اعتقاد شعراء الشيعة الأوائل بالمهدي (عجل الله فرجه) وغيبته

, منذ 2 سنة 571 مشاهدة

مروان خليفات
كان الشعر في العصور السابقة وسيلة إعلامية مهمة لنشر الفكر والاعتقاد، فإذا ما قال شاعرٌ مشهور قصيدة إلا وانتشرت بين الناس تتناقلها الألسن في المجالس والطرقات، وقد ذكر بعض شعراء الشيعة المهدي (عجل الله فرجه) ، وبعضهم ذكر غيبته، وهذا ما يدل على شيوع هذه العقيدة بينهم، فانعكست في أشعارهم، وكانت خير دليل على أن اعتقاد الإمامية بالمهدي (عجل الله فرجه) وغيبته كان في القرن الثاني والثالث الهجريين وقبل الغيبة الصغرى، ولا يمكن للشعراء التنبؤ بالغيب إلا أن يكونوا قد أخذوا ذاك المعتقد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وسوف أركز مقالي هذا على اثنين من كبار الشعراء، عارضا عقيدتهما من خلال ما اشتهر عنهما من قصائد شعرية.

1ـــــ إسماعيل بن محمد  السيد الحميري (ت 178هـ)
الشاعر الكبير المعروف بالسيد الحميري عاش ومات في القرن الثاني الهجري. كان السيد الحميري كيسانيا يعتقد برجعة محمد بن الحنفية ثم تاب على يد جعفر الصادق (عليه السلام).
ترجم له الذهبي فقال : ( من فحول الشعراء لكنه رافضي جلد ... فقيل: إنه اجتمع بجعفر الصادق فبين له ضلالته فتاب ) 
قال ضياء الدين يوسف بن يحيى الحسني الصنعاني : ( ويؤيد ما ذكره المرتضى وغيره إن السيد كان أولا كيسانيا ثم عاد إماميا... وكان رجوع السيد عن مذهبه إلى مذهب الشيعة الإمامية بدعاء الصادق (عليه السلام) إياه إليه، وقال قصيدة مطلعها : تجعفرت باسم الله والله أكبر، وهي معروفة ) 
ولا خلاف بين الإمامية في توبته واتباعه لجعفر الصادق (عليه السلام)
جاء في ترجمته في معجم رجال الحديث للسيد الخوئي  : ( وقال ابن شهرآشوب في المعالم : في فصل الشعراء المجاهرين : " السيد أبو هاشم ، إسماعيل بن محمد بن مزيد بن محمد بن وداع بن مفر الحميري : من أصحاب الصادق ، ولقي الكاظم (عليهما السلام) ، وكان في بدء الامر خارجيا ، ثم كيسانيا ، ثم إماميا " ( انتهى) وقال العلامة في الخلاصة ، في القسم الأول ، الباب 2 ، من فصل الهمزة (22) : " إسماعيل بن محمد الحميري ، ثقة ، جليل القدر ، عظيم الشأن والمنزلة ، رحمه الله تعالى " . وذكره ابن داود ، في الممدوحين (193) . وقال في الوجيزة : إنه ممدوح )  
روى الشيخ الصدوق رواية تبين توبته فقال... ( عن حيان السراج قال : سمعت السيد بن محمد الحميري يقول : كنت أقول بالغلو وأعتقد غيبة محمد بن علي - ابن الحنفية - قد ضللت في ذلك زمانا ، فمن الله علي بالصادق جعفر بن - محمد (عليهما السلام) وأنقذني به من النار ، وهداني إلى سواء الصراط ، فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله علي وعلى جميع أهل زمانه وأنه الامام الذي فرض الله طاعته وأوجب الاقتداء به .
فقلت له ، : يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة وصحة كونها فأخبرني بمن تقع ؟ فقال عليه السلام : إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض و صاحب الزمان ، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ) 
نظم السيد الحميري قصيدة يذكر فيها توبته وعقيدته بالمهدي وغيبته ، وقد وردت هذه القصيدة في اكثر من مصدر تاريخي وأدبي قديم، من غير مصادر الإمامية، مما يدل على صحتها وانتشارها، ولا زالت مثبتة في ديوان السيد الحميري  . ونحن نذكر قصيدته نقلا عن أحد أهل الأدب والتاريخ الثقات، حيث ذكرها المرزباني الخراساني ( ت 384هـ)   في كتابه (أخبار 
السيد الحميري)  . 
قال الشاعر الحميري:  
أيا راكبا نحو المدينة جسرة ... عذافرة يطوي بها كل سبب 
إذا ما هداك الله عاينت جعفرا ... فقل لولي الله وابن المهذب
ألا يا أمين الله وابن أمينه ... أتوب إلى الرحمان ثم تأوبي
إليك من الأمر الذي كنت مبطنا ... معاندة مني لنسل المطيب
ولكن روينا عن وصي محمد ... وما كان فيما قال بالمتكذب
بأن ولي الأمر يفقد لا يرى ... ستيرا كفعل الخائف المترقب
فيقسم أموال الفقيد كأنما ... تعيبه بين الصفى المنصب
فيمكث حينا ثم ينبع نبعة ... كنبعة جدي من الأفق كوكب
يسير بنصر الله من بيت ربه ... على سؤدد منه وأمر مسبب
يسير إلى أعدائه بلوائه ... فيقتلهم قتلا كحران مغضب 
فلما روى أن ابن خولة غايب... صرفنا إليه قولنا لم نكذب 
وقلنا هو المهدي والقائم الذي ... يعيش به من عدله كل مجدب 
فإن قلت لا فالحق قولك ... والذي أمرت فحتم غير ما متعصب 
وأشهد ربي أن قولك حجة ... على الخلق طرا من مطيع ومذنب
بأن ولي الأمر والقائم الذي... تطلع نفسي نحوه يتطرب
له غيبة لا بد من أن يغيبها ... فصلى عليه الله من متغيب
فيمكث حينا ثم يظهر حينه ... فيملأ عدلا كل شرق ومغرب
بذاك أدين الله سرا وجهرة ... ولست وإن عوتبت فيه بمعتب) 
ذكر مقطعا من هذه القصيدة وأبيات الغيبة الأخيرة القاضي الإسماعيلي النعمان المغربي  ، والمصادر الإمامية متفقة على روايتها. 
الذي نلاحظه في هذه القصيدة، إنها نفسُ الشاعر الحميري وأسلوبه، يدرك هذا كل من راجع ديوانه واستأنس به.
يذكر الشاعر أن  خبر الغيبة  وصله،  عن وصي محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ، وهو علي (عليه السلام)، قال : 
ولكن روينا عن وصي محمد ... وما كان فيما قال بالمتكذب
بأن ولي الأمر يفقد لا يرى ... ستيرا كفعل الخائف المترقب
وهذا يدل على شيوع أمر الغيبة، ومعرفة الناس بأمرها، حتى أن السيد الحميري يرويها عن علي (عليه السلام)، وهو الذي سماه وصي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، لكن السيد الحميري بالرغم من معرفته بحصول الغيبة لأحد ائمة العترة أخطأ في تشخيصها، حين ظن أن الغائب هو محمد بن الحنفية، يظهر ذلك في قوله : 
فلما روى أن ابن خولة غايب... صرفنا إليه قولنا لم نكذب 
وقلنا هو المهدي والقائم الذي ... يعيش به من عدله كل مجدب
وابن خولة هو محمد بن الحنفية بن الإمام علي ع، وأمه هي خولة، وفي البيت اشارة الى اعتقاده بمهدويته. 
ثم يعود الشاعر الحميري ويؤكد على اعتقاده بالمهدي (عجل الله فرجه) وغيبته بعد تصحيح الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) الأمر له وتجعفره ! فيقول :  
وأشهد ربي أن قولك حجة ... على الخلق طرا من مطيع ومذنب
بأن ولي الأمر والقائم الذي... تطلع نفسي نحوه يتطرب
له غيبة لا بد من أن يغيبها ... فصلى عليه الله من متغيب
فيمكث حينا ثم يظهر حينه ... فيملأ عدلا كل شرق ومغرب
هذا النص الشعري البديع يدل على تداول خبر الغيبة والمهدي (عجل الله فرجه) في القرن الثاني الهجري، وآل الأمر إلى اعتقاد السيد الحميري به بصورة صحيحة، بعد لقائه بالإمام الصادق (عليه السلام).

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0586 Seconds