لمن يرجع الشيعة في أمور دينهم إذا غاب الإمام المهدي (عجل الله فرجه) ؟

, منذ 1 اسبوع 276 مشاهدة

١ - أبرز معالم فترة الغَيبة الكبرى - مهما امتدت - هو عدم وجود سفير خاص أو رابط بين الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والأُمة، لذلك اتفق شيعة آل البيت (عليهم السلام) على تكذيب كلّ من يدعي السفارة أو أي علاقة خاصة بينه وبين الإمام (عجّل الله فرجه)، ولم يدّعِ أي عالم من علماء الشيعة - مهما علا شأنه - أيّ ارتباط بينه وبين الإمام (عجّل الله فرجه) حتى في أحلك الظروف والفتن والمصائب التي حلّت بالمجتمعات الشيعية في عصر الغَيبة الكبرى، ورفضوا كلّ من تسوّل له نفسه مثل هذه الادعاءات.

٢ - إن ظروف الغَيبة الكبرى تختلف باختلاف العصور والمجتمعات، وليس هناك ظرف واحد سائد فيها.

٣ - إن مرجعية شيعة آل البيت (عليهم السلام) في الغَيبة الكبرى من الناحية النظرية، ومصدر التشريع عندهم هي نفس مرجعيتهم قبل الغَيبة الكبرى، وأهمها الكتاب العزيز والسُّنة من خلال الروايات المعتمدة المحفوظة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليهم السلام).

وأمّا من الناحية العلمية الإثباتية حيث لا يوجد سفير أو رابط خاص معيَّن من جانب الإمام (عجّل الله فرجه) فيعتمدون في معرفة تعاليم دينهم الإسلامي الحنيف على المعايير المعتمدة التي تبرئ ذمتهم أمام الله تعالى، وذلك أن التعاليم الدينية على صنفين أساسيين - عدا صنوف أخرى ثانوية -:

الصنف الأول: التعاليم العقائدية.

الصنف الثاني: الأحكام الفقهية.

أمّا التعاليم العقائدية فكل إنسان يعتمد فيها على الحجة التي تقوم عنده وفق مستواه العلمي - كما تم توضيحه في البحوث العقائدية -.

وأمّا الأحكام الفقهية فمعرفتها لا تتيسر من دون تخصّص في علم الفقه وسائر العلوم التي يتوقف عليها استنباط هذه الأحكام، وكلما امتدت الفترة الزمنية كانت عملية استنباط الأحكام الفقهية أكثر تعقيداً وتتطلب جهوداً علمية مضنية ومتخصصة، فلذلك كانت أمام شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ثلاثة خيارات:

الخيار الأول: هو التخصص في هذه العلوم، والذي يصطلح عليه (الاجتهاد في الفقه).

الخيار الثاني: الاحتياط، بأن يفعل الإنسان كل ما يحتمل كونه واجباً، ويتجنّب كل ما يحتمل كونه محرّماً، وإن لم تقم حجة شرعية على وجوب الأول وحرمة الثاني.

الخيار الثالث: الرجوع للمختصين المؤهَّلين لاستنباط الحكم الفقهي، وهم (الفقهاء) و(المجتهدون) كما هو الحال في سائر موارد الرجوع للمختصين والأكفاء في العلوم الأخرى.

ونظراً لعدم تيسّر الخيارين الأولين لعموم شيعة آل البيت (عليهم السلام)، لأنّ الخيار الأول يستلزم أهليَّة الشخص للتخصص العلمي، وتفرّغه لذلك لسنوات طويلة، ولا يتيسران لعموم الناس المنشغلين بإدارة شؤونهم وأعمالهم الخاصة لتوفير مستلزمات الحياة لهم ولعوائلهم، ولتلبية مستلزمات التخصص في العلوم الأخرى التي يحتاجها المجتمع، فليس من المنطق والحكمة أن يترك الناس أعمالهم ويتفرّغوا سنين طويلة للتخصص في العلوم التي يتوقف عليها الاجتهاد الفقهي، كما هو واضح.

وأمّا الخيار الثاني: فهو خيار شاق يتعسّر على أكثر الناس ويوجب إرباك الوضع الاجتماعي العام.

فكان الخيار الثالث هو الخيار العلمي والميسّر والعقلائي الذي دأبت عليه المجتمعات البشرية على مرّ العصور، والمطبَّق في كل موارد الاختصاصات العلمية الأخرى، فالمريض يراجع الطبيب المختص، وصاحب الحق القانوني يراجع المحامي أو المختص بالقانون لكسب حقه، فكذلك في المجالات الشرعية يراجع الفقيه المختص بعلم الفقه القادر على استنباط الحكم الشرعي من المصادر الشرعية المعتبرة، ليكون معذوراً شرعاً، تجنباً لإهمال التكاليف الشرعية والتخبّط فيها.

ويطلق على الفقيه والمجتهد المذكور مصطلح (المرجِع) كما يطلق على نفس عملية الرجوع إلى المرجع عنوان (التقليد) باعتبار أن المقلِّد أو غير المختص يتبع المقلَّد وهو المرجع المختص في آرائه الفقهية، كما يتبع المريض الطبيب المختص في رأيه في تشخيص وعلاج المرض أو باعتبار أن المقلِّد يحمّل المرجع المسؤولية، والمرجع يكون مسؤولاً أمام الله تعالى بالنسبة لأعمال مَن يرجع إليه في الفتوى، قال السيد محمد سعيد الحكيم: (المستفاد من بعض كلمات اللغويين وبعض استعمالات أهل اللغة: أن التقليد عبارة عن جعل الشيء في عُنق الغير، ومن تقليد السيف...) وقول الصدّيقة (عليها السلام): في خطبتها الصغيرة «لا جرم والله لقد قلّدتهم ربَقتَها...» وقد أُطلق في العرف على متابعة الغير ومجاراته في الشيء، ولعله بلحاظ أن التابع قد حَمّل المتبوع مسؤولية عمله، فكأنه جعله في عنقه وألزمه به(1).

وقد اتضح مما ذكرناه أن التقليد ليس واجباً تعيينيّاً على كلّ شخص، بل هو خيار شرعي للتخفيف على عموم الناس وعدم إحراجهم بالاجتهاد في الفقه أو الاحتياط في الأحكام الفقهية(2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح المنهاج (الاجتهاد والتقليد): ٢١-٢٢.

(2) ومن خلال ما ذكرناه يتضح الجواب عن الحملة المضلِّلة لبعض الجهلة والمنحرفين ضد الحوزة العلمية والفقهاء بادعاء عدم مشروعية التقليد، وذلك أنه إذا لم يكن التقليد مجزئاً للمسلم، يترتب عليه الحرج بلزوم الاجتهاد في الفقه أو الاحتياط، وكلاهما غير عملي ويوجب إرباك وضع المجتمعات الإسلامية، - كما أوضحناه - وكلّما تعدّدت الخيارات للإنسان كان ذلك أخفّ عليه.

المصدر : الثقافة المهدوية (دروس منهجية) ـ تأليف: السيد رياض الحكيم.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0579 Seconds