كيف تكون له الولاية على الناس جميعاً وعمره خمس سنوات ؟!!

, منذ 4 سنة 1K مشاهدة

الشيخ علي آل محسن

إن من لوازم القول بإمامة الإمام محمد بن الحسن العسكري (عج) أنه كان إماماً للمسلمين وهو ابن خمس سنين، مع أنه لا يصح أن يتولى الصبي إمامة المسلمين، لعدم كفاءته لتولي هذا المنصب الخطير، مضافاً إلى أن الصبي مولّى عليه، فكيف تكون له الولاية على غيره؟

والجواب :

أن شرط إمام المسلمين أن يكون كفئاً، وأن يتحلى بالمزايا التي تؤهله للقيام بمهام الإمامة، مثل قوة الذكاء، وشدة الفطنة، وتمام العقل، والتقوى عن محارم الله، والعلم بأحكام الله... وما إلى ذلك.

وأما كبر السن والتقدم في العمر فغير معتبر ما دام قادراً على أداء مهام الإمامة على أكمل وجه.

ولهذا لم يدع هذا المنصب بعد رسول الله (ص) لأكبر المسلمين سنا، وليس ثمة ما يمنع من أن يكون الإمام صبياً، ولا محذور في أن ينعم الله سبحانه وتعالى على أنبيائه وحججه وأوليائه

بنعمه الظاهرة والباطنة التي تؤهلهم للرسالة أو الإمامة صغاراً وكباراً، وقد أخبر الله سبحانه في محكم كتابه أنه آتى يحيى (ع) الحكم وهو صبي، فقال عز من قائل (يا يحيى خذ الكتاب بقوَة وآتيناه الحكم صبياً[1]).

قال الشوكاني: المراد بالحكم الحكمة، وهي الفهم للكتاب الذي أُمر بأخذه، وفهم الأحكام الدينية. وقيل  : هي العلم وحفظه والعمل به. وقيل: النبوة. وقيل: العقل. ولا مانع من أن يكون الحكم صالحاً لحمله على جميع ما ذكر[2].

وقال الفخر الرازي: فإن الله تعالى أحكم عقله ـ أي يحيى (ع) ـ في صباه وأوحى إليه، وذلك لأن الله تعالى بعث يحيى وعيسى (ع) وهما صبيان، لا كما بعث موسى ومحمداً (ع)[3].

بل أخبر سبحانه أنه آتى عيسى (ع) الكتاب وجعله نبياً وهو رضيع في مهده لم يمض على مولده إلا زمن يسير، فقال سبحانه (قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً * قال إني عبد

الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً * وجعلنِي مباركا أَين ما كنت وأَوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً * وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً[4]).

قال الفخر الرازي : وقوله (آتاني الكتاب) يدل على كونه نبياً في ذلك الوقت[5].

وقال: إنه تعالى جعله مع صغر جثته قوي التركيب كامل العقل، بحيث كان يمكنه أداء الصلاة والزكاة، ولهذا اتجه تكليفه بالصلاة والزكاة في قوله تعالى (وأَوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً)، فإنه يفيد أنه (ع) كان مكلّفاً منذ بدء حياته[6].

فإذا تقرر ذلك يتضح أنه لا مانع من أن يكون الإمام المهدي (ع) إماماً للمسلمين وهو صبي له من العمر خمس أو ست سنين، بل قبوله هنا أولى، لأنه إذا صحت نبوة الرضيع عندهم صحت إمامة الصبي بالأولوية.

وأما أن الإمام محمد بن الحسن العسكري (ع) قد آتاه الله الحكمة صبيا فقد أقر به بعض أعلام أهل السنّة.

فقد قال ابن حجر الهيتمي: مات [الحسن العسكري] بسر من رأى، ودفن عند أبيه، وعمره ثمانية وعشرون سنة... ولم يخلّف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن آتاه الله فيها الحكمة، ويسمى القائم المنتظر[7].

وحينئذ فلا مانع من كونه إماماً للمسلمين مع صغر سنِّه، وبذلك يندفع الإشكال بحمد الله ونعمته.


[1] سورة مريم :12.

[2] فتح القدير 3/325. راجع تفسير القرطبي 11/87. الكشاف 2/407. تفسير القرآن العظيم 3/113.

[3] التفسير الكبير 21/191.

[4] سورة مريم : 29، 30.

[5] التفسير الكبير 21/214. وأقول: بل قوله تعالى (وجعلني نبياً) أوضح من هذا دلالة على كونه نبياً في ذلك الوقت، بل قبل ذلك الوقت كما هو مقتضى دلالة الفعل الماضي.

[6] التفسير الكبير 21/215.

[7] الصواعق المحرقة، ص240.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0493 Seconds