حقوق الإنسان في دولة الإمام المهدي (عج)

, منذ 2 سنة 302 مشاهدة

ان من أهم ما سيسعى إليه الإمام المهدي (عليه السلام) عند ظهوره المبارك هو زرع وبث روح السلام والحوار وقبول الاستماع للأخر ومن وهذه طائفة من الروايات التي تتحدث عن إشاعة روح السلام والحوار عند ظهوره المبارك:

أولا: فعن ابن أبي عمير عن منصور بن يونس عن أبي خالد الكابلي قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) والله لكأني أنظر إلى القائم (عليه السلام) وقد أسند ظهره إلى الحجر ثم ينشد الله حقه ثم يقول: يا أيها الناس من يحاجني في الله فأنا أولى بالله، أيها الناس من يحاجني في آدم فأنا أولى بآدم، أيها الناس من يحاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، أيها الناس من يحاجني في إبراهيم فأنا أولى بإبراهيم أيها الناس من يحاجني في موسى فأنا أولى بموسى، أيها الناس من يحاجني في عيسى فأنا أولى بعيسى، أيها الناس من يحاجني في محمد (صلى الله عليه وآله) فأنا أولى بمحمد، أيها الناس من يحاجني في كتاب الله فأنا أولى بكتاب الله ثم ينتهي إلى المقام فيصلي ركعتين وينشد الله حقه.

ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): هو والله المضطر في كتاب الله في قوله: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ}.

فيكون أول من يبايعه جبرئيل ثم الثلاث مائة والثلاثة عشر، فمن كان ابتلي بالمسير وافى، ومن لم يبتل بالمسير فقد عن فراشه، وهو قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه: هم المفقودون عن فرشهم، وذلك قول الله: {فَٱسْتَبِقُواْ ٱلْخَيْرَٰتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ}. قال: الخيرات الولاية.

والرواية تشير إلى أن الإمام (عليه السلام) يسعى لبيان أطروحته ودواعي نهضته هذه، وأنه (عليه السلام) يبين للملأ الذين اجتمعوا هناك بأن ثورته هذه هي خلاصة جهود الأنبياء الإصلاحية، وأن كل ما طرحه الأنبياء من دعاوي الإصلاح وسعوا في انتشال الإنسانية من كل أسباب الذل والبطش والحرمان، هو ما يدعو إليه الإمام في حركته اليوم، وإذا لم يكن للأنبياء وسع في تعزيز أطروحتهم النظرية عمليا، وتطبيقها ميدانيا، لا لقصور في جهودهم المباركة بل بسبب عدم الانصياع من قبل الأمم الرافضة لهذه الاطروحات السماوية، والوقوف ازاءها موقف العادي والمتعنت بعد غياب نظرة العقلانية والرشد والكمال، كل ذلك سيعلق المشروع الإلهي الذي عهد ببيانه الأنبياء إلى حين ظهور المصلح الموعود الذي يستبدل الظلم بالعدل، والجور بالقسط.

إن انتساب الإمام (عليه السلام) للأنبياء هو انتساب لخطهم وأطروحتهم، فالعلاقة بينه وبين الأنبياء علاقة منهج وفكر وأطروحة، وكونه أولى بالناس من الناس يجمع الأنبياء وكونه (عليه السلام) يطمح لإتمام كل جهودهم التي ُ منعت بسبب التصدي والمعارضة من جهال قومهم، وما عانوه من الصدود والمقاطعة مما أدى إلى أن لا تأخذ هذه القيم والمبادئ الإلهية طريقها في المجتمع، والإمام (عليه السلام) عازم على إعادة هذا الطموح وإنجاحه بثورته الإصلاحية.

إن لغة الحوار التي دأب الإمام (عليه السلام) على تعاطيها في خطابه يثبت حرصه على ثقافة الحوار وإشاعتها في حركته، فقد أعطى، في بادئ الامر مبررات هذه الحركة وانتسابها إلى الأنبياء (عليهم السلام) وإذا كانت هذه الحركة تنتسب في أصولها إلى الأنبياء فإنها حركة سماوية صرفة وإذا كانت كذلك فهي حركة لا تهدف إلاّ إلى انتشال المجتمع الإنساني من محنته وتصبو إلى أن ينعم في أمن وسلام ورخاء.

وبهذا لم نجد في خطاب الإمام (عليه السلام) أية إشارة إلى الانتقام والقتل والتنكيل، ولم يكن خطابه سوى حالة اطمئنان للجميع  الذين يتوجسون من هذه الحركة وتوجهاتها.

ثانيا: روى المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا أذن الله عز وجل للقائم في الخروج، صعد المنبر، ودعا الناس إلى نفسه وناشدهم بالله ودعاهم إلى حقه، وأن يسير فيهم بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويعمل فيهم بعمله، فيبعث الله جل جلاله جبرئيل (عليه السلام) حتى يأتيه فينزل على الحطيم ثم يقول له: إلى أي شيء تدعو؟ فيقول جبرائيل (عليه السلام) فيخبره القائم أنا أول من يبايعك ابسط يدك، فيمسح على يده، وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا فيبايعونه ويقيم بمكة حتى يتم أصحابه عشرة آلاف نفس ثم يسير منها إلى المدينة (1).

والرواية لسانها ظاهر في أن الدعوة التي يوجهها الإمام (عليه السلام) إلى الناس تحمل في ثناياها حواراً معرفياً يعمل على إزالة هذه الحواجز النفسية التي خلقتها وسائل الإعلام المضاد من أجل إرعاب المجتمع الإنساني واضطراب رؤيته حيال الإمام (عليه السلام) فوسائل الاعلام ستقدم قراءة غير صحيحة عن حركة الإمام وكونها حركة سفك دماء وثأر وانتقام لذا فإن موقف البعض سيكون سلبياً معارضاً لهواجس الخوف التي تهيمن على المرتكز العام الإنساني، لذا فالخطاب يدعو في حواره إلى السلام وتأصيل المعرفة التي من أجلها انطلقت حركة الإمام.

ثالثا: عن ابن بكير قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوله {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} قال نزَلت في القائم (عليه السلام) إذا خرج باليهود والنصار والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفار في شرق الأرض وغربها، فعرض عليهم الإسلام فمن أسلم طوع أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب لله عليه، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلاّ وحد الله.

قلت له: جعلت فداك إن الخلق أكثر من ذلك؟ فقال: إن الله إذا أراد أمرا قلل الكثير، وكّثر القليل (2).

ومن الواضح أن عبارة «عرض عليهم الإسلام» مشعر بأن عرضاً معرفياً سيوجده الإمام (عليه السلام) من خلال آليات حواره مع هؤلاء، إذ سيفتح باب الحوار والاستعلام والمعرفة الجديدة عن الدين الجديد بالنسبة إلى هؤلاء المدعوين وسيتم تلقي المعرفة الجديدة هذه بواسطة آلية الحوار المختارة وكل بحسبه، ومعنى هذا أن الإمام لم يفرض عليهم دعوته هكذا دون حوار يتضمن من خلاله الوقوف على معالم الدين الجديد وليس من شأنه أن يقتل من عرض عليهم دون دعوة معرفية _ حوارية.

وفي بيانه الأول لأهل مكة يفتح الإمام (عليه السلام) معهم آفاق الحوار للتفاهم المعرفي ويوصيهم بقراءة جديدة أخر للمواقف ويطالبهم باتخاذ الموقف الشجاع الذي من شأنه أن يستنقذهم من هذا التخبط وعدم الوضوح في الرؤية وسيتعهد الإمام (عليه السلام) بنصيحتهم وإزالة الغموض عن حركته هذه.

فقد روى نعيم بن حماد قال: حدثنا سعيد أبو عثمان عن جابر عن أبي جعفر قال: ثم يظهر المهدي بمكة عند العشاء ومعه راية رسول الله وقميصه وسيفه وعلامات ونور وبيان، فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته يقول: أذكركم الله أيها الناس ومقامكم بين يدي ربكم، فقد اتخذ الحجة وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب، وأمركم أن لا تشركوا به شيئا، وأن تحافظوا على طاعة رسوله، وأن تحيوا ما أحيا القرآن وتميتوا ما أمات وتكونوا أعوانا على الهدى ووزرا على التقوى، فإن الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها آذنت بالوداع.

فإني أدعوكم إلى الله عز وجل وإلى رسوله والعمل بكتابه وإمامته الباطل و... الخبر (3).

فالإمام (عليه السلام) حاججهم بمقامهم بين يدي الله كونهم سدنة بيته والقائمين بشأنه، فينبغي لهم أن يكونوا في مقام القدوة في الهداية إلى سبل الله ودعوة الحق والهدى وذكرهم بالقرآن الذي يقرأونه صباح مساء، فقراءته لا تكفي بقدر التعامل مع معانيه وحقائقه، وليس قراءته وترتيله بصوت حسن لا روح فيه لكسب إعلامي مبرمج معروف، ثم عرض عليهم النصرة والعمل بكتاب الله تعالى.

والظاهر أن للإمام (عليه السلام) بيانات في بدء دعوته المباركة أحدهما يستنهض فيه أهل مكة والآخر يوجه بخطابه العالمي إلى الناس ليكون منه انطلاقة حركته وثورته.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البحار، ج52، ص363.

(2) نفس المصدر.

(3) الفتن لأبن حماد، ج1، ص345.

المصدر: فقه الحوار.. ونبذ العنف، للسيد محمد علي الحلو بتصرف.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0493 Seconds