دراسة ونقد لتوقيع الإمام المهدي (عج) للسمري بانتهاء الغيبة الصغرى

, منذ 7 شهر 274 مشاهدة

التوقيع الصادر من الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في إعلانه لسفيره السمري بانتهاء الغيبة الصغرى والسفارة وبدء الغيبة الكبرى، فهو:

روى الطوسي (رحمه الله) بإسناده عن أبي محمّد أحمد بن الحسن المكتِّب، قال: كُنْتُ بِمَدِينَةِ اَلسَّلَامِ فِي اَلسَّنَةِ اَلَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا اَلشَّيْخُ أَبُو اَلْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ اَلسَّمُرِيُّ (قدس سره)، فَحَضَرْتُهُ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِأَيَّامٍ، فَأَخْرَجَ إِلَى اَلنَّاسِ تَوْقِيعاً نُسْخَتُهُ:

«بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمَنِ اَلرَّحِيمِ، يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ اَلسَّمُرِيَّ أَعْظَمَ اَللهُ أَجْرَ إِخْوَانِكَ فِيكَ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَاجْمَعْ أَمْرَكَ وَلَا تُوصِ إِلَى أَحَدٍ فَيَقُومَ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ، فَقَدْ وَقَعَتِ اَلْغَيْبَةُ اَلتَّامَّةُ، فَلَا ظُهُورَ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِ اَللهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَذَلِكَ بَعْدَ طُولِ اَلْأَمَدِ، وَقَسْوَةِ اَلْقُلُوبِ، وَاِمْتِلَاءِ اَلْأَرْضِ جَوْراً، وَسَيَأْتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي اَلمُشَاهَدَةَ، أَلَا فَمَنِ اِدَّعَى اَلمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ اَلسُّفْيَانِيِّ وَاَلصَّيْحَةِ فَهُوَ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ اَلْعَلِيِّ اَلْعَظِيمِ».

قَالَ: فَنَسَخْنَا هَذَا اَلتَّوْقِيعَ، وَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا كَانَ اَلْيَوْمُ اَلسَّادِسُ عُدْنَا إِلَيْهِ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَقِيلَ لَهُ: مَنْ وَصِيُّكَ مِنْ بَعْدِكَ؟ فَقَالَ: لِلهِ أَمْرٌ هُوَ بَالِغُهُ، وَقَضَى، فَهَذَا آخِرُ كَلَامٍ سُمِعَ مِنْهُ رَضِيَ اَللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ(1).

ويقع الكلام هنا في مقامين:

أوَّلاً: في سند هذا الحديث المشهور المستفيض.

ثانياً: في دلالته.

أمَّا الكلام في المقام الأوَّل:

فاعلم أنَّ هذا الحديث صحيح عال اصطلاحاً، لأنَّه مروي عن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بواسطة ثلاثة من الرواة، هم:

١ - السمري، سفير الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه).

٢ - الشيخ الصدوق محمّد بن عليِّ بن بابويه القمِّي.

٣ - أبو محمّد الحسن بن أحمد المكتِّب.

ونخصُّ الكلام في الشخصية الثالثة، لتقدُّم الكلام في الشخصين الأوَّلين:

قال عناية الله: وقد روى عنه الصدوق مكرَّراً مترضّياً مترحِّماً، وهذا من أمارات الصحَّة والوثاقة. ثمّ ذكرت شواهد له كثيرة(2).

ونشير هنا إلى أمرين:

الأمر الأوَّل: روي في (الغيبة) هكذا: أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ اَلْحَسَنِ اَلمُكَتِّبُ، قَالَ: كُنْتُ بِمَدِينَةِ اَلسَّلَامِ...، الخبر(3).

وساق مثله ما نقله ابن بابويه في (كمال الدِّين وتمام النعمة)(4). وقد عرفت أنَّ الذي روى عنه ابن بابويه هو الحسن بن أحمد وليس أحمد بن الحسن، والظاهر أنَّ السهو في كتاب الشيخ وقع من النُّسَّاخ، ويُؤيِّد هذا السهو ما رواه النوري الطبرسي في (جنَّة المأوى) في الفائدة الأُولى، وعن (غيبة الطوسي) عن الحسن بن أحمد المكتِّب(5). والله العالم.

الأمر الثاني: أنَّ صاحب (المستدرك) مع سعة باعه وكثرة اطِّلاعه واهتمامه في استقصاء أسماء مشايخ الصدوق كان قد غفل عن هذه الشخصيَّة العظيمة التي روى عنها الصدوق مكرَّراً مترضّياً مترحِّماً، وأمثال هذه الأُمور تبعث على الفحص والتتبُّع، وتوجب الظفر بما غفل عنه من قبله، فقد روى عناية الله في (مجمع رجاله) هذا الحديث عن كتاب (ربيع الشيعة) لابن طاووس (رحمه الله) حاكياً عن الحسن بن أحمد المكتِّب، فتأمَّل(6).

وقد طُعِنَ في سند هذا الحديث...

فقالوا: إنَّه خبر واحد، مرسَل، ضعيف، لم يعمل به ناقله - وهو الشيخ في الكتاب المذكور -، وأعرض عنه الأصحاب، فلا يعارض تلك الوقائع والقَصص التي يحصل القطع عن مجموعها، بل من بعضها المتضمِّن لكرامات ومفاخر لا يمكن صدورها عن غيره (عليه السلام).

ويمكن المناقشة في تلك المطاعن وردُّها كلَّها بأُمور:

أوَّلاً: أنَّ كونه خبراً واحداً ليس نقصاً فيه، لما ثبت في الأُصول من حجّيَّة الخبر الواحد الثقة، والقول بعدم حجّيَّته فهو قول شاذٌّ لا يقول به إلَّا النادر من العلماء.

ثانياً: أنَّ كونه مرسَلاً، غير تامٍّ، إذ قد رواه الطوسي (رحمه الله) في (الغيبة)، والصدوق (رحمه الله) في (إكماله)، وغيرهما، فأين الإرسال؟!

والزمن بحسب العادة مناسب مع وجود الواسطة الواحدة.

وأمَّا ما ذكره الطبرسي (رحمه الله) هذا الخبر مرسَلاً من دون ذكر السند، فإنَّه التزم في أوَّل كتابه (الاحتجاج) بأنَّه لا يذكر فيه سند الأحاديث، إمَّا بسبب موافقتها الإجماع، أو اشتهارها بين المخالف والمؤالف، أو موافقتها بحكم العقل(7).

فظهر أنَّ الحديث المذكور أيضاً كان غنيًّا عن ذكر السند إمَّا لموافقته للإجماع، أو لاشتهاره، أو كليهما معاً، لأنَّ علماءنا ابتداءً من الصدوق (رحمه الله) إلى زماننا هذا استندوا إليه واعتمدوا عليه، ولم يناقش فيه أحد أو يتأمَّل في اعتباره كما لا يخفى على من له أُنس وتتبُّع في كلماتهم ومصنَّفاتهم، إذن هذه من الروايات القطعيَّة التي لا ريب فيها ولا شبهة تعتريها، قال (عليه السلام): «المجمع عليه لا ريب فيه»(8).

ثالثاً: أنَّ كونه ضعيفاً لا نُسلِّم به، وعلى تقدير التسليم فإنَّه للإثبات التاريخي وإنْ لم يكن كافياً لإثبات الحكم الشرعي.

رابعاً: وأمَّا إعراض الأصحاب كالطوسي (رحمه الله) وغيره، فهو تخيُّل ووهم، لأنَّ الشيخ وغيره اعتبروا إثبات رؤية المهدي (عجَّل الله فرجه) في غيبته الكبرى هو ممَّا لا شكَّ فيه، إلَّا أنَّه إنَّما يصلح دليلاً على إعراضهم لو كانت هناك معارضة ومنافاة بين التوقيع وإثبات الرؤية، وأمَّا مع عدم المعارضة فيمكن أنْ يكون الطوسي (رحمه الله) وغيره قد التزموا بكلا الناحيتين من دون تكاذب بينهما، ومعه لا دليل على هذا الإعراض منهم، ولو كان هذا حاصلاً عنهم لما أضرَّ بحجّيَّة الخبر، لما هو الثابت المحقَّق في علم الأُصول بأنَّ إعراض العلماء عن الرواية لا يوجب وهناً في الرواية لا سنداً ولا دلالةً(9).

أمَّا الكلام في المقام الثاني:

فقد تقدَّم ذكرنا التوقيع عنه (عجَّل الله فرجه)، وقد جاء فيه: «فقد وقعت الغيبة التامَّة»، وهو تعليل لقوله (عجَّل الله فرجه): «ولا توصِ لأحدٍ يقوم مقامك»، ويدلُّ هذا على أنَّ الغيبة الكبرى هي التي انقطعت النيابة والسفارة الخاصَّة فيها.

وأكَّد ذلك بقوله (عجَّل الله فرجه): «وَسَيَأْتِي لِشِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي اَلمُشَاهَدَةَ»، ولا شبهة في أنَّ المراد بها هو وقوعها على نحو ما وقع للسفراء الأربعة، وقد صرَّح بأنَّ كلَّ من ادَّعى الأمر بعد السمري فهو كافر منمِّس ضالٌّ مضلٌّ.

فالمشاهدة هنا مقيَّدة بكونها على نحو البابيَّة والسفارة الخاصَّة لا مطلق المشاهدة، وهو من باب ذكر المطلق وإرادة المقيَّد، أو ذكر العامِّ وإرادة الخاصِّ، وهذا شائع في العُرف واللغة.

فلا تنافي إذن بين التوقيع الشريف ووقوع المشاهدة زمن الغيبة الكبرى لكثير ممَّن فاز بشرف رؤيته (عجَّل الله فرجه)، قال العلماء: إنَّ هذا الوجه قريب جدًّا، وقد نُقِلَ عن (البحار)(10) وغيره.

هذا، وقد قيل في الجمع بين وقوع المشاهدة في الغيبة الكبرى والتوقيع الصادر منه (عجَّل الله فرجه) وجوه، وهي بعيدة، ولا حاجة للتعرُّض لها هنا، وهي مذكورة في (البحار)، فراجعها(11).

وقد أكَّد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في توقيعه للسمري أُموراً عديدة، هي:

أوَّلاً: إخباره بموت السمري في غضون ستَّة أيَّام، وهو من الإخبار بالغيب الذي يمكن تحقُّقه للإمام (عجَّل الله فرجه)، ولم يشكّ أحد يومئذٍ في صدق الخبر، فغدا أصحابه بعد ستَّة أيَّام، فوجدوه يجود بنفسه، وتحقَّق كما أخبر عنه الإمام (عجَّل الله فرجه).

ثانياً: إيعازه (عجَّل الله فرجه) بانتهاء السفارة وبداية الغيبة الكبرى بموت السمري، وأنْ لا يُوصي بعده لأحد.

ثالثاً: الإغماض عن ذكر تاريخ الظهور، وأنْ لا ظهور منه (عجَّل الله فرجه) إلَّا بإذنه تعالى.

رابعاً: إعرابه عن أمد الغيبة الكبرى بأنَّه سيكون طويلاً مديداً.

خامساً: إشارته في التوقيع إلى أُمور غيبية كقسوة القلوب، وضعف الوازع الإيماني، وعدم الشعور بالمسؤوليَّة، والمشارفة على الانحراف.

سادساً: إخباره (عجَّل الله فرجه) عن السفياني والصيحة، وأنَّه حقٌّ لا محيص عنه قبل خروجه وظهوره، وتصديقه ما جاء عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الأُمور الغيبيَّة.

سابعاً: إخباره (عجَّل الله فرجه) عن امتلاء الأرض ظلماً وجوراً، وفقدان العدالة، وغلبة الشهوات وسيطرتها على العالم.

ثامناً: تصريحه (عجَّل الله فرجه) بأنَّ من ادَّعى المشاهدة له كرؤية السفراء له، مدَّعين البابيَّة عنه (عجَّل الله فرجه) والسفارة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو مفتر كذَّاب(12).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الغيبة للطوسي (ص ٣٩٥/ ح ٣٦٥)؛ ورواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص ٥١٦/ باب ٤٥/ ح ٤٤).

(2) راجع: مجمع الرجال (ج ٢/ ص ٩٨، وج ٧/ ص ١٩٠ و١٩١).

(3) الغيبة للطوسي (ص ٣٩٥/ ح ٣٦٥).

(4) كمال الدِّين (ص ٥١٦/ باب ٤٥/ ح ٤٤).

(5) جنَّة المأوى (ص ١٥٩).

(6) مجمع الرجال للقهبائي (ج ٧/ ص ١٩٠ و١٩١).

(7) الاحتجاج (ج ١/ ص ٤).

(8) الكافي (ج ١/ ص ٦٨/ باب اختلاف الحديث/ ح ١٠).

(9) تاريخ الغيبة الصغرى (ص ٦٤١ و٦٤٢).

(10) بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ١٥١/ ذيل الحديث ١).

(11) الفوائد المذكورة في البحار (ج ٥٣/ ص ٣١٨ - ٣٢٥) هي من كتاب جنَّة المأوى (ص ١٥٩ - ١٦٦)، فتنبَّه.

(12) راجع: تاريخ الغيبة الصغرى (ج ١/ ص ٦٣٤ - ٦٣٩).

المصدر : سفراء الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بين الحقائق والأوهام ـ تأليف: ضياء الدِّين الخزرجي

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0970 Seconds