يحتلّ الإمام المهدي عليه السلام موقعاً فريداً في الوجدان الإسلامي، فهو ليس مجرد شخصية مستقبلية أو رمز ديني، بل هو مشروع إلهي متكامل وامتداد طبيعي لمسيرة الأنبياء والأوصياء الذين حملوا رسالة الإصلاح الإلهي عبر القرون. إنّ فكرة المهدي ليست فكرة خيالية أو أمنية نفسية، بل هي وعدٌ إلهي مذكور في النصوص، ومتجذّر في الفطرة البشرية، ومؤسَّس على قانونٍ إلهي سنّه الله في تداول الأيام بين الناس: أنّ الظلم لا يمكن أن يبقى سيداً إلى الأبد، وأنّ الأرض ستؤول في نهايتها إلى عباد الله الصالحين.
مشروعٌ يتجاوز الزمن
حين نتحدث عن الإمام المهدي، فنحن لا نتحدث عن شخصية تاريخية عابرة، بل عن مشروع يمتدّ من بدء الخليقة إلى آخر الزمان. لقد عبّرت النصوص عن أن المهدي هو الثمرة النهائية لعمل الأنبياء جميعاً:
«بنا فتح الله وبنا يختم»
كما ورد عن أهل البيت عليهم السلام.
فالغاية التي عاش من أجلها نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام، ستبلغ ذروتها في عهد المهدي؛ إذ يحقق حالة العدل الشامل التي لم تستطع العصور السابقة احتواءها بسبب تداخل مصالح الطغاة وصراع الأمم.
كسر هيمنة الظلم: سنّة إلهية تنتظر تمامها
إنّ الظلم، مهما بلغ من القوّة، هشّ في جذوره؛ لأنه يقوم على القهر والخداع وتزييف الوعي. والتجارب التاريخية تشهد بأن الظالمين لا يستطيعون الصمود طويلاً أمام حركة الحق. لكن البشرية لم تعش يوماً لحظة العدالة المطلقة، ولا عرف العالم حكومة إلهية كاملة، مع أنّ القلوب تتشوّق إليها وتتطلّع نحوها بفطرتها.
وهنا يأتي الإمام المهدي كمحقّق لهذا الوعد الإلهي:
«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ…»
وما تحقق جزئياً في عصور الأنبياء سيتمّ بشكل كامل في عصر الظهور.
مشروع الإصلاح لا مشروع الانتقام
من الأخطاء الشائعة اختزال فكرة الإمام المهدي بأنها ثورة انتقامية. بينما النصوص تصفه بأنه رحمة للعالمين، وأنه يأتي «ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً»، لا ليملأها دماً وانتقاماً.
مشروعه هو مشروع إحياء الإنسان قبل إقامة النظام، وإعادة بناء الوعي قبل تغيير الواقع. ولهذا روي أن أول ما يبدأ به هو إصلاح النفوس، وتعليم الناس، وإحياء القرآن في حياتهم، وتمكين العقل والإيمان قبل السيف والقوة.
عالميّة المشروع المهدي
مشروع المهدي ليس شيعياً أو إسلامياً فقط، بل هو مشروع إنساني شامل، تشهد بذلك عشرات النصوص في الأديان الأخرى. والسبب واضح: لأن الظلم ليس حكراً على منطقة أو أمّة، والعدل حاجة إنسانية عامة.
ومتى ظهر، فإنّ كل الشعوب ستجد في دولته ملجأً للخلاص من الطغيان، وفرصة للعودة إلى إنسانيتها، ولهذا تتحدّث الروايات عن تلاحم المستضعفين من كل الأديان خلف رايته.
الاستعداد للمشروع الإلهي
إنّ الإيمان بالإمام المهدي لا ينبغي أن يكون انتظاراً سلبياً. فالانتظار الحقيقي هو أن يكون الإنسان:
محبّاً للعدل ومبغضاً للظلم.
مستعدّاً نفسياً لأن يغيّر حياته حين يواجه الحق.
حاملاً لصفات الأنصار من الإخلاص والشجاعة والوعي.
بلبنة في مشروع الإصلاح ولو في محيطه الصغير.
فالمهدي لا يأتي ليغيّر العالم وحده، بل ليقود أمة من المصلحين.
الخاتمة: الوعد الذي لا يخلف
إنّ الإمام المهدي ليس حدثاً مستقبلياً فحسب، بل هو أمل حاضر يعيش في ضمير المؤمن، وفي كل قلب يرفض الظلم ويؤمن بأن العدل ممكن. مشروعه الإلهي هو تتويج لدور الأنبياء والأوصياء، ومرحلة النور التي ستطوي صفحات الظلام الممتدة عبر القرون.
إنّ الدولة التي سيقيمها ليست دولة أرضية تقليدية، بل حضارة نورانية تُعيد للإنسان كرامته، وللأرض رسالتها، وللتاريخ معناه.
وإلى ذلك اليوم، يبقى المؤمن ممسكاً بأمل السماء، واثقاً بأنّ الله لا يترك الأرض بلا حجّة، ولا يترك المظلوم بلا نصير.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة