لماذا يظهر الإمام المهدي (عج) في هذه الأيام ويُعلن عن نفسه ؟

, منذ 2 سنة 808 مشاهدة

هناك إشكال حاصله التالي :

إذا كانَ الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) هوَ حجّةُ هذا الزمانِ لماذا لا يظهرُ ويعلنُ عن نفسِه..

والذي يبدو أنَّ المستشكلَ يقرُّ في داخلِ نفسِه بأنَّ وجودَ الحُجّةِ ضرورةٌ لتبليغِ الرسالةِ وبيانِ دينِ الله ولذلكَ يشكل بالقول: (لماذا لا يظهرُ الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) ويعلنُ عن نفسِه ويقيمُ الحُجّةَ على الناسِ بتبليغِ رسالةِ ربّه وبيانِ الدينِ لهم) ؟

فإن كانَ يقرُّ بذلكَ فلابدَّ أن يقرَّ أيضاً بأنَّ رسولَ الله (صلى الله عليه واله) لا يمكنُ أن يتركَ الدّنيا من دونِ أن يخبرَنا بالحُجّةِ الذي يبلّغُ رسالتَهُ ويبيّنُ دينَهُ، فإن كانَ يعتقدُ بوجودِ حُججٍ بعدَ رسولِ الله غيرِ الأئمّةِ مِن أهلِ البيت فمَن هُم؟

وإن كانَ لا يعتقدُ بحُججٍ غيرِ أهلِ البيت (عليهم السلام) فإنَّ حُجّيّةَ الإمامِ المهدي (عجل الله فرجه الشريف) في غيابِه هيَ ذاتُها حُجّيّةُ الإمامِ عليٍّ والأئمّةِ الطاهرين (عليهم السلام) بعدَ وفاتِهم، فالحُجّةُ قائمةٌ على اتّباعِ أوامرِهم والاقتداءِ بكلماتِهم وهذا مُتحقّقٌ في عصرِ الغيبةِ كما هوَ مُتحقّقٌ في عصرِ الظهور.

أمّا إذا كانَ يقصدُ بالحُجّةِ هوَ إقامة دولةِ العدل وتطبيقِ الدينِ على أرضِ الواقع فإنَّ ذلكَ لا يتعلّقُ بظهورِه أو بغيابِه وإنّما يتعلّقُ باستعدادِ الناسِ على تحمّلِ مسؤوليّاتِهم في نُصرتِه على ذلك، وهذا ما لم يتحقّق بعد، فقد كانَ أميرُ المؤمنين (عليهِ السلام) والأئمّةُ مِن أهلِ البيت أحياءً بينَ ظهرانيّ هذه الأمّة ومعَ ذلكَ لم تنصُرهم الأمّةُ.

وعليهِ فإنَّ فلسفةَ الغيبةِ والظهور لها علاقةٌ بمدى استعدادِ الأمّةِ بالتسليمِ والانقيادِ لصاحبِ الأمرِ والزمان، قالَ تعالى: (إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم) فهذهِ الآيةُ حاكمةٌ على كونِ التغييرِ لا يحدثُ إلّا إذا أرادَت البشريّةُ ذلك، وبالتالي يمكنُنا القولُ أنَّ ظهورَ المهديّ (عليهِ السلام) موقوفٌ على تغييرٍ تُحدثُه الأمّةُ في نفسِها.

وكما يمكنُ أن يقالَ أيضاً أنَّ حركةَ الإمامِ المهدي (عجّلَ اللهُ تعالى فرجَهُ الشريف) وظهوره، ثورةٌ عالميّةٌ يُقصدُ مِنها أن تمتلئ الأرضُ عدلاً وقسطاً بعدَما مُلئَت جوراً وظلماً، الأمرُ الذي يتطلّبُ استعدادَ البشريّةِ عامّةً لقبولِ هذه النهضةِ العالميّة، وهذا لا يتحقّقُ إلّا بعدَ أن تصلَ البشريّةُ إلى مرحلةِ العجزِ والاستسلام وفقدِ الأملِ مِن كلِّ الأنظمةِ والحكوماتِ والحركاتِ الإصلاحيّة، وحينَها لا تجدُ مفرّاً إلّا باللجوءِ إلى الله لطلبِ العونِ والنُّصرة، وحينَها يأذنُ اللهُ لوليّهِ بالظهورِ ليقودَ العالم.

وفي المُحصّلةِ، إنَّ توقّعَ الفرجِ والظهورِ المُقدّس ليسَ مُجرّدَ أملٍ كاذبٍ يتبدّدُ بمُجرّدِ طولِ المُدّة، وإنّما حقيقةٌ حتميّةٌ لا يصيبُها اليأسُ ولا يتسلّلُ إليها الإحباط، ولا تشكّكُ فيها إلّا النفوسُ الهشّةُ والقناعاتُ المُهتزّة.

أمّا أصحابُ اليقينِ فيزدادونَ تمسّكاً بها كلّما لاحقَتهم الآلامُ واحتوَتهم المصاعبُ، ولذا نجدُ المؤمنَ يسارعُ إلى دعاءِ الله بتعجيلِ الفرجِ كلّما ضاقَت عليهِ الحياة، وقد علّمَ أئمّةُ أهلِ البيت (عليهم السّلام) شيعتَهم كيفَ يستغيثونَ باللهِ لتعجيلِ فرجِ إمامِهم الموعود.

ففي الدعاءِ (اَللّـهُمَّ اِنّا نَشكُو اِلَيكَ فَقدَ نَبِيِّنا صَلَواتُكَ عَلَيهِ وَآلِهِ، وَغَيبَةَ وَلِيِّنا، وَكَثرَةَ عَدُوِّنا، وَقِلَّةَ عَدَدِنا، وَشِدّةَ الفِتَنِ بِنا، وَتَظاهُرَ الزَّمانِ عَلَينا، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَاَعِنّا عَلى ذلِكَ بِفَتحٍ مِنكَ تُعَجِّلُهُ، وَبِضُرٍّ تَكشِفُهُ، وَنَصر تُعِزُّهُ وَسُلطانِ حَقٍّ تُظهِرُهُ).

وينعكسُ ذلكَ في مدى الشوقِ الذي يحملُهُ المؤمنُ إلى صاحبِ العصرِ والزمان فنجدُه يدعو بلهفةٍ وهوَ يقول: (هل إليكَ يا ابنَ أحمدَ سبيلٌ فتلقى هل يتّصلُ يومنا بغدِه فنحظى، متى نردُ مناهلكَ الرويّةَ فنروى، متى ننتقعُ مِن عذبِ مائِك فقد طالَ الصّدى، متى نُغاديكَ ونراوحَك فنقرُّ عيناً، متى ترانا ونراكَ وقد نشرتَ لواءَ النصر، ترى أترانا نحفُّ بكَ وأنتَ تؤمُّ الملأ وقد ملأتَ الأرضَ عدلاٌ، وأذقتَ أعداءكَ هواناً وعقاباً، وأبرتَ العتاةَ وجحدةَ الحقِّ، وقطعتَ دابرَ المُتكبّرين، واجتثثتَ أصولَ الظالمين، ونحنُ نقول الحمدُ للهِ ربِّ العالمين).

وقد أثبتَ تاريخُ الشيعةِ أنّهم تمكّنوا مِن تجاوزِ كلِّ الصّعابِ وتخطّي كلِّ التحدّياتِ بإيمانِهم بضرورةِ الظهورِ المُقدّسِ لصاحبِ الأمرِ والزمان، وما يحقّقُه الشيعةُ اليومَ مِن انتصاراتٍ في كثيرٍ منَ الميادينِ ليسَ إلّا نتاجاً لذلكَ الإيمانِ باليومِ الموعود.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0939 Seconds