الإمام المهدي عليه السلام هو الشخصية المحورية في الفكر الإسلامي الشيعي والسني كذلك، حيث يمثل الفرج والخلاص من الظلم والفساد في آخر الزمان. ورغم كثرة الروايات التي تحدثت عن علامات ظهوره وصفاته، إلا أن أغلبها اتفقت على عدم تحديد وقت ظهور الإمام المهدي بدقة. وهذه الظاهرة لها أسباب وحكم متعددة، مستمدة من الحكمة الإلهية وتعاليم أهل البيت عليهم السلام. في هذا المقال نستعرض أهم الأسباب التي دفعت أهل البيت عليهم السلام إلى منع التوقيت الدقيق لظهور الإمام المهدي عليه السلام، مع الوقوف على الحكم والعبر من ذلك.
1. اختبار الإيمان والصبر
واحدة من أعظم الحكم في عدم تحديد وقت الظهور هو اختبار إيمان الناس وصبرهم. يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
“وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” (البقرة: 155).
عدم معرفة وقت الظهور يدفع المؤمنين إلى التهيؤ الدائم والعمل المستمر على تقوية إيمانهم، والابتعاد عن التواكل والكسل. فقد لو علموا متى يظهر الإمام المهدي، قد يصبح الانتظار مملًا أو يراهن البعض على موعد معين، وينسوا العمل الصالح والاستعداد النفسي والروحي.
2. منع الفوضى والاضطرابات الاجتماعية
تحديد موعد ظهور الإمام المهدي بدقة قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية كبيرة. فمثل هذا التوقيت قد يحرض جماعات متطرفة أو أنصار دعاة كذبة على محاولة فرض ظهورهم بالقوة، أو محاولة إحداث ثورات وفتن غير محسوبة العواقب.
ومن المعروف تاريخيًا أن ظهور بعض دعاة الكذب والمزيفين الذين ادعوا الإمامة والمهودية في أزمنة محددة أدت إلى حروب ودمار في المجتمعات الإسلامية، مما دفع أهل البيت لتجنب إعطاء توقيت محدد.
3. تعليم التوكل على الله وحده
من أهم مبادئ العقيدة الإسلامية هي التوكل على الله والثقة بحكمته المطلقة. التوقيت الحقيقي لظهور الإمام المهدي بيد الله وحده، ولا يعلمه إلا هو. وفي الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام:
"إن المهدي لا يخرج حتى تكتمل مقدرات الله".
هذا يعلم المؤمنين أن عليهم أن يبنوا حياتهم على قاعدة التوكل والاعتماد على مشيئة الله، وألا ينغمسوا في توقعات معينة قد تصرفهم عن دينهم وعن الاستعداد الروحي.
4. الوقاية من ظهور دعاة الكذب والمزيفين
تاريخيًا، شهدت الأمة ظهور العديد من الدجالين والمزيفين الذين ادعوا أنهم المهدي المنتظر أو المخلص، خصوصًا في أوقات الفتن والاضطرابات. تحديد موعد معين للظهور قد يكون ذريعة لهؤلاء لكي يستغلوا توقيتًا مزعومًا ويوقعوا الناس في الضلال والفرقة.
منع التوقيت الدقيق يساعد في التقليل من تأثير هؤلاء الدجالين الذين يستغلون توقيتات محددة للتلاعب بالمشاعر الجماعية.
5. تجنب الإحباط النفسي والشك
لو تم تحديد وقت معين ومرّ دون حدوث الظهور، قد يصاب المؤمنون بالاحباط واليأس، وهذا قد يضر بالعقيدة وبروح الجماعة الإسلامية. اليأس قد يؤدي إلى انحراف بعض الأفراد عن الدين، أو تدني الروح المعنوية، وهذا ما تحاول روايات أهل البيت أن تتجنبه بحكمة.
6. تشجيع الاستعداد المستمر واليقظة الدائمة
غياب التوقيت المحدد يعني أن المؤمنين مطالبون بالاستعداد واليقظة الدائمة، لأن الظهور قد يكون في أي لحظة. هذه الحالة من الاستعداد الدائم تعزز المراقبة الذاتية وتطوير النفس والتقوى، وتجعل المجتمعات أكثر استعدادًا لاستقبال الإمام المهدي، فتكون حالة إيمانية وروحية متقدمة.
7. دور الروايات في بناء الأمل واليقين دون توقيت زمني
روايات أهل البيت عليه السلام تؤكد على علامات ظهور الإمام المهدي عليه السلام وتصف حال المجتمع وظروفه، لكن دون أن تعطي توقيتًا محددًا، وهذا يزيد من الأمل ويقوي اليقين بأن الفرج قادم لا محالة، دون الانشغال بالمواعيد التي قد تخيب الآمال.
خاتمة
في الختام، منع روايات أهل البيت عليهم السلام من تحديد التوقيت الدقيق لظهور الإمام المهدي عليه السلام هو تعبير عن حكمة إلهية رفيعة، تهدف إلى حفظ إيمان الناس وصبرهم، وتجنب الفتن والاضطرابات، وتعزيز التوكل على الله، والابتعاد عن التوقعات الزائفة التي قد تضر بالدين والمجتمع. هو دعوة مستمرة للاستعداد الروحي والعمل الصالح، واليقظة الدائمة، والثقة بأن الله وحده هو من يدير أمور هذا الظهور العظيم في الوقت المناسب.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة