هل فكرة غيبة الإمام المهدي (عج) تسربت من تراث اليهود والنصارى ؟

, منذ 10 شهر 277 مشاهدة

وممّا أثاره المخالفون ضدّ عقيدة المهديّ وتفرقة أمر المسلمين في الالتزام به وتخطئة أحاديثه: إنّ فكرة الغَيْبة والعودة عند الشيعة، فكرة مشتركة بين اليهود والنصارى وتأثّر التفكير الشيعي بهذين المصدرين غير مستبعد لانضواء كثيرين

من غير العرب وأصحاب الأديان والحضارات السابقة، تحت لواء التشيّع ليثأروا لأنفسهم من سلطة الحاكم العربي تحت ستار الغيرة على حقوق آل البيت، وفي مقدّمة هؤلاء عبد الله بن سبأ [تراثنا وموازين النقد (ص184)].

إنّ وجود أُمور مشتركة - بين الأديان السماوية - أمر لا يمكن إنكاره الباحثين والعلماء. وأمّا نسبة تأثّر التفكير في مذهب من مذهب آخر، فأمر يحتاج إلى دليل جازم، وليس مجرّد وجود الفكرة عند المذهبين كافياً للحكم بالتأثير والتأثّر.

فهل يحقّ لأحد أن يقول: إنّ المذهب السُنّي الملتزم التكتف في الصلاة، مأخوذ من فعل المجوس مثلاً، لأنّ المجوس يفعلون ذلك في عبادتهم أو أمام كبرائهم?

أو قولهم: <آمين> بعد سورة الحمد في الصلاة مأخوذ من النصارى واليهود، لأنّهم يقولون ذلك بعد قرأتهم للأدعية?

أو يقول: إنّ التفكير السُنّي متأثّر بالدين اليهودي والمسيحي، لأنّ كثيرين من أصحاب هذه الديانتين من أهل الحضارات السابقة كالروم والأقباط قد انضووا تحت لواء التسنن، ليثأروا لأنفسهم من سلطة الدين الإسلامي، تحت ستار الغيرة للصحابة ولعثمان الخليفة المقتول?

وقد كان لكثير منهم نفوذ كبير وتسلّل عميق في البلاط الاموي وفي مقدّمة هؤلاء كعب الأحبار اليهوديّ إنّ مثل هذه الأحكام الاعتباطيّة، لا تصدر ممّن يعرف طرق النقد، ويتحاكم إلى الإنصاف، ويريد أن يبني على أُسس العقل والمنطق، ويزن الأحاديث والنقول بموازين النقد العقلي، فكيف يتقبّل المسلم مثل هذه التّرهات، ويبني عليها في بحث يريد أن يكون <علميّاً ورصيناً>?

ولو راجع واحداً من كتب الشيعة التي أُلّفت في موضوع <الغَيْبة> و <الرجعة> لعرف أنّ الشيعة لم يعتمدوا في التزامهم بذلك، لا على اليهود، ولا النصارى، ولا كعب الأحبار، ولا عبد الله بن سبأ.

وإنّما استندوا فيها إلى أخبار وسنن وروايات، موصولة الأسانيد إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل البيت، ووافقهم على كثير منها أهل السُنّة أنفسهم. وبحثوا عنها سنداً، ومتناً، وعقلاً، فلم يجدوا ما يعارضها من كتاب كريم، أو سُنّة ثابتة، أو عقل، أو عرف.

فلم يكن التزامهم بها إلاّ مثل التزام المسلمين بما ورد في أحاديثهم من أخبار المستقبل، لا أكثر ولا أقلّ، كما يلتزم أهل السُنّة بأخبار الدجّال، ونزول عيسى، وبالمهديّ المنتظر.

فلماذا لا يتّهم الفكر السُنّي بأنّه تأثّر في هذه الالتزامات باليهود الّذين ينتظرون مخلصاً، أو بالنصارى الّذين ينتظرون عودة المسيح?

فهل يحقّ لأحد أن يعترض عليهم في ذلك، وينسبهم - بمجرّد عدم موافقته لهم - إلى اتّباع اليهودية والنصرانية?

