تمثّل عقيدة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) أحد أركان الإيمان لدى المسلمين عموماً، ولدى أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) خصوصاً. وتشكل هذه العقيدة ركيزة للأمل بالعدل الإلهي في زمن تكثر فيه مظاهر الظلم والانحراف. ومن أهم ما يتعلق بهذه العقيدة مفهومان محوريان: التمهيد لظهوره الشريف، والانتظار الإيجابي. وفي غيبته الكبرى، يلعب العلماء دوراً رئيسياً في حفظ الدين والمجتمع، فيما يُعرف بـ"النيابة العامة". هذا البحث يعرض هذه المفاهيم، ويوضح الفروقات الجوهرية بين الانتظار السلبي والإيجابي.
أولاً: مفهوم التمهيد لظهور الإمام المهدي (عج)
التمهيد لظهور الإمام المهدي يعني إعداد الأرضية المناسبة لقيادة الإمام عبر إصلاح النفوس، وبناء المجتمع المؤمن، ومكافحة الظلم والفساد، والعمل على نشر ثقافة الانتظار الحقيقي. إن التمهيد لا يقتصر على الجانب العسكري أو السياسي، بل يمتد ليشمل كل جوانب الحياة: الفردية، الاجتماعية، الاقتصادية، والثقافية. وهو مشروع يشارك فيه جميع أفراد الأمة، كلٌ بحسب طاقته ومجاله.
وقد أشارت الروايات إلى أن أنصار الإمام عند ظهوره هم صفوة المنتظرين الذين عملوا على تهيئة أنفسهم ومجتمعاتهم لاحتضان دولته المباركة.
ثانياً: الانتظار الإيجابي وخصائصه
إن الانتظار الإيجابي هو الحالة الواعية التي يعيشها المؤمن في ظل غيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، إذ يدفعه هذا الانتظار إلى العمل لا إلى الركون، وإلى الإصلاح لا إلى التسويف. من أبرز سماته:
الإيمان اليقيني بالظهور، كحقيقة غيبية حتمية.
الالتزام العملي بالدين، والابتعاد عن المحرمات.
السعي الدائم للإصلاح الاجتماعي والسياسي والأخلاقي.
الاستعداد لنصرة الإمام، عبر تهيئة النفس والمجتمع.
قال الإمام الصادق (ع): "من سُرَّ أن يكون من أصحاب القائم، فلينتظر، ويعمل بالورع ومحاسن الأخلاق" (1)، مما يؤكد على الارتباط بين الانتظار والعمل.
ثالثاً: الانتظار السلبي وخطورته
في المقابل، هناك ما يُعرف بـ"الانتظار السلبي"، وهو تصور خاطئ للعقيدة، يؤدي إلى الجمود وترك المسؤولية. ويقوم على مبررات باطلة، مثل:
أن لا جدوى من الإصلاح قبل ظهور الإمام.
تحريم العمل السياسي والاجتماعي في زمن الغيبة.
انتظار ظهور خارق يغيّر كل شيء دون جهد بشري.
هذا النمط من الانتظار يُضعف الأمة، ويُعطل طاقاتها، ويتناقض مع التوجيهات الدينية التي تدعو إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسعي لرفع الظلم.
رابعاً: دور العلماء في زمن الغيبة (النيابة العامة)
مع غيبة الإمام، تولى الفقهاء العدول مهمة قيادة الأمة، فيما يُعرف بـ"النيابة العامة". وتتمثل هذه النيابة في:
بيان الأحكام الشرعية، وحفظ التراث الإسلامي.
القيادة الاجتماعية والسياسية، بما يحفظ كيان الأمة.
التصدي للانحرافات، ومواجهة الظلم والطغيان.
إعداد المجتمع لظهور الإمام، فكرياً وروحياً وسلوكياً.
وقد تأسست هذه النيابة على أحاديث كثيرة منها قول الإمام الحجة (ع) في التوقيع الشريف: *"وأما الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله (2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٢ - ص ١٤٠.
(2) الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - ص ٢٨٣.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة