ما لا تعرفه عن «التوقيعات» الصادرة عن الإمام المهدي!

, منذ 4 سنة 2K مشاهدة

- الشيخ نزار ال سنبل

بعدما كان اتصال العامة بالإمام عليه السلام تتم بصورة مباشرة في زمن الحضور انحصر بما يعرف بالتوقيعات ، وهي رسائل صدرت منه لسفرائه أو لوكلائه أو لشيعته، متعدِّدة الأنحاء والمضامين، وقد تعرَّض لذكرها ونقلها من كتب حول الإمام عليه السلام، وفي هذا المقال نحاول تسليط الضوء على أقسامها وماهية الأمور التي تعلقت بها، فنقول:

تنقسم التوقيعات الشريفة من جهة مضمونها إلى أربعة أقسام:

القسم الأوَّل: التوقيعات الفقهية:

وهي التوقيعات التي كان مضمونها مشتملاً على بيان الأحكام الشرعية.

منها: ما ذكره في الوسائل: وبإسناده عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي أنَّه ورد عليه فيما ورد من جواب مسائله عن محمّد بن عثمان العمري (قدَّس الله روحه): «وَأمَّا مَا سَألْتَ عَنْ الصَّلاَةِ عِنْدَ طُلُوع الشَّمْس وَعِنْدَ غُرُوبهَا، فَلَئِنْ كَانَ كَمَا يَقُولُونَ: إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ بَيْن قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَتَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، فَمَا اُرْغِمَ أنْفُ الشَّيْطَان بِشَيْءٍ مِثْل الصَّلاَةِ، فَصَلِّهَا، وَأرْغِمْ أنْفَ الشَّيْطَان» [1]

ومنها: ما في الاحتجاج: «وَأمَّا مَا سَألْتَ عَنْهُ مِنْ أمْر المَوْلُودِ الَّذِي نَبَتَتْ غُلْفَتُهُ بَعْدَمَا يُخْتَنُ مَرَّةً أُخْرَى، فَإنَّهُ يَجِبُ أنْ يُقْطَعَ غُلْفَتُهُ فَإنَّ الأَرْضَ تَضِجُّ إِلَى اللهِ تَعَالى مِنْ بَوْل الأَغْلَفِ أرْبَعِينَ صَبَاحاً[2]».

القسم الثاني: التوقيعات العقائدية:

وهي التوقيعات التي تحمل مضامين عقائدية.

منها: عن أبي الحسن عليِّ بن أحمد الدلّال القمّي، قال: اختلف جماعة من الشيعة في أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) فوَّض إلى الأئمَّة صلوات الله عليهم أن يخلقوا ويرزقوا، فقال قوم: هذا محال لا يجوز على الله تعالى؛ لأنَّ الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله (عزَّ وجلَّ). وقال آخرون: بل الله أقدر الأئمَّة على ذلك وفوَّض إليهم فخلقوا ورزقوا. وتنازعوا في ذلك نزاعاً شديداً، فقال قائل: ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان فتسألوه عن ذلك ليُوضِّح لكم الحقَّ فيه؟ فإنَّه الطريق إلى صاحب الأمر، فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلَّمت وأجابت إلى قوله، فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه، فخرج إليهم من جهته توقيع، نسخته:

«إنَّ الله تعالى هو الذي خلق الأجسام، وقسَّم الأرزاق؛ لأنَّه ليس بجسم ولا حالّ في جسم، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير. وأمَّا الأئمَّة (عليهم السلام)، فإنَّهم يسألون الله تعالى فيخلق، ويسألونه فيرزق، إيجاباً لمسألتهم، وإعظاماً لحقِّهم[3]».

القسم الثالث: التوقيعات الرجالية:

ونريد بها: التوقيعات التي صدرت من الإمام (عليه السلام) لتمييز الرجال وبيان ضلال بعضهم وفساده وكذبه، ووثاقة البعض وعلوِّ مقامه وصلاحه.

ونذكر توقيعين صدرا من الناحية المقدَّسة عن طريق الحسين بن روح (قدّس سرّه):

التوقيع الأوَّل: (... وكذا كان أبو طاهر محمّد بن عليِّ بن بلال، والحسين بن منصور الحلّاج، ومحمّد بن عليٍّ الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقري لعنهم الله، فخرج التوقيع بلعنهم والبراءة منهم جميعاً، على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح، ونسخته:

«عَرِّفْ أطَالَ اللهُ بَقَاءَكَ، وَعَرَّفَكَ اللهُ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَخَتَمَ بِهِ عَمَلَكَ، مَنْ تَثِقُ بِدِينهِ وَتَسْكُنُ إِلَى نِيَّتِهِ مِنْ إِخْوَانِنَا أدَامَ اللهُ سَعَادَتَهُمْ، بِأنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ المَعْرُوفَ بِالشَّلْمَغَانِيّ عَجَّلَ اللهُ لَهُ النَّقِمَةَ وَلاَ أمْهَلَهُ، قَدِ ارْتَدَّ عَن الإسْلاَم وَفَارَقَهُ وَألْحَدَ فِي دِين اللهِ، وَادَّعَى مَا كَفَرَ مَعَهُ بِالْخَالِقِ جَلَّ وَتَعَالَى، وَافْتَرَى كَذِباً وَزُوراً، وَقَالَ بُهْتَاناً وَإِثْماً عَظِيماً، كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِاللهِ وَضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً، وَخَسِرُوا خُسْراناً مُبِيناً.

وَإِنَّا بَرئْنَا إِلَى اللهِ تَعَالَى وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ [عَلَيْهِ] مِنْهُ وَلَعَنَّاهُ، عَلَيْهِ لَعَائِنُ اللهِ تَتْرَى، فِي الظَّاهِر مِنَّا وَالْبَاطِن، فِي السَّرِّ وَالْجَهْر، وَفِي كُلِّ وَقْتٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، وَعَلَى مَنْ شَايَعَهُ وَتَابَعَهُ وَبَلَغَهُ هَذَا الْقَوْلُ مِنَّا فَأقَامَ عَلَى تَوَلِّيهِ بَعْدَهُ.

أعْلِمْهُمْ تَوَلَّاكُمُ اللهُ أنَّنَا فِي التَّوَقّي وَالمُحَاذَرَةِ مِنْهُ عَلَى مِثْل مَا كُنَّا عَلَيْهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ نُظَرَائِهِ مِنَ السَّريعِيِّ وَالنُّمَيْريِّ وَالْهِلاَلِيِّ وَالْبِلاَلِيِّ وَغَيْرهِمْ.

وَعَادَةُ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَعَ ذَلِكَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ عِنْدَنَا جَمِيلَةٌ، وَبِهِ نَثِقُ وَإِيَّاهُ نَسْتَعِينُ، وَهُوَ حَسْبُنَا فِي كُلِّ أُمُورنَا وَنعْمَ الْوَكِيلُ[4]».

التوقيع الثاني: أخبرنا جماعة، عن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن داود القمّي، قال: وجدت بخطِّ أحمد بن إبراهيم النوبختي، وإملاء أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه)، على ظهر كتاب فيه جوابات ومسائل أُنفذت من قم يسأل عنها، هل هي جوابات الفقيه (عليه السلام) أو جوابات محمّد بن عليٍّ الشلمغاني؛ لأنَّه حكي عنه أنَّه قال: هذه المسائل أنا أجبت عنها، فكتب إليهم على ظهر كتابهم:

«بِسْم اللهِ الرَّحْمن الرَّحِيم، قَدْ وَقَفْنَا عَلَى هَذِهِ الرُّقْعَةِ وَمَا تَضَمَّنَتْهُ، فَجَمِيعُهُ جَوَابُنَا عَنْ المَسَائِلِ، وَلاَ مَدْخَلَ لِلْمَخْذُول الضَّالِّ المُضِلِّ المَعْرُوفِ بِالْعَزَاقِريِّ لَعَنَهُ اللهُ فِي حَرْفٍ مِنْهُ، وَقَدْ كَانَتْ أشْيَاءُ خَرَجَتْ إِلَيْكُمْ عَلَى يَدَيْ أحْمَدَ بْن هِلاَلٍ وَغَيْرهِ مِنْ نُظَرَائِهِ، وَكَانَ مِن ارْتِدَادِهِمْ عَن الإسْلاَم مِثْلُ مَا كَانَ مِنْ هَذَا، عَلَيْهِمْ لَعَنَةُ اللهِ وَغَضَبُهُ[5]».

القسم الرابع: التوقيعات التي يُبيِّن فيها الإمام (عليه السلام) كيفية استنباط الأحكام الشرعية:

فقد أورد الشيخ الطبرسي (قدّس سرّه) توقيعاً طويلاً بيَّن فيه الإمام بعض المسائل الفقهية بشكل تفصيلي؛ بل بيَّن الإمام المهدي (عليه السلام) في بعضها طريقة الاستنباط في حال تعارض الأخبار الواردة إلينا وكيفية حلِّ التعارض، فإنَّ إجابات الإمام (عليه السلام) تارةً تكون لعامَّة الناس، وأُخرى خاصَّة لمن استفتاه، وثالثة لخصوص الفقهاء، وهذا المورد الذي بيَّن فيه طريقة الاستنباط هو من قبيل القسم الثالث الخاصّ بالفقهاء، فالفقيه هو الذي يتعامل مع الأخبار وتعارضها وطريقة الجمع بينها.

والتعارض من مهمّات مسائل علم الأُصول، لذا نجد أنَّ الأُصولي يبحث بحثاً مفصَّلاً في التعارض وأقسامه المستقرّ وغير المستقرّ، وكيفية حلِّ التعارض بين الأخبار.

مثل: كتاب آخر لمحمّد بن عبد الله الحميري أيضاً إليه (عليه السلام) في مثل ذلك: فرأيك أدام الله عزَّك في تأمّل رقعتي والتفضّل بما أسأل من ذلك لأضيفه إلى ساير أياديك عندي ومنِّك عليَّ، واحتجت أدام الله عزّك أن يسألني بعض الفقهاء عن المصلّي إذا قام من التشهّد الأوَّل إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه أن يُكبِّر؟ فإنَّ بعض أصحابنا قال: لا يجب عليه التكبير، ويجزيه أن يقول: بحول الله وقوَّته أقوم وأقعد؟

الجواب:

«إِنَّ فِيهِ حَدِيثَيْن: أمَّا أحَدُهُمَا فَإنَّهُ إِذَا انْتَقَلَ مِنْ حَالَةٍ إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى فَعَلَيْهِ التَكْبِير، وَأمَّا الآخَرُ: فَإنَّهُ رُوِيَ أنَّهُ إِذَا رَفَعَ رَأسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَكَبَّرَ ثُمَّ جَلَسَ، ثُمَّ قَامَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ في الْقِيَام بَعْدَ الْقُعُودِ تَكْبِيرٌ، وَكَذَلِكَ في التَّشَهُّدِ الأوَّلُ، يَجْري هَذَا المَجْرَى، وَبأيَّهِمَا أخَذْتَ مِنْ جِهَةِ التَّسْلِيم كَانَ صَوَاباً[6]».


[1] وسائل الشيعة ٤: ٢٣٦ و٢٣٧/ ح (٥٠٢٣/٨).

[2] الاحتجاج ٢: ٢٩٩.

[3] نفس المصدر .

[4] نفس المصدر

[5] الغيبة للطوسي: ٣٧٣/ ح ٣٤٥.

[6] الاحتجاج ٢: ٣٠٣ و٣٠٤.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0787 Seconds