وكذلك نسبة الاعتقاد بالمهدي إلى المجوسية، لوجود غائب عندهم، كما نقله بعض المؤرخين لملوكهم قبل الإسلام، واعتمده القاضي عبد الجبار المعتزلي.

مع قطع النظر عن وجه اعتماد المسلم على إخبار المؤرخين من الاُمم السابقة، وبالخصوص ممّن يشكك في أخبار المؤرخين المسلمين، ورواة الحديث - لمجرّد كونهم من شيعة أهل البيت - لكنّه يحتجّ بأخبار مؤرخين من اليهود والنصارى والمجوس، ويرتّب على ذلك اتّهام طائفة كبيرة من المسلمين، باليهودية والنصرانية والمجوسية?

إنّ في الالتزام بحجيّة أقوال المؤرّخين من الأديان السابقة هو عين التبعيّة لهم، والالتزام بمبادئهم?

لكنّ الشيعة إنّما تلتزم بما تلتزم من الاعتقاد بالمهدي استناداً إلى أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والسنّة الصحيحة المتواترة المنقولة في كتب الحديث من الصحاح والجوامع والمسانيد والمصنفات والمعاجم التي ألّفها أئمة المسلمين من الشيعة وأهل السنّة.

فمن هو أولى بالنقد?

الشيعة الذين يعتقدون بدلالات أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ?

أو السلفية والوهابية التي تعتمد على مؤرّخي اليهود والنصارى والمجوس، وتتّهم الشيعة على أساس منقولات أُولئك?

ولا بُدّ من أنْ يعرف المسلم المنصف: أنّ الذين يسعون في نسبة عقيدة المهدي المنتظر، إلى اليهود تارة، وإلى النصارى أُخرى، وإلى المجوس ثالثة، إنّما هم الذين يريدون أن يشكّكوا في صدق أخبار النبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) بمجيئ المهدي، في إطار تشكيكهم بأصل نبوّة النبي وعلمه بأخبار المستقبل، وإنّما هم يتّخذون من الهجوم على الشيعة وعقيدتهم بالمهدي وسيلةً إلى ذلك التشكيك وطريقاً للتعبير عنه.

وهذا ليس غريباً على هؤلاء، إذ كان أسلافهم من المشركين في أرض الحجاز، قد نَسبوا ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الوحي المبين، إلى الأديان الأُولى، فقالوا في القرآن: (أساطير الأوّلين اكتتبها، فهي تُملى عليه بكرةً وأصيلاً)[ سورة الفرقان : 5 ]

وقالوا عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : (... إنّما يعلّمه بشر)[ سورة النحل : من 103]

ولقد ردّ الله تعالى عليهم تلك المفتريات، والنسب الباطلة بقوله لرسوله الكريم: (أُنظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا) في الموضع الأوّل.

وقال تعالى: (لسان الذي يلحدون إليه أعجمي، وهذا لسان عربيّ مُبين) في الموضع الثاني.

ونحن نقول لهؤلاء الذين هم كالأنعام بل هم أضلّ: إنّ ما تنسبون إليه أمر المهديّ المنتظر - من تاريخ اليهود والنصارى والمجوس - إنّما جاءت إلى المسلمين عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من طريق موثوقة، وبلسان عربيّ مبين، وما تلحدون إليها من اللغات إنّما هي أعجميّة مترجمة.

فكيف تدّعون الإسلام، والإيمان بسنّة النبي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنتم تضعون أقدامكم مواضع أسلافكم المشركين، وتعملون عملهم في الإلحاد في كلام الرسول، وما جاء به? وكذلك تتّبعون مقالات المستشرقين من اليهود والنصارى والمجوس وأذنابهم، من أمثال جولد زيهر، وفان فلوتن، وأحمد أمين المصري، تكرّرونها، وتتبَجّحون بها، وتعتبرونها علما، وحجّة ضدّ ما ثبت من طرق السنة الصحيحة الثابتة والمنقولة عن نبيّ الإسلام وأئمّته الكرام وعلمائه الأعلام.

فانظروا: أيّ الفريقين أحقّ بالأمن، والإيمان، في الدنيا والاَخرة?.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر : المهدي في أحاديث المسلمين حقيقة ثابتة، تأليف : السيّد محمّد رضا الحسينيّ الجلاليّ

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0662 Seconds