لماذا مُنع الشيعة من التصريح بإسم الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) الحقيقي ؟

, منذ 2 شهر 377 مشاهدة

حين تعلَّقت إرادة الله تعالى بأنْ يكون للناس إمام هو الثاني عشر (عجَّل الله فرجه) بترتيب الأئمَّة (عليهم السلام)، وأنْ يكون هذا الإمام حاملاً للواء النصر وناشراً لراية الهدى، واقتضت الحكمة أنْ يخرج شيء من البيان ومقدار من التنويه باسمه، ووصل ذلك إلى السلاطين وحُكّام الجور وأذنابهم، أجمع القوم أمرهم على أنْ يقفوا في وجه ذلك المشروع فينقضُّوا على الإمام (عجَّل الله فرجه) ويطووا صفحته، كما طويت صفحات آبائه (عليهم السلام) على أيدي أسلافهم، والمُلك عقيم، لو نازع الولد أباه فيه لأخذ منه الذي فيه عيناه.

صحيح أنَّ الله تعالى غالب على أمره، وأنَّه تعالى إذا أراد شيئاً فإنَّما يقول له: كن، فيكون، لكن طريقة الحقِّ تعالى في تحقيق ما يريد من الناس هو سلوك السُّبُل المألوفة وعدم الخروج عنها إلى الإعجاز إلَّا في الحالات الاستثنائيَّة.

فتوسَّطت الأسباب المألوفة للناس بين إرادته تعالى ومراده، فكان ما كان مع الأنبياء والأولياء والصالحين في دعوتهم إلى صراط الله المستقيم. نُشِرَ البعض بالمناشير، وقُرِّض آخرون بالمقاريض، ورُمي آخرون بالمنجنيق، وخرج آخر خائفاً يترقَّب ليموت في سنوات التيه، وغير ذلك، ليفعل الله أمراً كان مقدوراً.

وكان من جملة التدابير الإلهيَّة ليبلغ الكتاب أجله وينجو الإمام من كيد الظالمين أنْ خفي أمر حَمْله وولادته ذلك في التكوين، وأنْ حرَّم ذكر اسمه في التشريع(1).

ويكفي شاهداً على صحَّة ذلك ما تحدَّثت به الروايات عن كيد عمِّه جعفر، وهو أقرب الناس إليه وأولاهم به.

وفي الرواية السابعة عن الكافي (ج ١/ ص ٣٣٣/ باب في النهي عن الاسم/ ح ٢) عن عليِّ بن محمّد، عن أبي عبد الله الصالحي (وهو أبو عبد الله بن الصالح)، قال: سألني أصحابنا بعد مضيِّ أبي محمّد (عليه السلام) أنْ أسأل عن الاسم والمكان، فخرج الجواب: «إن دللتهم عن الاسم أذاعوه، وإنْ عرفوا المكان دلُّوا عليه».

ونقل في الكافي (ج ١/ ص ٣٣٣/ باب في النهي عن الاسم/ ح ٣ و٤) رواية الريّان بن الصلت في ذلك وهي موثَّقة، ورواية ابن رئاب وهي صحيحة السند.

ولئلَّا ينقطع خبره عن الناس أظهره والده العسكري (عليه السلام) لبعض الخواصِّ في مرّات متعدِّدة، لتتمَّ الحجَّة عن طريق ذلك على الناس، ولله الحجَّة البالغة على خلقه.

وقد مهَّد الأئمَّة السابقون (عليهم السلام) لذلك من خلال التعرُّض له، وأنَّه ستخفى ولادته (عليه السلام).

وهذه جملة من الروايات عن الباقر والصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام) في خفاء ولادته (عجَّل الله فرجه).

روى الصدوق (رحمه الله) عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن الحسين، عن عثمان [بن] عيسى، عن خالد بن نجيح، عن زرارة بن أعين، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) يقول: «إنَّ للغلام غيبة قبل أنْ يقوم»، قلت: ولِمَ ذاك جُعلت فداك؟ فقال: «يخاف - وأشار بيده إلى بطنه وعنقه -»، ثمّ قال (عليه السلام): «وهو المنتظر الذي يشكُّ الناس في ولادته، فمنهم من يقول إذا مات أبوه: مات ولا عقب له، ومنهم من يقول: قد وُلِدَ قبل وفاة أبيه بسنتين...» الخبر(2).

 

والرواية تامَّة سنداً، فعثمان بن عيسى وإنْ كان لفترة من وجوه الواقفة، لكن لم يُشكَّك في وثاقته، بل عدَّه البعض من أصحاب الإجماع(3)، وخالد بن نجيح وإنْ لم يُنَصّ على وثاقته لكنَّ نَقْلَ ابن أبي عمير عنه كافٍ في توثيقه على المشهور من قاعدة مشايخ الثلاثة(4). وباقي الرواة لا مشكلة فيهم.

وفي رواية الحسين بن خالد، عن عليِّ بن موسى الرضا (عليه السلام):... فقيل له:

يا بن رسول الله، ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال: «الرابع من ولدي ابن سيِّدة الإماء، يُطهِّر الله به الأرض من كلِّ جور ويُقدِّسها من كلِّ ظلم، [وهو] الذي يشكُّ الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه...» الخبر(5).

وفي سندها عليُّ بن معبد الذي له كتاب على ما ذكر النجاشي إلَّا أنَّه لم يُوثَّق(6). والحسين بن خالد الراوي المباشر عن الرضا (عليه السلام) ممدوح فلا يضرُّ عدم النصِّ على وثاقته(7)، إذ إنَّ روايته ستكون حسنة وإنْ لم تكن صحيحة. هذا مضافاً إلى ما ذُكِرَ في بعض البحث من أنَّ الأُمور الاعتقادية تحتاج إلى القطع، فالرواية تُشكِّل قرينة احتماليَّة تساهم بضميمة القرائن الأُخرى في تحصيل القطع بمؤدّاها. هذا مضافاً إلى أنَّنا أوردنا الروايات هنا للاستشهاد لا للاستدلال.

وفي الخبر الصحيح الذي رواه الكليني عن العدَّة، عن سعد بن عبد الله، عن أيّوب بن نوح، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): إنّا نرجو أنْ تكون صاحب هذا الأمر، وأنْ يسوقه الله إليك عفواً بغير سيف، فقد بويع لك، وقد ضُرِبَت الدراهم باسمك، فقال: «ما منّا أحد اختلفت الكُتُب إليه، وأُشير إليه بالأصابع، وسُئِلَ عن المسائل، وحُمِلَت إليه الأموال، إلَّا اغتيل أو مات على فراشه، حتَّى يبعث الله لهذا الأمر غلاماً منّا خفيَّ المولد والمنشأ، غير خفيٍّ في نسبه»(8).

وفي (كمال الدِّين) عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا عليُّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أبي أحمد محمّد بن زياد الأزدي، عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) أنَّه قال عند ذكر القائم (عجَّل الله فرجه): «... تخفى على الناس ولادته، ولا يحلُّ لهم تسميته حتَّى يُظهِره الله (عزَّ وجلَّ)، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً»(9).

وفيه أيضاً عن محمّد بن أحمد الشيباني (رضي الله عنه)، قال: حدَّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، عن سهل بن زياد الآدمي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن محمّد بن عليٍّ (عليه السلام)، قال: «... القائم... هو الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سميُّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكنيُّه...»الخبر(10).

وفيه أيضاً عن أحمد بن هارون الفامي وعليِّ بن الحسين بن شاذويه المؤدّب وجعفر بن محمّد بن مسرور وجعفر بن الحسين (رضي الله عنهم)، قالوا: حدَّثنا محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن أيّوب بن نوح، عن العبّاس بن عامر القصباني. وحدَّثنا جعفر بن عليِّ بن الحسن بن عليِّ [بن] عبد الله بن المغيرة الكوفي، قال: حدَّثني جدِّي الحسن بن عليِّ بن عبد الله، عن العبّاس بن عامر القصباني، عن موسى بن هلال الضبي، عن عبد الله بن عطاء، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إنَّ شيعتك بالعراق كثيرون، فوَالله ما في أهل بيتك مثلك، فكيف لا تخرج؟ فقال: «يا عبد الله بن عطاء، قد أمكنت الحشو من أُذنيك، والله ما أنا بصاحبكم»، قلت: فمن صاحبنا؟ قال: «انظروا من تخفى على الناس ولادته فهو صاحبكم»(11).

وبعد ملاحظة خفاء الولادة وتحريم الاسم يكون من الطبيعي أنْ لا ينتشر ذكره (عجَّل الله فرجه)، وأنَّ أجلَّة الأصحاب لا يتحدَّثون بما رأوا ولا ينقلون ما سمعوا. ولا يعني ذلك أبداً أنَّه (عجَّل الله فرجه) غير موجود، وأنَّ القول بولادته فريَّة افتراها المتقدِّمون طمعاً في فتات دنيا، أعوذ بالله تعالى من غضبه.

إنَّ مقتضى ما ذكرنا من مقتضيات الإخفاء أنْ لا تعلم العوامُّ، وأنْ لا يتحدَّث الخواصُّ حتَّى إذا مرَّت الأيّام والسنين واطمأنَّت نفوس الظالمين بعد رحيل العسكري (عليه السلام) بعقود يخفُّ الطلب فيصبح بالإمكان أنْ يُسرَّب أمر ولادته، فدُوِّن في (الكافي) الذي كُتِبَ في زمن الغيبة الصغرى، وفيما سطرته يدا الصدوق (رحمه الله) بعد ذلك بمدَّة ليست بالطويلة جدًّا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تكرَّر في الروايات النهي عن تسميته (عجَّل الله فرجه)، وقد نقل صاحب البحار في باب النهي عن التسمية ثلاث عشرة رواية (بحار الأنوار: ج ٥١/ ص ٣١ - ٣٤). وفي الأُولى عن الغيبة للنعماني (ص ٢٩٩ و٣٠٠/ باب ١٦/ ح ٢) يسأل أبو خالد الكابلي الباقر (عليه السلام) بقوله: أُريد أنْ تسميه لي حتَّى أعرفه باسمه، فقال: «سألتني والله يا أبا خالد عن سؤال مجهد، ولقد سألتني عن أمر ما كنت محدِّثاً به أحداً لحدَّثتك، ولقد سألتني عن أمر لو أنَّ بني فاطمة عرفوه حرصوا على أنْ يُقطِّعوه بضعة بضعة».

(2) كمال الدِّين (ص ٣٤٦/ باب ٣٣/ ح ٣٢).

(3) راجع: معجم رجال الحديث (ج ١٢/ ص ١٢٩ - ١٣٦/ الرقم ٧٦٢٣).

(4) راجع: معجم رجال الحديث (ج ٨/ ص ٣٨ - ٤٠/ الرقم ٤٢٢٦).

(5) كمال الدِّين (ص ٣٧١ و٣٧٢/ باب ٣٥/ ح ٥).

(6) راجع: معجم رجال الحديث (ج ١٣/ ص ١٩٥ و١٩٦/ الرقم ٨٥٣٥).

(7) راجع: معجم رجال الحديث (ج ٦/ ص ٢٤٩ - ٢٥٢/ الرقم ٣٣٩٠).

(8) الغيبة للنعماني (ص ١٧٣/ باب ١٠/ فصل ٣/ ح ٩).

(9) كمال الدِّين (ص ٣٦٨ و٣٦٩/ باب ٣٤/ ح ٦).

(10) كمال الدِّين (ص ٣٧٧ و٣٧٨/ باب ٣٦/ ح ٢).

(11) كمال الدِّين (ص ٣٢٥/ باب ٣٢/ ح ٢).

المصدر : إرساء المحكمات وتبديد الشبهات في القضية المهدوية ـ تأليف : الشيخ كاظم القره غولي.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0631 Seconds