هل تعرض أعمالنا على الإمام المهدي (عجل الله فرجه) ؟

, منذ 2 ساعة 7 مشاهدة

تمهيد

من القضايا التي اتفقت عليها روايات مدرسة أهل البيت عليهم السلام، أنّ أعمال العباد تُعرض على النبي صلى الله عليه وآله وعلى الأئمّة من ذريته، بحيث يكونون مطّلعين على ما يجري في أمّة الإسلام، سواءً في حياتهم أو بعد انتقالهم إلى جوار ربهم، بل ويستمر هذا الاطلاع في زمن غيبة الإمام المهدي (عج).

هذه العقيدة ليست بدعاً، بل لها جذور في القرآن الكريم والسنّة، وتشكّل جزءاً من فلسفة الإمامة، حيث يكون الإمام شاهداً وحافظاً للدين، ورقيباً على الأمة.

أولاً: الأساس القرآني

قوله تعالى:

{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}

(التوبة: 105).

هذه الآية صريحة في أنّ أعمال العباد يراها الله، ويراه الرسول، ويراه المؤمنون.

وقد فسّر أئمّة أهل البيت "المؤمنون" بأنهم الأئمّة المعصومون، كما جاء في تفسير القمّي والعياشي والبرهان.

قوله تعالى:

{وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}

(البقرة: 143).

إذا كانت الأمة شاهدة على الناس، فالرسول والأئمة أولى بالشهادة. والشهادة تستلزم الاطلاع على الأعمال.

ثانياً: النصوص الحديثية

عن الإمام الصادق عليه السلام: قال: مالكم تسوؤن رسول الله صلى الله عليه وآله؟! فقال رجل:

كيف نسوؤه؟ فقال: أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤا رسول الله وسروه.

وعن عبد الله بن أبان الزيات وكان مكيناً عند الرضا عليه السلام قال: قلت للرضا عليه السلام: ادع الله لي ولأهل بيتي فقال:

أو لست أفعل؟ والله إن أعمالكم لتعرض علي في كل يوم وليلة، قال: فاستعظمت ذلك، فقال لي: أما تقرء كتاب الله عز وجل: " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله والمؤمنون "؟ قال: هو والله علي بن أبي طالب عليه السلام.

وعن يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: " اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " قال: هم الأئمة.

(الكافي، ج1، ص219).

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الأعمال تعرض على في كل خميس فإذا كان الهلال أكملت فإذا كان النصف من شعبان عرضت على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى على ثم ينسخ في الذكر الحكيم.

بصائر الدرجات - ص ٤٤٤.

وعن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: إن أعمال العباد تعرض على نبيكم كل عشية خميس فليستحيي أحدكم أن يعرض على نبيه العمل القبيح. ثالثاً: شمول العرض للإمام المهدي في غيبته.

وسائل الشيعة ج ١٦ - ص ١١٣.

الأئمّة هم ورثة النبي في وظيفة الاطلاع على أعمال الأمة.

وفي تفسير العياشي: عن زرارة عن بريد العجلي قال قلت لأبي جعفر عليه السلام في قول الله: " اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون فقال: ما من مؤمن يموت ولا كافر يوضع في قبره حتى يعرض عمله على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام فهلم جرا إلى آخر من فرض الله طاعته.

وقال أبو عبد الله عليه السلام: " والمؤمنون " هم الأئمة عليهم السلام.

تفسير العياشي: ٢: ١٠٩.

وبما أنّ الإمام المهدي (عج) هو الحجة الباقية في زمان الغيبة، فإنّه المخاطب بهذا الدور.

رابعاً: الحكمة من عرض الأعمال

صلة الأمة بإمامها: ليبقى المؤمنون على يقين أنّ إمام زمانهم حاضر وشاهد.

الدافع للتقوى: إذ يستحي المؤمن من أن يطّلع إمامه على ذنوبه.

الارتباط الروحي: يعزز العلاقة الوجدانية مع الإمام الغائب.

خامساً: أبعاد عقدية

هذا العرض لا يعني أن الإمام يحتاج إلى هذه الأعمال ليعلم، فالله قد أودع في الإمام علماً لدنياً يمكنه من الاطلاع، ولكن نظام التشريع اقتضى أن تعرض عليه الأعمال عرضاً ملكوتياً.

كما أن اطلاع الإمام لا ينافي الغيبة؛ فالغيبة تعني غياب شخصه لا غياب علمه ولا غياب ولايته.

خاتمة

إذن، نعم، أعمالنا تُعرض على الإمام المهدي (عليه السلام) كما كانت تُعرض على النبي والأئمّة من قبله. وهذه العقيدة ثابتة بالقرآن والسنّة وتدلّ على أن الإمام ليس مجرد رمز، بل هو شاهد حاضر يتابع مسيرة الأمة حتى مع غيبته.

وهذا يحمّل المؤمن مسؤولية مضاعفة: أن لا يسوءَ إمام زمانه بذنوبه، بل يسعى ليسرّه بطاعته وصلاحه.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0782 Seconds