ما هي الحكمة من غيبة الإمام المهدي (عج)‏؟

, منذ 2 سنة 2K مشاهدة

جاء في بعض أجوبة الأئمة (عليهم السّلام):

-ما كلّ ما يعلم يقال، و لا كل ما يقال حان وقته، و لا كلّ ما حان وقته حضر أهله! (١).

(فأرجو لي و لقارئي أن نكون ممن إذا سمع القليل وعى الكثير... ) .

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

-لا بدّ للغلام من غيبة، يخاف فيها القتل! (٢) . (و قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: )

-إنما مثل قائمنا-أهل البيت-كمثل السّاعة لا يجلّيها لوقتها إلاّ هو، ثقلت في السّماوات.. لا يأتيكم إلاّ بغتة! (٣) .. (و روي مثله عن الرضا عليه السّلام..

و قال: (-إنما مثل أهل بيتي في هذه الأمة، كمثل نجوم السماء، كلما غاب نجم طلع نجم. حتى إذا مددتم إليه حواجبكم، و أشرتم إليه بالأصابع، جاء ملك الموت فذهب به!. ثم بقيتم سبتا-أي وقتا طويلا-من دهركم لا تدرون أيّا من أيّ..

فبينما أنتم كذلك إذ أطلع اللّه نجمكم، فاحمدوه، و اقبلوه‏ (4) . (و لا يخفى أن مدّ الحواجب و الإشارة بالأصابع يعنيان الدلالة على الإمام و الالتفاف من حوله، الأمر الذي كان يثير أضغان الأعداء فيكيدون له و يحتالون لقتله.. و قد جاء عن الصادق عليه السّلام بهذا المعنى قوله: )

-إيّاكم و التنويه!. أما و اللّه ليغيبنّ إمامكم شيئا-سبتا-من دهركم!.

و لتمحّصن حتى يقال: مات أو هلك، بأيّ واد سلك؟. و لتدمعنّ عليه عيون المؤمنين!. و لتكفأنّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلاّ من أخذ اللّه ميثاقه و كتب في قلبه الإيمان و أيّده بروح منه‏ (5) .. (و تجد تتمة هذا الحديث في موضوع الفتن و الحروب.. ) .

قال أمير المؤمنين عليه السّلام:

-إن أمرنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلا ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد امتحن اللّه قلبه للإيمان!. و لا يعي حديثنا إلاّ حصون حصينة، أو صدور أمينة، أو أحلام رزينة (6) .. (و ورد عن الصادق عليه السّلام قريب منه سبق في المقدمة... ثم قال عليه السّلام: )

-إن القائم منّا إذا قام، لم يكن لأحد في عنقه بيعة. فلذلك تخفى ولادته.

و يغيب شخصه‏ (7) .. (و البيعة في لغة الأئمة عليهم السّلام تعني إعطاء عهد يطوّق العنق، و تقضي بعدم محاربة الظالم في حال لزومها، بقضاء سبق من اللّه تعالى كما جرى لآباء القائم عليهم السّلام بعد الحسين الشهيد سلام اللّه عليه.

أما القائم فهو-على العكس-مخلوق و مرصود لإبادة الظلم و الظالمين، و يعتبر سكوته-حال وجوده ظاهرا للناس و مع الناس-إقرارا للظالمين على ظلمهم.. و يعتبر قعوده عن الجهاد رضى ببقاء الظلم، في حين أنه معدّ من اللّه لقمع الظلم و إبادة الفساد.. فاقتضت مشيئة اللّه تغييبه لأمور سنكشف لك أكثرها إن شاء اللّه، و اللّه بالغ أمره على كل حال.. ) .

قال الإمام الحسن عليه السّلام:

-أما علمتم أن الخضر لمّا خرق السفينة و قتل الغلام، و أقام الجدار، كان ذلك سخطا لموسى بن عمران عليه السّلام إذ خفي عليه وجه الحكمة منه، و كان ذلك عند اللّه حكمة و صوابا؟!. أما إنه ما منّا أحد إلاّ و يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاّ القائم‏ (8) .. (فموسى عليه السّلام و هو نبيّ، كان يظهر العجب من عمل الخضر عليه السّلام..

