إنَّ المتأمّل في الأدلَّة التي تعرَّضت للحكمة في الغيبة يجد نحوين من الأدلَّة، بعضها ذكر أنَّ ذلك سرٌّ لا ينكشف إلَّا بعد ظهوره (عليه السلام)، وبعض تعرَّض لبيان بعض الحِكَم.
أمَّا الأوّل فمثل رواية عبد الله بن الفضل الهاشمي، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) يقول: (إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بدَّ منها، يرتاب فيها كلّ مبطل)، فقلت: ولِمَ جُعلت فداك؟ قال: (لأمر لم يُؤذَن لنا في كشفه لكم)، قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: (وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدَّمه من حجج الله تعالى ذكره، إنَّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلَّا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام) إلى وقت افتراقهما. يا ابن الفضل، إنَّ هذا الامر أمر من أمر الله تعالى وسرّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنَّه (عزَّ وجلَّ) حكيم صدَّقنا بأنَّ أفعاله كلّها حكمة وإن كان وجهها غير منكشف)(1).
وهي وإن نصَّت على أنَّ الحكمة سرّ من سرّ الله وذكرت لنا إحدى نتائج الغيبة وهي ارتياب كلّ مبطل فيها إلَّا أنَّ هذه إحدى الحِكَم، فالتمحيص الذي يفشل فيه المبطلون إحدى الحِكَم كما سيأتي بيانه.
وأمَّا الثاني فله أمثلة متعدِّدة.
وقبل الشروع في بيانه موضِّحاً نقول: لا يوجد تنافي بين نوعي الروايات، إذ لعلَّ المراد من كون الحكمة سرّاً أنَّ إحصاء جميع الحِكَم واستقصاءها غير ميسور، أو أنَّ الميسور غير جلي وسيظهر جليّاً في أوان ظهوره (عليه السلام). وربَّما كان قول الإمام: إنَّ هذا سرّ لا يظهر إلَّا في زمان دولة الإمام من باب أنَّهم أُمروا بأن يُكلّموا الناس على قدر عقولهم. وقد لا يكون المقصود نفس عبد الله بن فضل الهاشمي بل ومن سيصل إليه الخبر عن طريق الهاشمي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)كمال الدين: ٤٨٢/ باب ٤٤/ ح ١١.
المصدر : علامات الظهور (قراءة في المعرفة والتطبيق) ـ تأليف: الشيخ كاظم القره غولّي.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة