العلم والعبادة في دولة الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

, منذ 1 شهر 617 مشاهدة

إنَّ الحضارة الغربية فصلت العلم عن الدين، وفصلت التكنولوجيا عن العبادة، أمَّا الحضارة الكونية المهدوية فهي حضارة التزاوج بين العلم وبين العبادة، قد يقول قائل: إنَّ الهدف من وجود الإنسان هو العبادة، لأنَّ الله تعالى يقول: ﴿وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: ٥٦)، وليس كما ذُكر في بداية البحث من أنَّ الهدف هو إقامة الحضارة.

والجواب: لا فرق في ذلك فالحضارة هي العبادة، لأنَّ المقصود بالعبادة في الآية القرب من الله وليس المقصود الصلاة والصوم فقط، إذ هي طقوس عبادية وليست هي العبادة، فهي طقوس توصل الإنسان إلى القرب الروحي من الله، العبادة هي القرب الروحي، والقرب الروحي من مراتبه اكتشاف أسرار الكون المساوق لمعرفة الله (عزَّ وجلَّ)، وأعلى مقام من مقاماته يحتاج إلى عنصرين: علم وعبادة.

فإنَّ العلم وحده غير كافٍ فيه من دون العبادة، وكذا العبادة وحدها غير كافية فيه من دون العلم، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا﴾ (العنكبوت: ٦٩)، وقال تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ (الحجر: ٩٩)، ووصول الإنسان إلى مرحلة اليقين، إلى مرحلة القرب الروحي، يحتاج إلى علم وعبادة، لأجل ذلك في دولة المهدي (عليه السلام) يتزاوج العنصران، فمن جهة يكتشف الإنسان أسرار الكون كلّه ومن جهة أخرى هو في دولة إسلاميّة تربّيه على اللقاء مع الله في كلّ حين، وتربّيه على حضور الله في كلّ آنٍ، فسيلتقي العلم والعبادة في دولته المباركة، وستكون إقامة الحضارة الكونية بنفسها عبادة، والعبادة بنفسها اكتشاف لأسرار الكون وطاقاته.

ولهذا من جمع العلم والعبادة فهو القريب إلى ربّه، وهذا يسمّى بالمصطلح العرفاني: صاحب البصيرة، قال تعالى: ﴿قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ (يوسف: ١٠٨)، فالبصيرة هي العلم والعبادة، فإنَّ من كان عالماً وعابداً فهو صاحب بصيرة، فكيف إذا كان نافذ البصيرة، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «كان عمّنا العبّاس بن علي نافذ البصيرة، صلب الإيمان» يعني كان إنساناً عالماً عابداً، «جاهد مع أبي عبد الله (عليه السلام) وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيداً»(1).

والحمد لله ربّ العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مقتل الحسين (عليه السلام) لأبي مخنف: ١٧٦.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0576 Seconds