فكيف بمن هو مثلنا، قاصر عن إدراك كنه الحقائق، ثم يجادل فيها، و يحاول تأويلها بحسب فهمه، مع أنها بعيدة عن مرمى تفكيره و تناول فهمه؟!. لهذا السبب ضرب الحسن السبط عليه السّلام هذا المثل المحسوس الرائع لذوي العقول و الأفهام من الذين يعتقدون أن الفرق شاسع بين ذوي الأفهام، و بين ربّ ذوي الأفهام و خالقهم!. ثم قال عليه السّلام: )

-إن اللّه عزّ و جلّ يخفي ولادته، و يغيّب شخصه، لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج‏ (9) . (فتحرّره من البيعة لأيّ كان من الحكّام أمر هامّ، ركّز عليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أوصياؤه عليهم السّلام من بعده كثيرا كثيرا.. ) .

قال الإمام زين العابدين عليه السّلام:

-القائم منّا يخفي على الناس ولادته حتى يقولوا: لم يولد بعد، ليخرج حين يخرج و ليس لأحد في عنقه بيعة (١0) . (و ورد عن الصادق عليه السّلام بلفظ: )

-يقوم القائم و ليس لأحد في عنقه عهد و لا عقد و لا بيعة (11) .

(ثم قال السجّاد عليه السّلام: ) -و اللّه لا يخرج واحد منّا-قبل خروج القائم عليه السّلام- إلاّ كان مثله مثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه، فأخذه الصبيان فعبثوا به! (12) . (و ورد مثله عن الباقر عليه السّلام.. و قال السجّاد موضحا هذا الهجوم الشرس على تقتيل أئمة الهدى و حملة دعوة الحق: )

-كأني بجعفر الكذّاب، و قد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليّ اللّه، و المغيّب في حفظ اللّه، و الموكّل بحرم أبيه، جهلا منه بولادته و حرصا منه على قتله إن ظفر به، و طمعا بميراث أبيه حتى يأخذه بغير حقه! (13) .

(و جعفر الكذاب هذا، هو أخو العسكريّ و ابن الهادي عليه السّلام الذي لم يظهر السرور على أبيه حين ولد. فسئل عن ذلك فقال: سيضلّ به خلق كثير (14) ..

و هو الذي قال فيه مرة أخرى: -تجنّبوا ابني  جعفر. فإنّه منّي بمنزلة نمرود من نوح الذي قال اللّه عزّ و جلّ فيه: قال نوح إنّ ابني من أهلي. قال اللّه: يا نوح إنه ليس من أهلك. إنّه عمل غير صالح‏ (١5) .

(و هذا هو الذي قال فيه أخوه العسكريّ عليه السّلام: ) ما مثلي و مثله إلاّ مثل هابيل و قابيل ابني آدم. حيث حسد هابيل قابيل على ما أعطاه اللّه. و لو تهيّأ لجعفر قتلي لفعل، و لكنّ اللّه غالب على أمره‏ (١6) .

(و أمّا لقبه بالكذّاب فهو من أعلام النبّوة، بل هو خير شاهد على صدق ما نقله الأئمة عليهم السّلام عن جدّهم صلوات اللّه عليه.. فإن زين العابدين عليه السّلام قد تكلّم عنه و ذكر اسمه و لقبه قبل أن يولد بحوالي مئتي سنة!. ثم ولد، و سمّي، و لقّب كذلك!!!فكيف كان هذا هكذا؟!. و هل تحضرني الجرأة أو تحضر قارئي فيقول أحدنا: سأرزق حفيدا بعد مئتي سنة يكون اسمه كذا، و تكون صفاته كيت و كيت؟!!أما الأئمة فقد قالوا ذلك و أكثر منه.. و كانت سيرة جعفر الكذاب كما وصفوا، و كان أمره كما حدّثوا. فهل هذا علم غيب؟. لا.. بل هو إيمان راسخ بما يقولون، و تصديق بما جاء به النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن ربه عزّ و جلّ، و اطمئنان إلى تصديق الدعوة و ثبوت الرسالة.. و كلّ من قارب هذه المنزلة من الإيمان، يمنحه اللّه تعالى نعمة التصديق به و بما جاء من عنده.. و من يلاحظ جعفر هذا، و حيرته حين انتشار خبر ولادة المهديّ عليه السّلام و كيف حرّض السلطة على كبس دار أبيه للظّفر بالمولود و قتله، و كيف سعى لدى شرطة السوء بكافة وسائل الوشاية و النفاق، أقول:

من يلاحظ ذلك يعرف مبلغ صدق الأخبار التي حكت عنه قبل قرنين و نصف القرن من الزمن، و يؤمن بأن المخبر بها لا ينطق عن الهوى..

فقد أغرى هذا المنافق الخليفة بعيال أخيه العسكريّ عليه السّلام فأودعهنّ الخليفة غياهب السجن‏ (17) . ثم استحوذ على إرث أخيه بعد وفاته بغير حق، و أخاف النساء و شرّدهن و رماهن بوشايات كاذبة لدى السلطان، و تصرّف بأنانية بغيضة لئيمة، فهبّ السلطان المتربّص بولادة المهديّ عليه السّلام تربّص فرعون بولادة موسى، و بعث إلى دار العسكريّ عليه السّلام من فتّش غرفها، و ختم على جميع ما فيها بعد أن اعتقل أهلها، و حبس بعض النساء لاحتمال أنها ربما كانت لا تزال حبلى!.

و من ألطف ما جرى أثناء محاولات السلطان و احتياله للقبض على المولود و قتله، ما جاء في الرواية التالية التي نقلها بعض أفراد الشرذمة المكلّفة بالمداهمة، و التي تصف تجميع الشرطة و القيادة و تقول:

-فلمّا دخلوا الدار سمعوا من السرداب قراءة القرآن، فاجتمعوا على بايه و حفظوه حتى لا يصعد و لا يخرج، و أميرهم قائم حتى يصل العسكر كلّه.. فخرج المهديّ عليه السّلام من باب السرداب، و مرّ عليهم مجتازا بين أمير العسكر و أفراده!. فلمّا غاب عن مرمى النظر القريب قال الأمير:

-إنزلوا عليه!. فقال له بعض جنوده:

-أليس هو مرّ عليك؟!.

-فقال: ما رأيت!!!و لم تركتموه؟

-قالوا: إنّا حسبنا أنك تراه!!! (١8) .

... إلا إن الأخبار الواردة عن الأئمّة عليهم السّلام بالسند الصحيح لتنادي على نفسها بالصدق، و تدعو الإنسان إلى الإيمان بها بالحجة القاطعة، و إلاّ كان من ذوي العناد الذين هم في صف جعفر الكذاب، و في صف النمرود و فرعون و غيرهم ممن حارب اللّه و رسوله.

كيف لا، و قد ولد مولود للهادي عليه السّلام و سمّي جعفر و لقّب كذّابا، و كاد لابن أخيه، و فعل ما قالوه عنه قبل ولادته و بعدها.. تماما كما قدّر اللّه، و تماما كما نقل رسول اللّه، و تماما كما بلّغ أبناؤه الأمناء: نقلة الوحي و حفّاظ الرسالة، قبل زمان جعفر، و قبل أن يخلق جعفر و أهل جعفر... ) .

قال الإمام الباقر عليه السّلام:

-إذا غضب اللّه تبارك و تعالى على خلقه، نحّانا عن جوارهم‏ (19) .. (فهل من سميع يفكّر و يتدبّر بعض أسباب هذه الغيبة الطويلة الموحشة؟!و ها هوذا يقول في مرة ثانية: )

-لو أن بني فاطمة عرفوه، لحرصوا على أن يقطّعوه بضعة بضعة! (20) . (و قد صدق باقر العلم. فإن في سعي جعفر الكذّاب بابن أخيه لدى الأعداء، أكبر دليل على صحة ما قاله.. فقد كان هذا من واحد من بني فاطمة، فكيف بما يمكن أن يكون من غيرهم من المتزلّفين لكل حكم جائر في كل زمان و مكان؟!!و قال: -هي و اللّه السّنن القذّة بالقذّة، و مشكاة بمشكاة، و لا بدّ أن يكون فيكم ما كان في الذين من قبلكم، و لو كنتم على أمر واحد كنتم على غير سنّة الذين من قبلكم.

و لو أن العلماء-أي الأئمة-وجدوا من يحدّثونه و يكتم سرّهم لحدّثوا و لبثّوا الحكمة.

و لكن قد ابتلاكم اللّه عزّ و جلّ بالإذاعة. و أنتم قوم تحبوننا بقلوبكم، و يخالف ذلك فعلكم. و اللّه ما يستوي اختلاف أصحابنا، و لهذا أسر صاحبكم-أي غاب و حيل بينكم و بينه-ليقال: مختلفين. ما لكم لا تملكون أنفسكم و تصبرون حتى يجي‏ء أمر اللّه تبارك و تعالى و قضاؤه؟. و الصبر!. إنما يعجل من يخاف الفوت‏ (٢1) !. (و قد روي هذا عن الإمام الصادق عليه السّلام و زاد في آخره: ).

____________

(١) البحار ج ٥٣ ص ١١٥ و إلزام الناصب ص ٦١ نقلا عن عيون أخبار الرضا، عن الرضا عليه السّلام.

(٢) البحار ج ٥٢ ص ٩٠ و في كشف الغمة ج ٣ ص ٢٨٩-٢٩٠ قضة توضح هذا الأمر.

(٣) البحار ج ٥١ ص ١٥٤ و في منتخب الأثر ص ٢٢١ روي عن الرضا عليه السّلام بلفظ قريب، و مثله في ينابيع المودة ج ٣ ص ١١٦.

(4) الغيبة للنعماني ص ٧٩ و البحار ج ٥١ ص ٢٣ و ٧٥ و في ص ١٣٨ عن الباقر عليه السّلام و في الكافي م ١ ص ٣٣٨ عن الصادق عليه السّلام و في إلزام الناصب ص ٤ قسمه الأول عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كذلك في الصواعق المحرقة ص ٢٣٣.

(5) البحار ج ٥٢ ص ١٤٧ و ص ٢٨١ و الغيبة للنعماني ص ٧٧ و بشارة الإسلام ص ١٥١ و ١٥٤ و الغيبة للطوسي ص ٢٠٥ و الكافي م ١ ص ٣٣٦ و منتخب الأثر ص ٢٥٧ و إلزام الناصب ص ٨٠ و ١٨٩.

(6) البحار ج ٥٣ ص ٧٠ و ٨١ و ج ٥٢ ص ٣١٨ و إلزام الناصب ص ١٢ و بشارة الإسلام ص ٦٧- ٦٨ و ينابيع المودة ج ٣ ص ٢٠٤ و في الكافي م ١ ص ٤٠١ نصفه الأول عن الباقر عليه السّلام.

(7) إعلام الورى ص ٤٠٠ و الإمام المهدي ص ٨٠ و بشارة الإسلام ص ٥٢ عن الجواد عليه السّلام و منتخب الأثر ص ٢٥١ عن الباقر عليه السّلام أوله.

(8) البحار ج ٥١ ص ١٣٢ و ٢٧٩ و إلزام الناصب ص ٦٦ و منتخب الأثر ص ٢٠٦ و المحجة البيضاء ج ٤ ص ٣٣٨ و إعلام الورى ص ٤٠١ و الإمام المهدي ص ٨٨-٨٩ و المهدي ص ١٦٠ بلفظ آخر عن الصادق عليه السّلام.

(9) الإمام المهدي ص ٨٩ نقلا عن البحار.

(١1) البحار ج ٥١ ص ١٣٥ و منتخب الأثر ص ٢٨٧ و كشف الغمة ج ٣ ص ٣١٢ و إعلام الورى ص ٤٠٢ و بشارة الإسلام ص ٥٢ بلفظ آخر عن الجواد عليه السّلام.

(12) الكافي م ١ ص ٣٤٢ و الغيبة للنعماني ص ٨٩ و ص ١٠٠ و المهدي ص ١٦٠ و منتخب الأثر ص ٢٦٦ و ص ٢٨٩ عن أمير المؤمنين عليه السّلام.

(13) إلزام الناصب ص ١٣٧ و البحار ج ٥٢ ص ٣٠٣ و في ص ١٣٩ عن الباقر عليه السّلام و مثله في الغيبة للنعماني ص ١٠٥.

(٤1) منتخب الأثر ص ٢٤٣ و إعلام الورى ص ٣٨٥ و إلزام الناصب ص ٦٧.

(1٥) المحجة البيضاء ج ٤ ص ٣١٣.

(١6) إلزام الناصب ص ١١٤.

(17) الغيبة للطوسي ص ٧٤ بتفصيل و كذلك في الإرشاد ص ٣٢٥.

(١8) الإمام المهدي ص ١٤٠ نقلا عن سفينة البحار ٢/٧٠٤ و الغيبة للطوسي ص ١٦٠.

(19) الكافي م ١ ص ٣٤٣ و البحار ج ٥٢ ص ٩٠.

(20) البحار ج ٥٢ ص ٩٨ و إلزام الناصب ص ١٢٧ و تحف العقول ص ٢٢٩.

(٢1) البحار ج ٥٢ ص ١١٠.

المصدر كامل سليمان، يوم الخلاص في ظل القائم المهدي (عليه السلام)، ص87-93.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0863 Seconds