كيف يمارس الإمام المهدي وظيفة الهداية وهو غائب عن الأنظار؟

, منذ 1 ساعة 12 مشاهدة

المقدمة

من أهم الإشكالات المطروحة في الفكر المهدوي مسألة: كيف يمكن لإمام غائب عن الأنظار أن يمارس دوره كـ "حجة الله" و"هادي الأمة"؟ إذ يُتوقَّع أن القائد لا يستطيع أن يهدي إلا من خلال الحضور المباشر. لكنّ البحث العميق في النصوص الدينية والفلسفة الإمامية يكشف أن الهداية لا تنحصر في الوجود المرئي، بل تتجلى بأبعاد أعمق مرتبطة بدور الإمامة في حفظ الدين وربط الخلق بالخالق.

أولاً: معنى الهداية في الرؤية القرآنية

الهداية على نوعين:

هداية دلالة وإرشاد: وهي بيان الطريق للناس، وقد يشترك فيها الأنبياء والعلماء والدعاة.

هداية تكوين وإيصال إلى المطلوب: وهي هداية باطنية مرتبطة بالفيض الإلهي، كما قال تعالى:

﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ (الليل: 12)،

﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ (الأنبياء: 73).

فالأئمة (عليهم السلام) لا يقتصر دورهم على التعليم الظاهري، بل يمارسون هداية تكوينية باطنة لا تتوقف على الحضور المادي.

ثانياً: النصوص الواردة في الهداية زمن الغيبة

1. حديث النبي (صلى الله عليه وآله):

«مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك»

(المصادر: الحاكم النيسابوري، المستدرك 2/343؛ الصواعق المحرقة لابن حجر 2/442).

هذا الحديث يدل على أن النجاة مرتبطة بالتمسك بالعترة حتى لو لم يكونوا حاضرين مباشرة.

2. تشبيه الإمام المهدي بالشمس وراء السحاب:

روى العلامة المجلسي عن الإمام المهدي (صلوات الله عليه):

« أما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، »

(البحار: 52 / 92).

فكما أن للشمس تأثيراً في الكون وإن لم تُرَ بالعين، فإن للإمام دوراً مستمراً في بث الهداية وحفظ النظام الديني.

ثالثاً: أوجه ممارسة الهداية في الغيبة

1. الحفاظ على الدين من التحريف

وجود الإمام كحجة غيبية يمنع انقطاع السند بين السماء والأرض، ويضمن بقاء الإسلام الأصيل رغم تعدد المذاهب والأهواء. قال الإمام الباقر (ع):

« والله ما ترك الله أرضا منذ قبض آدم عليه السلام إلا وفيها إمام يهتدي به إلى الله وهو حجته على عباده، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجة لله على عباده. »

(الكليني، الكافي 1/179).

2. إلهام القلوب وتأييد الصالحين

الإمام يمارس الهداية الباطنية عبر إلهام العلماء الربانيين الذين يقومون بدور النيابة العامة، وهذا ما عبّر عنه الإمام المهدي (عج):

«وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله»

(الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - ص ٢٨٣).

3. التأثير التكويني في نظام الوجود

الهداية لا تعني فقط البيان، بل كذلك مدّ الفيض الإلهي. فالإمام هو واسطة الغيب بين الخلق والخالق، وبدونه ينقطع نظام الوجود. وهذا ما يشبه ما قاله القرآن عن الخضر (ع) الذي مارس الهداية دون أن يُعرف ظاهراً:

﴿ فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ﴾ (الكهف: 65).

4. التمهيد لظهور العدالة الكبرى

وظيفة الهداية في الغيبة ليست إلغاء دور الإمام، بل إعداد الأمة عبر الامتحان والفرز، ليكون الظهور آخر مراحل مشروع الهداية الإلهية.

رابعاً: الشواهد العقلية

حاجة المجتمع للقدوة الكاملة: العقل يحكم أن الله لا يترك خلقه بلا حجة، سواء كان ظاهراً أو مستوراً، لأن نظام الهداية الإلهية قائم على وجود مرجع معصوم.

إمكان الهداية الغيبية: كما أن الروح تؤثر في الجسد وهي غير مرئية، فكذلك الإمام يؤثر في الأمة وهو غائب.

الخاتمة

يتضح أن غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) لا تعني تعطيل وظيفته، بل تعني تحوّل أسلوب ممارسة الهداية من الشكل العلني المباشر إلى الشكل الباطني غير المباشر. فالهداية التكوينية، وحفظ الدين، وإلهام العلماء، وإمداد المؤمنين بالطاقة الروحية، كلها وجوه لممارسة دوره.

وكما تنتفع الأرض بالشمس خلف السحاب، كذلك ينتفع المؤمنون بالإمام الغائب، حتى يحين وقت الظهور ليباشر دوره العلني بقيادة البشرية نحو العدل الشامل.

 

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0762 Seconds