ما هي الأسباب الغيبية والتربوية والسياسية للإمام المهدي (عج) ؟

, منذ 21 ساعة 66 مشاهدة

تعتبر قضية الإمام المهدي (عج) ومسالة غيابه من أبرز القضايا العقائدية في الفكر الإسلامي، لا سيّما في المدرسة الشيعية الإمامية، إذ تمثل محوراً إيمانياً له أبعاده الروحية والسياسية والتاريخية. وقد أثارت غيبته الطويلة العديد من التساؤلات حول أسبابها وحِكمها، ما دفع العلماء والمفكرين إلى محاولة تحليل أبعادها المختلفة، سواء من الناحية التربوية التي تتصل بتربية الفرد والمجتمع على الوعي والانتظار، أو من الزاوية السياسية التي تتعلق بظروف القمع والملاحقة في عصر الأئمة، أو من المنظور الغيبي الذي يُحيل إلى حكمة إلهية قد لا تُدرك بكاملها.

ولا يقف موضوع المنقذ المنتظر عند حدود العقيدة الإسلامية، بل نجده حاضراً أيضاً في أديان ومعتقدات سابقة، مثل المسيحية واليهودية والزرادشتية، حيث يتكرر نموذج "المخلّص" الذي يظهر في آخر الزمان ليقيم العدل ويقضي على الفساد.

ومن هنا تنبع أهمية هذا البحث، الذي يسعى إلى تحليل الحِكم المطروحة لغيبة الإمام المهدي (عج) من أبعادها المتعددة، مع إجراء مقارنة بين هذه الفكرة وما يقابلها في الديانات السماوية الأخرى، بهدف تسليط الضوء على وحدة التطلع الإنساني نحو العدل الإلهي، وإن اختلفت الأسماء والتفاصيل العقائدية.

أما إذا تكلمنا عن تحليل الأسباب التربوية والسياسية و"الغيبة" التي تُطرح كحِكمة لغيبة الإمام المهدي (عج) في الفكر الإسلامي، وخاصة في المدرسة الشيعية الإمامية، يتطلب معالجة شاملة تُقارنها أيضاً بما جاء في الأديان الأخرى عن المنقذ أو المخلّص. إليك تحليلاً متكاملاً:

أولاً: الأسباب والحِكم التي تُطرح لغيبة الإمام المهدي (عج)

1. الأسباب التربوية

تهيئة الأمة واستعدادها: يُعتقد أن الغيبة تساهم في تربية الأمة على الاعتماد على الذات والوعي بغياب القائد المعصوم، مما يعزز النضج الديني والسياسي.

الامتحان والغربلة: الغيبة تُعد اختباراً إلهياً لتمييز المؤمنين الحقيقيين من غيرهم، كما ورد في الروايات الشيعية (مثل: "ليميز الله الخبيث من الطيب").

التمحيص الروحي: تُتيح الغيبة للأفراد أن يزكّوا أنفسهم من دون الاتكال على الحضور المباشر للإمام.

2. الأسباب السياسية

حفظ الإمام من القتل أو الاعتقال: بسبب الظروف السياسية القمعية التي سادت عصر الأئمة، حيث كان من المتوقع أن يتعرض الإمام المهدي (عجل الله فرجه) للقتل لو أُعلن عن وجوده، خاصة من قبل الدولة العباسية.

عدم وجود بيئة مواتية لثورته: غياب القاعدة الشعبية المؤمنة والمخلصة جعل من الضروري غيابه إلى حين تهيّؤ العالم للعدل.

استمرارية خط الإمامة: الغيبة تُعد وسيلة لحفظ وجود الإمام كحلقة وصل روحية وتشريعية، ولو بشكل غير ظاهر، لضمان استمرارية حجة الله على الأرض.

3. الحكمة الغيبية

أمر إلهي غير مدرك بالكامل: كما هي كثير من الأمور الغيبية، قد تكون الحكمة كاملة لغيبة الإمام أمراً لا يدركه البشر إلا بعد ظهوره. وهذا ما تشير إليه بعض الروايات: "إن أمرنا صعب مستصعب لا يتحمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه بالإيمان".

تهيئة العالم للعدل الكوني: الإمام المهدي هو قائد مشروع عالمي، وغيابه مرتبط بإعداد هذا المشروع، وليس فقط بجاهزية شيعته أو المسلمين.

ثانياً: المقارنة مع فكرة المنقذ في الأديان الأخرى

1. في المسيحية (الديانة المسيحية):

المخلّص هو المسيح عيسى (عليه السلام): حيث يعتقد المسيحيون أنه سيعود في آخر الزمان ليملأ الأرض سلاماً ويقود البشرية إلى الخلاص.

أما بالنسبة للغيبة: فيُعتقد أن المسيح قد رُفع إلى السماء، وهو في "غيبة"، ويعود في "المجيء الثاني".

الحكمة المشتركة: التحضير لظهوره يشمل الإيمان والتوبة وانتشار الظلم، وهو ما يشبه بعض المفاهيم في غيبة المهدي.

2. في اليهودية:

الماشيح (المسيّا): ينتظر اليهود قدوم هذا المنقذ ليُعيد بناء الهيكل ويحقق السلام في العالم.

كما يرى اليهود أن المنقذ لن يظهر إلا حينما يكون الشعب اليهودي مستحقاً لذلك.

3. في الزرادشتية:

سوشيانت: منقذ يظهر في آخر الزمان ليقضي على الشر ويُقيم النظام الإلهي.

فكرة الانتظار والتمهيد: تشبه مفهوم الإمام المهدي من حيث كونه مخلّصاً عالمياً ينتظره العالم.

خاتمة:

إن غيبة الإمام المهدي (عج) ليست مسألة منعزلة بل ترتبط بسُنة كونية دينية تتكرر في مختلف الأديان، حيث يتجلّى المنقذ في زمن الظلم والفساد ليعيد التوازن الإلهي. إلا أن ميزة الفكر الشيعي تكمن في المزج بين الأسباب التربوية والسياسية والغيبية، مما يعطي لفكرة الغيبة عمقاً عقائدياً واستراتيجياً متميزاً.

 

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.1436 Seconds