كيف يصل الإنسان الى مرحلة المنتظر الحقيقي للإمام المهدي (عج) ؟

, منذ 5 شهر 545 مشاهدة

كثيرة هي الواجبات على المسلم، ولكن هناك أُموراً واجبة على المؤمن الذي يحسب نفسه منتظراً لمولاه المهدي (عليه السلام) ، وفي هذه الشذرة سنُعطي نقاطاً عدَّة تُمثِّل عناوين عامَّة شاملة لما يجب فعله في زمن الغيبة، وستكون الصبغة الغالبة عليها هي الصبغة العملية التنفيذية، التي لا تحتمل التأجيل، وإنَّما تجب المباشرة بتطبيقها حتَّى يسلك المؤمن خطوات عملية جادّة للوصول إلى مرحلة المنتظرين.

النقطة الأولى: تأمين الموالاة بمعناها الصحيح:

بمعنى أن يشتمل المنتظِر الحقيقي على معرفة عملية بإمام زمانه (عليه السلام)، والتي تعني تولّيه عملياً والتبرّي من أعدائه كذلك، وقد عبَّرت الأحاديث عن هذا المعنى بعدَّة تعبيرات، كالاقتداء بالإمام (عليه السلام)، ومعرفة الأمر، وقد رتَّبت عليه ثمرات عملية، كالصبر على الغيبة وطولها، وضبط النفس بالتسليم لأمر الله تعالى، طالت الغيبة أو قصرت.

عن سدير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتدٍ به قبل قيامه، يأتمّ به وبأئمَّة الهدى من قبله، ويبرء إلى الله (عزَّ وجلَّ) من عدوّهم، أُولئك رفقائي وأكرم أُمَّتي عليَّ»(1).

عن عبد الله بن عجلان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «من عرف هذا الأمر ثمّ مات قبل أن يقوم القائم (عليه السلام) كان له مثل أجر من قُتِلَ معه»(2).

عن الفضيل بن يسار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١]، فقال: «يا فضيل، اعرف إمامك، فإنَّك إذا عرفت إمامك لم يضرّك تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر، ومن عرف إمامه ثمّ مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر كان بمنزلة من كان قاعداً في عسكره، لا، بل بمنزلة من قعد تحت لوائه»(3).

النقطة الثانية: توفير الحصانة الرصينة ضدّ أسباب الانحراف:

إنَّ على من ينذر نفسه للتمهيد للظهور أن يتمثَّل الإسلام في حياته العملية، لأنَّ يوم الظهور ما هو إلَّا يوم ظهور الإسلام بحلَّته الإلهية التي ارتضاها ربّ العالمين للمسلمين، وهذا الأمر يقتضي أن يتوفَّر المؤمن على حصانة رصينة وترسانة صلبة ضدّ أسباب الانحراف، لأنَّ من أهمّ سمات زمن الغيبة التي نعيشها اليوم هي توفّر أسباب الانحراف وسيولتها بشكل لافت للنظر، بحيث أصبحت في متناول الجميع، ولا صعوبة في الحصول عليها، علناً وخفاءً. لذا كان لزاماً على المؤمن أن لا يذوب في هذا المحيط الفاسد، وفي نفس الوقت لا بدَّ أن يعمل على التعايش مع هكذا وضع منحرف ليعمل على إصلاحه!

والموازنة بين هذين الأمرين هي رهان المؤمن على نجاحه في اختبار زمن الغيبة.

وهذه الحصانة تعني التزام التقوى، والتقوى تحتاج إلى ما يُنمّيها ويُقوّيها، وهذا ما يحتاج إلى صبر وحبس نفس حتَّى لا يترك إلى غيره، والحفاظ على هذا المعنى المتكامل بحاجة إلى ابتعاد عملي عن المشاركة في الفتن التي تسلب التقوى ومقوّماتها، وتفصيل هذا:

١) التمسّك بالتقوى:

إذ هي حصن الإيمان كما عبَّر أمير المؤمنين (عليه السلام)(4)، وعن يمان التمّار، قال: كنّا عند أبي عبد الله (عليه السلام) جلوساً فقال لنا: «إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة، المتمسّك فيها بدينه كالخارط للقتاد - ثمّ قال هكذا بيده -، فأيّكم يُمسِك شوك القتاد بيده؟»، ثمّ أطرق مليَّاً، ثمّ قال: «إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتَّق الله عبد وليتمسَّك بدينه»(5).

ولا يخفى أنَّ التقوى مفهوم مركَّب من:

أ) الورع، وهو الابتعاد عن المعاصي صغيرها وكبيرها، بل وعن الشبهات.

ب) الاجتهاد، وهو بذل الجهد في عمل الواجبات والطاعات.

وهو ما عبَّر عنه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ»(6).

٢) التزام محاسن الأخلاق:

إذ التزامها عامل مهمّ في تقوية التقوى وتنميتها، وبالتالي الحفاظ على الإيمان.

عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال ذات يوم: «ألَا أُخبركم بما لا يقبل الله (عزَّ وجلَّ) من العباد عملاً إلَّا به؟»، فقلت: بلى، فقال: «شهادة أن لا إله إلَّا الله، وأنَّ محمّداً عبده ورسوله، والإقرار بما أمر الله، والولاية لنا، والبراءة من أعدائنا - يعني الأئمَّة خاصَّة -، والتسليم لهم، والورع والاجتهاد، والطمأنينة، والانتظار للقائم (عليه السلام)»، ثمّ قال: «إنَّ لنا دولة يجيء الله بها إذا شاء»، ثمّ قال: «من سرَّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظِر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيَّتها العصابة المرحومة»(7).

٣) الصبر على التزام ذينك الأمرين:

خصوصاً وإنَّ طول الغيبة مدعاة لليأس والقنوط، فلولا الصبر الذي يلتزمه المؤمن لفقد إيمانه، ولذا أكَّدت الروايات الشريفة على التزام الصبر كمنهج عملي في زمن الغيبة.

عن جابر الأنصاري، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «يغيب عنهم الحجَّة، لا يُسمّى حتَّى يُظهِره الله، فإذا عجَّل الله خروجه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»، ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محجَّتهم، أُولئك وصفهم الله في كتابه فقال: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣]، وقال: ﴿أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: ٢٢]»(8).

وعن الإمام الرضا (عليه السلام): «ما أحسن الصبر وانتظار الفرج، أمَا سمعت قول العبد الصالح: ﴿وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ﴾ [هود: ٩٣]، ﴿انْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ [الأعراف: ٧١]، فعليكم بالصبر فإنَّه إنَّما يجيء الفرج على اليأس، وقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم»(9).

هذا، وينبغي أن يتمثَّل الصبر بأشدّ صوره في مسألة الانتظار، من جهة حبس النفس على أمر الله تعالى، بمعنى التسليم بما قدَّره الله تعالى من الوقت المحدَّد للظهور المبارك، بحيث يرضى المؤمن بذلك بقلبه وعقله، ولا يُحدِّث نفسه أبداً بما يوحي بالاعتراض على تقدير الله تعالى، وحتَّى يضمن المنتظِر المؤمن هذه المرتبة، لا بدَّ أن يتمثَّل بعض فقرات دعاء زمن الغيبة، وأن يعيش مضمونها بوجدانه ويعيشها بكيانه، أقصد الفقرات التالية:

«... اللّهُمَّ فَثَبِّتْنِي عَلى دِينِكَ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِطاعَتِكَ، وَلَيِّنْ قَلْبِي لِوَلِيِّ أَمْرِكَ، وَعافِنِي مِمَّا امْتَحَنْتَ بِهِ خَلْقَكَ، وَثَبِّتْنِي عَلى طاعَةِ وَلِيِّ أَمْرِكَ، الَّذِي سَتَرْتَهُ عَنْ خَلْقَكَ، فَبِإِذْنِكَ غابَ عَنْ بَرِيَّتِكَ، وَأَمْرَكَ يَنْتَظِرُ، وَأَنْتَ العالِمُ غَيْرُ المُعَلَّمِ بِالوَقْتِ الَّذِي فِيهِ صَلاحُ أَمْرِ وَلِيِّكَ فِي الإِذْنِ لَهُ بِإِظْهارِ أَمْرِهِ وَكَشْفِ سِرِّهِ، فَصَبِّرْنِي عَلى ذلِكَ حَتَّى لَا أُحِبَّ تَعْجِيلَ ما أَخَّرْتَ وَلَا تَأْخِيرَ ما عَجَّلْتَ، وَلَا أَكْشِفُ ما سَتَرْتَ وَلَا أَبْحَثُ عَمَّا كَتَمْتَ، وَلَا أُنازِعَكَ فِي تَدْبِيرِكَ، وَلَا أَقُولَ: لِمَ وَكَيْفَ وَما بالُ وَلِيِّ الأَمْرِ لَا يَظْهَرُ وَقَدْ امْتَلَأَتِ الأَرْضُ مِنَ الجَوْرِ؟! وَأُفَوِّضَ أُمُورِي كُلَّها إِلَيْكَ...»(10).

٤) القعود عن تأجيج الفتن:

وهو معنى ما تقدَّم من أمر بعض الروايات بالتزام البيوت وأن نكون (أحلاس بيوتنا)، وقد عرفنا المعنى التفصيلي لمثل هذه الروايات، والآن نؤكّد ذلك المعنى، خصوصاً وإنَّ الروايات الشريفة قد صرَّحت بهذا المعنى.

عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لمَّا دخل سلمان (رضي الله عنه) الكوفة، ونظر إليها، ذكر ما يكون من بلائها حتَّى ذكر ملك بني أُميَّة والذين من بعدهم. ثمّ قال: فإذا كان ذلك فالزموا أحلاس بيوتكم حتَّى يظهر الطاهر ابن الطاهر المطهَّر ذو الغيبة الشريد الطريد»(11).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كمال الدين: ٢٨٦ و٢٨٧/ باب ٢٥/ ح ٣.

(2) الغيبة للطوسي: ٤٦٠/ ح ٤٧٤.

(3) الكافي ١: ٣٧١/ باب أنَّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر/ ح ٢.

(4) قال (عليه السلام): «أمنع حصون الدين التقى». (عيون الحكم والمواعظ: ١١٤).

(5) الكافي ١: ٣٣٥ و٣٣٦/ باب في الغيبة/ ح ١.

(6) نهج البلاغة: ٤١٧/ ح ٤٥.

(7) الغيبة للنعماني: ٢٠٧/ باب ١١/ ح ١٦.

(8) بحار الأنوار ٥٢: ١٤٣/ ح ٦٠.

(9) قرب الإسناد: ٣٨٠ و٣٨١/ ح ١٣٤٣.

(10) مصباح المتهجّد: ٤١٢/ ح (٥٣٦/١٤٦).

(11) بحار الأنوار ٥٢: ١٢٦ و١٢٧/ ح ١٩، عن الغيبة للطوسي: ١٦٣/ ح ١٢٤.

المصدر : شذرات مهدوية ـ تأليف: حسين عبد الرضا الأسدي.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.1396 Seconds