادّعت أنّ بها حمل من الإمام العسكري (عليه السلام) حفظاً على الإمام المهدي من تعرّض الأعداء، لذلك حبسوها في بيت حتّى تضع حملها ويقتلوا وليدها، وفي هذه الآونة فوجئوا بموت وزير الخليفة العبّاسي (عبد الله بن يحيى)، وبخروج صاحب الزنج بالبصرة، واضطراب الأوضاع السياسيّة، وكثرة الفوضى، فاستفادت صقيل من هذه الظروف وعادت إلى بيتها(4).
٤ - إرسال جماعة لقتل الإمام المهدي (عليه السلام)
ويشهد علي ذلك من أنّهم كانوا في طلبه ليقتلوه (عليه السلام) ما حدّثه لنا رشيق صاحب المادراي قال: «بعث إلينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر، فأمرنا أن يركب كلّ واحد منّا فرساً ونجنب آخر ونخرج مخفين لا يكون معنا قليل ولا كثير إلاّ على السرج مصلى وقال لنا: إلحقوا بسامرة، ووصف لنا محلّة وداراً وقال: إذا أتيتموها تجدون على الباب خدماً أسود، فاكبسوا الدار، ومن رأيتم فيها فأتوني برأسه.
فوافينا سامرة فوجدنا الأمر كما وصفه، وفي الدهليز خادم أسود وفي يده تكّة ينسجها، فسألناه عن الدار ومن فيها، فقال: صاحبها، فوالله ما التفت إلينا وقلّ اكتراثه بنا.
فكسبنا الدار كما أمرنا فوجدناه داراً سرية ومقابل الدار ستر ما نظرت قطّ إلى أنبل منه، كأنّ الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت، ولم يكن في الدار أحد، فرفعنا الستر فإذا بيت كبير كأنّ بحراً فيه ماء، وفي أقصى البيت حصير قد علمنا أنّه على الماء، وفوقه رجل من أحسن النّاس هيئة قائم يصلّي، فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا.
فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطّى البيت فغرق في الماء، وما زال يضطرب حتّى مددت يدي إليه فخلّصته وأخرجته وغشي عليه وبقي ساعة، وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك الفعل، فناله مثل ذلك، وبقيت مبهوتاً.
فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلى الله وإليك، فوالله ما علمت كيف الخبر، ولا إلى من اُجيئ، وأنا تائب إلى الله، فما التفت إلى شيء ممّا قلنا، وما انفتل عمّا كان فيه، فهالنا ذلك وانصرفنا عنه، وقد كان المعتضد ينتظرنا، وقد تقدّم إلى الحجّاب إذا وافينا أن ندخل عليه في أي وقت كان، فوافيناه في بعض الليل، فأدخلنا عليه، فسألنا عن الخبر، فحكينا له ما رأينا، فقال: ويحكم لقيكم أحد قبلي وجرى منكم إلى أحد سبب أو قول؟
قلنا: لا، فقال: أنا نفي من جدّي، وحلف بأشد أيمان له أنّه رجل إن بلغه هذا الخبر ليضربنّ أعناقنا، فما جسرنا أن نتحدّث به إلاّ بعد موته»(5).
وممّا يدّل أيضاً على أنّ الخلفاء العبّاسيّين قد عزموا على قتله إن عثروا عليه، ما قاله الإمام الصادق (عليه السلام) لجماعة من شيعته قوله: «بنو اُميّة وبنو العبّاس لمّا أن وقفوا على أنّ زوال مملكة الاُمراء والجبابرة منهم على يدي القائم منّا، ناصبونا للعداوة، ووضعوا سيوفهم في قتل أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وإبادة نسله، طمعاً منهم في الوصول إلى قتل القائم، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره المشركون...»(6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الأثر: ٢٨٩.
(2) كمال الدين: ١ / ٤٣.
(3) حياة الإمام العسكري (عليه السلام): ٣١٧.
(4) حقّ اليقين: ٣٢٠.
(5) كتاب الغيبة: ١٤٩.
(6) كتاب الغيبة: ١٠٦.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة