لماذا لا يظهر الإمام المهدي علناً أمام الناس مع شدّة حاجة إليه ؟

, منذ 17 ساعة 75 مشاهدة

رؤية عقدية وقرآنية وتحليل تاريخي**
إنّ مسألة غيبة الإمام المهدي عليه السلام من أكثر القضايا عمقاً في العقيدة الإسلامية، وهي ليست أمراً عابراً أو طارئاً، بل هي امتداد لسُنن إلهية ثابتة في تاريخ الأنبياء والأوصياء. والسؤال الذي يتكرر: لماذا لا يظهر الإمام المهدي علناً أمام الناس رغم شدّة حاجة الأمة إليه؟
1. الغيبة ليست انقطاعاً بل حفظٌ إلهي
الغيبة ليست غياباً عن الواقع، وليست انقطاعاً عن الأمة، بل هي ـ كما تشير النصوص ـ شكلٌ من أشكال الحفظ الإلهي لشخص الإمام حتى تحين اللحظة التي تتكامل فيها الشروط لظهوره.
فالإمام عليه السلام يمارس دوره الإلهي في حفظ الدين، ولكن من وراء الستار، تماماً كما كان الخضر عليه السلام موجوداً وفاعلاً، ولكن غير ظاهر لعامة الناس.
هذا الحفظ الإلهي سبب جوهري لعدم الظهور:
لأنّ الظروف العالمية لم تكن ـ إلى اليوم ـ آمنة لوجوده الظاهر.
2. عُنصر الخوف وتهديد الظالمين
النصوص الواردة عن أهل البيت عليه السلام تصرّح بوضوح أنّ الخوف من القتل أحد أهم أسباب الغيبة.
وليس الخوف هنا خوفاً شخصياً، بل خوف على المشروع الإلهي الذي أُعطي للمهدي؛ مشروع إقامة العدل العالمي.
التاريخ يشهد أنّ كل إمام من آبائه قُتل أو سُجن أو طورد. فلو ظهر المهدي علناً لكان أول مستهدف من الطغاة، لأنه يشكل تهديداً مباشراً لبنية الظلم العالمية.
إذن:
الغيبة ليست نقصاً، بل حماية لآخر ذخائر السماء.
3. عدم اكتمال شروط النهضة العالمية
ظهور الإمام المهدي ليس حدثاً عادياً، بل أكبر مشروع تغيير في التاريخ.
ولهذا المشروع شروط لم تكتمل بعد، منها:
أ- نضوج الوعي العالمي
لا بد أن تصل البشرية إلى مرحلة من الانهيار الأخلاقي والسياسي بحيث تدرك حاجتها إلى قائد رباني.
البشر اليوم يقتربون من هذه اللحظة، لكن الوعي العالمي لم يصل بعد إلى المستوى المطلوب للقبول بحاكم إلهي واحد.
ب- توفر العدد الكافي من الأنصار الحقيقيين
النصوص تتحدث عن 313 قائداً يشكلون البنية الأساسية للدولة المهدوية.
هؤلاء ليسوا مجرد مؤمنين، بل نخبة عالمية شديدة الإخلاص والانضباط.
ولم يتوفر العدد والنوع بعد.
ج- وصول البشرية لحافة اليأس من النظم الوضعية
لكي يقبل العالم بحكم الإمام، يجب أن تتداعى الأنظمة الكبرى حتى تُثبت فشلها.
وهذا ما نراه اليوم بشكل متسارع… لكنه لم يكتمل بعد.
4. الامتحان الإلهي وعُنصر التمحيص
من أهم أسرار الغيبة: امتحان الناس وتمحيص إيمانهم.
يُريد الله أن يميز من يثبت على الحقّ دون رؤية، ومن يعبد الله على حرف.
إنّ غياب الإمام يربي في المؤمنين:
الصبر
الثبات
الإخلاص
انتظار الفرج الحقيقي
ولو كان الإمام ظاهراً، لزالت الاختبارات، ولصار الإيمان به إيماناً حسياً لا جوهرياً.
5. الغيبة سنّة إلهية سابقة
الغيبة ليست بدعة.
بل هي سُنّة جرت على أنبياء كبار قبل الإمام المهدي، مثل:
يوسف عليه السلام: كان موجوداً لكن لم يعرفه إخوته.
موسى عليه السلام: غاب عن قومه أربعين ليلة.
الخضر عليه السلام: حاضر ولكن لا يعرفه الناس.
فغيبة المهدي ليست أمراً جديداً، بل امتداد لمنهج إلهي قائم على الحكمة والابتلاء.
6. الظهور يحتاج قبولاً عالمياً لا محلياً
الإمام المهدي لا يظهر لجماعة محدودة أو لمذهب أو لأمّة واحدة؛
هو يأتي لحكم العالم كلّه.
فلا بد أن تصل البشرية إلى استعداد يجعلها تقبل بحاكم واحد، عادل، منقذ.
وإلى اليوم، العالم لا يزال منقسماً، متخاصماً، يرفض الخضوع لقانون واحد.
الخلاصة
عدم ظهور الإمام المهدي عليه السلام للعلن ليس غياباً ولا تقصيراً، بل هو:
حفظ إلهي للمشروع النهائي لجبر الأرض بالعدل.
وقاية من الطغاة الذين قتلوا آباءه واحداً بعد آخر.
انتظار لنضوج الظروف العالمية والأنصار الحقيقيين.
امتحان وتمحيص لبناء قاعدة المؤمنين الصادقين.
امتداد لسُنن الله في الأنبياء والأوصياء السابقين.
والغيبة ليست فراغاً… بل مرحلة إعداد كبرى قبل الظهور الذي يغير وجه الأرض.

 

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.1784 Seconds