هل الإمام المهدي (عج) يخشى على نفسه القتل ؟

, منذ 4 سنة 4K مشاهدة

السيد علي الحسيني الصدر

إن حياة الإمام المهدي (عليه السلام) مهددة بالقتل كانت ولا زالت، فلابد من التحذر وحفظ نفسه بالغيبة، ولابد أن الإمام المهدي مقابل الأخطار المتوجهة إليه يلزم أن يحفظ نفسه ويتحذر من القتل ومما يصيبه الظالمون من جهة العداء له، وخصوصاً بعد معرفة الظالمين أن الإمام المهدي هو الذي يقوض عروشهم وهو الذي يهدم بنيانهم وهو الذي يزيل ملكهم، فلابد أن يعادوه أو يكونوا في صدد معاداته وقتله، فما يلزم مقابل هذا إلا التحذر والتحفظ.

من الوجدانيات الملحوظة السابقة نلاحظ أن بالنسبة لموسى عليه السلام فإن فرعون بمجرد أن أحس وأخبره الكهنة أن الذي يقوض عرشك موسى، كيف صنع؟ أباد جميع النساء وجميع الأطفال، حتى لا يباد عرشه وحتى لا يولد أحد يبيد عرشه.

تلاحظون أن هذه من الأمور الواضحة فإنه إذا التفت الظالم إلى أن شخصاً يريد أن يزيله حتماً سيقتله.. حتماً سيبيده.

جميع الظالمين يعرفون أنّ الإمام المهدي هو من سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فقد أخبرت به التوراة وأخبر به الإنجيل وأخبر به الزبور وأخبر به رسول الله، ويعرفون أنه صادق وإن جحدوا بها، لكن استيقنتها أنفسهم.

مع معرفة الظالمين بأن الإمام المهدي هو الذي يقوض عروشهم لابد أنهم سيحاولون قتله، فماذا هو الحزم في مقابل هذه المحاولة للقتل إلا التحذر؟ هل يكون غير التحذر في مقابل هذه الإرادة المعارضة الموجبة لقتل الإمام المهدي عليه السلام ؟ لابد من التحذر، و.هو تحذر في مقابل الخوف القطعي، في مقابل الخطر القطعي.

وهذا التحذر من الأمور التي تكون موافقة للعقل ويحكم بها العقلاء، فلابد لكل شخص يحس بالخطر ويعقل الخطر، لابد أن يتحذر وإلا يقال بأنه سفيه _ والعياذ بالله _ مسألة التحذر في مقابل الخطر أمر عقلي عرفي شرعي يفرضه الشرع في مقابل الخطر القطعي، لذلك الإمام المهدي في مقام التحذر يغيب وتكون غيبته للتحذر.

عبّرت بهذه الحكمة، وأفادت بهذه الحكمة الروايات الشريفة، وإن كانت بعض الروايات عبرت بالخوف لكنّه خوف تحذر وخوف حزم، لا خوف جبن وضعف حاشى الإمام المهدي عن الضعف وعن الجبن، أبداً هو أشجع الناس، فإنّه ممّا ثبت في علم الإمامة أن الإمام عليه السلام يلزم أن يكون أشجع الناس، هذا ثابت على طبق قاعدة الإمامة المستفادة من الأدلة البرهانية، والإمام المهدي بما أنه إمام فهو أشجع الناس، حاشاه عن الخوف الناشئ من الضعف، فإنه ناشئ من الجبن وحاشى ذلك، إضافة إلى ذلك فإن القواعد لا تجوز هذا المعنى، فهو سلالة الشجعان وابن الشجعان وسلالة الطيبين الأبطال، ولا يمكن أن يكون من أنجبته الفحولة والشجعان ضعيفاً، كيف يكون جباناً ابن أمير المؤمنين الشجاع الذي اعترف بشجاعته عدوه وصديقه؟! كيف يكون ابنه جباناً؟!

ابن أبي الحديد في مقدمة شرح نهج البلاغة يبين خصوصيات الأمير روحي فداه، ومن جملة خصوصية شجاعته له كلمة عجيبة يقول فيها: (وأما علي بن أبي طالب فهو الذي ينتهي كل شجاع إليه وينادي كل بطل باسمه وهو الذي ما فرّ قط ولا ارتاع من كتيبة أبداً ولا بارز أحداً إلا قتله، ولا ضرب ضربة تحتاج إلى ثانية، فأنسى من كان قبله ومحى من يأتي بعده، عدوه يشهد بشجاعته وعدم خوفه).

وكذلك ابن دأب له رسالة لطيفة في زمان العباسيين، مع ذلك كان يصرّح ويبين، مواد هذه الرسالة مناقب علي بن أبي طالب، المناقب السبعون التي لم يشترك معه فيها أحد، مخصوصة لأمير المؤمنين عليه السلام يقول: (وفي شجاعته لم يكع _ يعني لم يجبن _ علي عن أحدٍ قط، ولم يضرب أحداً في الطول إلا قدّه ولم يضرب أحداً في العرض إلا قطعه، ذكروا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حمله على فرسٍ فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لي وللخيل وأنا لا أتبع أحداً ولا أفرّ من أحد).

المهدي ابن هكذا شخصية ابن أمير المؤمنين، هل يمكن أن يخاف؟! ليس خوفه خوف جبن، بل هو خوف تحذر خوف حزم خوف تكليف شرعي عليه من الله تعالى، لذلك في الروايات تبين هذه الحكمة.

من جملة ذلك _ بعنوان التبرك _ روايتان أبينها:

حديث أبان عن الإمام الصادق عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لابدّ للغلام من غيبة، فقيل له: ولم يا رسول الله؟ قال يخاف القتل، من جهة خوف القتل تكون غيبة).

وفي حديث زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام قال الإمام عليه السلام: (للغلام غيبة قبل قيامه، قلت: ولم؟ قال: يخاف على نفسه الذبح).

لذلك تبين الروايات أن غيبة الإمام من جهة خوف الذبح، أي التحذر، خوف الذبح والتحذر من القتل والذبح الذي هو خطر قطعي مقابل الإمام عليه السلام.

الحكمة الأولى هذه، وهذه الحكمة ليست بأمر مستنكر، ليس الخوف والتحذر أمراً مستنكراً، بل هو أمر عقلي وعرفي، بل شرعي، بل فعله الأنبياء قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وفعله الرسول، التحذر بالغيبة من الامور الحكيمة التي صنعتها الأنبياء صنعه موسى حين فرّ من قومه، فرّ منهم خوفاً، لا بتعبيري، بل بتعبير القرآن (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً) تعبير موسى فرار خوف، لكن خوف تحذر.

وكذلك رسول الله روحي فداه فرّ عن قومه، غاب عنهم في الغار، لأي شيء؟ كان خوف جبن ؟! أبداً حاشاه عن الجبن، فإنه أشرف البشر وأشجع البشر، خوف تحذر، الاختفاء في الغار، بل غيبته في شعب أبي طالب ثلاث سنوات وبعض الأشهر تلك المدة الطويلة لأجل التحذر.

إذن مسألة التحذر بالغيبة من الأمور الشرعية العقلية الوجدانية، يصنعه العقلاء، بل يفعله الأنبياء، ولا ضير في ذلك أبداً.

وبيّن هذه الحكمة ونصّ عليها الشيخ المفيد شيخ الشيعة أعلى الله مقامه في كتابه رسالة الغيبة، وكذلك الفصول العشرة _ في الفصول 75 وفي رسالة الغيبة القسم الرابع صفحة 12 _ بيّن رحمه الله وقال: إن ابن الحسن عليه السلام لو يظهر لسفك القوم دمه ولم تقتض الحكمة التخلية بينه وبينهم فيلزمه أن يغيب.

وبيّن في موضع آخر في رسالة الغيبة: لم يكن أحد من آبائه عليهم السلام كلف القيام بالسيف مع ظهوره، لذلك الإمام مكلف لذلك يلزم أن يغيب للخطر القطعي، إلا أن إمام هذا الزمان هو المشار إليه بسل السيف من أول الدهر ومن تقادم الأيام المذكورة يعرفه جميع الناس والجهاد لأعداء الله عند ظهوره ورفع التقية عن أوليائه وإلزامه لهم بالجهاد وأنه المهدي الذي يظهر الله به الحق ويبيد بسيفه الضلال، فلزمته الغيبة يلزم أن يغيب ووجب فرضها عليه كما فرض على آبائه.

وكذلك الشيخ الطوسي قدس الله روحه في كتاب غيبته صفحة 61 قال رحمه الله: إذا خاف الإنسان على نفسه كالمهدي عليه السلام وجبت غيبته ولزم استتاره كما استتر النبي صلى الله عليه وآله تارة في الشعب وأخرى في الغار، ولا وجه لذلك إلا خوفه من الأخطار الواصلة إليه.

إذن فمسألة حفظ النفس بالاستتار من الأمور الشرعية العقلية العرفية الذي يقبله كل عاقل، ومن خالفه يقال: إنه متهور في مقامه سفيه في إقدامه، ما يفعله أحد من العقلاء.

على ذلك مسألة الغيبة الحكمة الأولى فيها التحذر الذي يقتضي ويدعو _ بل يلزم _ غيبة الشخص المتحذر حفظاً على نفسه وإبقاءاً على نفسه، لذلك غاب الإمام المهدي عليه السلام ليظهر في الوقت المناسب، يظهر يداً عليا، يداً تطال، يداً تغلب، يداً تظهر على جميع الأديان في الكرة الأرضية إن شاء الله تعالى.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.1229 Seconds