ما معنى أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في غيبته كالشمس إذا غيّبها السحاب ؟

, منذ 1 اسبوع 64 مشاهدة

المقدّمة

من أعمق التشبيهات التي وردت عن النبيّ الأكرم ﷺ والأئمّة الطاهرين (عليهم السلام) في بيان حقيقة غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو قول الإمام المهدي (عجّل الله فرجه):

« وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء»

(بحار الأنوار - ج ٥٣ - ص ١٨١).

هذا التشبيه ليس مجرد استعارة بل هو تصوير عقائدي ومعنوي دقيق يبيّن دور الإمام في حياة الأمّة رغم احتجابه عن الأنظار.

أولاً: وجه الشبه بين الإمام والشمس

الشمس هي مصدر الضياء والحرارة والحياة لكل كائن على وجه الأرض، ومع ذلك قد تحجبها الغيوم عن الأبصار، لكن الناس لا ينقطع انتفاعهم بها.

فكذلك الإمام المهدي (عج):

هو مصدر الهداية والنور المعنوي في هذا العالم.

وجوده لطفٌ إلهيّ وسبب لحفظ الأرض ومن عليها.

وإن كان مستوراً عن العيون، إلا أن آثاره جارية في النفوس والمجتمعات كما يجري ضوء الشمس خلف السحاب.

ثانياً: الانتفاع بالإمام في الغيبة

الناس ينتفعون بالإمام المهدي بعدة وجوه، منها:

اللطف التكوينيّ:

وجود الإمام هو أمان لأهل الأرض، كما قال الإمام زين العابدين (ع):

« بنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها »

(أمالي الصدوق: ١٥٦ / ١٥).

فوجوده الشريف سببٌ لحفظ الكون من الفساد والانهيار، ولو رُفع هذا الوجود لانعدمت الرحمة.

اللطف التشريعيّ والهداية الخفية:

فكما أن أشعة الشمس تسطع في كل مكان دون أن تُرى، كذلك تفيض بركات الإمام على القلوب الطاهرة التي تسعى للحق.

يوجّه العقول، ويُلهم المؤمنين، ويسدّد العلماء والمرشدين، وإن لم يُعرف حضوره.

التمحيص والامتحان الإلهي:

غيبته امتحان للإيمان والولاء، كما أن حجب الشمس اختبار لصبر الزرّاع والمسافرين.

فمن صبر وانتظر بقي على بصيرته، ومن ضعف تاه في الظلام.

الانتفاع العمليّ عبر التوجيه العام:

كثير من العلماء والصالحين نقلوا تسديدات غيبية في أعمالهم ودعوتهم، كما يُروى عن المراجع العظام أنّهم كانوا يرون آثاراً للإمام في المواقف الكبرى التي حفظت الدين والأمّة.

ثالثاً: السحاب لا يطفئ نور الشمس

السحاب لا يُضعف من ضوء الشمس في حقيقتها، إنّما يمنع الأبصار من رؤيتها فقط.

فكذلك غيبة الإمام لا تعني انقطاع دوره، بل فقط احتجابه عن الأنظار لحكمة إلهية:

حماية لشخصه الشريف من القتل،

وتمييزاً للمخلصين من المدّعين،

وإعداداً للعالم لمرحلة الظهور.

رابعاً: الحكمة البلاغية في التشبيه

خامساً: البعد الروحي والوجداني

إن تشبيه الإمام بالشمس يربّي في قلب المؤمن روح الانتظار المفعم بالثقة والرجاء:

فكما أن السحاب لا يدوم، كذلك الغيبة إلى زوال.

وكل يوم نعيشه في ظل الانتظار هو استعداد لطلوع الشمس الكبرى التي تبدّد ظلمات الظلم والجور.

الخاتمة

القول بأن الإمام المهدي (عج) كالشمس إذا غيّبها السحاب يعني أن الغيبة لا تنفي النور ولا تقطع الفيض الإلهي، بل هي مرحلة تربوية روحية لحفظ الإيمان وتمحيص القلوب.

فوجوده الشريف هو سرّ الحياة وباب الرحمة، وطلوعه المنتظر وعدٌ إلهيّ بظهور العدل الكامل

.

قال الإمام الصادق (ع):

« إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها، واستغنى العباد عن ضوء الشمس، وذهبت الظلمة »

(بحار الأنوار - ج ٥٢ - ص ٣٣٧).

فالشمس خلف السحاب تُنبئ عن يوم مشرق آتٍ، كما أن غيبة الإمام تبشر بظهورٍ قريبٍ يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.1126 Seconds