هل الإيمان بالمهدي فكرة مخترعة، أم عقيدة ثابتة ؟

, منذ 1 سنة 237 مشاهدة

السيد منير الخباز

إن القضية المهدوية ذات أبعاد مختلفة، ونحن نتكلم عن كل بعد من هذه الأبعاد.

البعد الأول: البعد الفلسفي.

هل أن اليوم الموعود، وهو يوم ظهور الحق، وهو يوم انتصار القيم والفضيلة، هل هو أمر يفرضه العقل، أم لا؟ هل العقل يفرض علينا أن نعتقد بيوم موعود، بيوم ينتصر فيه الحق على الباطل والفضيلة على الرذيلة، أم أن العقل لا يحكم بذلك؟ وبعبارة أخرى: هل مسيرة الحياة مسيرة هادفة أم غير هادفة؟

إذا قلنا: لا يوجد يوم موعود، الحياة هكذا تسير بشكل عشوائي، وربما تنتهي الحياة بانتصار الظلم على العدل، وربما تنتهي الحياة بانتصار الرذيلة على الفضيلة، وربما تنتهي الحياة بأن لا غالب ولا مغلوب، إذن الحياة لا هدف لها، تسير بشكل عشوائي لا يوصل ولا يبلغ إلى هدف معين، من ينكر القضية المهدوية هو بعبارة أخرى يقول: الحياة تسير بشكل عشوائي، هذا معناه، من ينكر أن هناك يومًا تنتصر فيه الفضيلة على الرذيلة، وينتصر فيه الحق على الباطل، هو بعبارة أخرى يقول لك: إن مسيرة الحياة مسيرة لا هدف لها، مسيرة عشوائية، ربما ينتصر الباطل، ربما ينتصر الحق، ربما لا غالب ولا مغلوب، المسيرة عشوائية وانتهى الموضوع.

القول بأن مسيرة الحياة مسيرة عشوائية لا هدف لها قولٌ يرفضه العقل الحكيم، فإن العقل الحكيم يقول: خلقت الحياة لكي تصل إلى هدف، ولو لم تصل إلى هدف لكان خلق الحياة عبثًا، لكان خلق الحياة لغوًا، واللغو قبيح، والقبيح لا يصدر من الحكيم تبارك وتعالى، مقتضى الحكمة أن يضع هدفًا للحياة، مقتضى أن الله حكيم أن يضع هدفًا للحياة، فلو لم يضع هدفًا للحياة، وتركها تسير بشكل عشوائي، لكان ذلك لغوًا وعبثًا لا ينسجم مع كونه تعالى حكيمًا.

لذلك جاءت الآيات القرآنية تؤكد على هذا البعد الفلسفي، أن للحياة هدفًا، ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾، لكي تصلوا إلى الكمال، إلى الأحسن، وقال تبارك وتعالى في آية أخرى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾، كل هذه السماوات والأرض والدنيا تسير بشكل عشوائي؟! لا يوجد هدف! ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ﴾، فالبعد الفلسفي يفترض أن للحياة هدفًا، وهو انتصار الفضيلة على الرذيلة، فاليوم الموعود يوم يفرضه العقل، يفرضه المنطق العقلائي.

البعد الثاني: البعد القرآني.

نحن كمسلمين، هل القرآن يفرض علينا أن نعتقد بيوم موعود؟ نعم، القرآن يفرض علينا ذلك، القرآن نفسه يقول: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ﴾، سيأتي يوم يتمكن الدين من الأرض كلها، ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾، وقال في آية أخرى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾، ليسوا الوارثين لبقعة معينة، الوارثين للعراق! بل الوارثين للأرض كلها. إذن، هذا منطق القرآن، وهل يخلف الله وعده؟! وهل يكذب الله مقاله؟! مقتضى البعد القرآني هو الإيمان باليوم الموعود.

البعد الثالث: البعد الإسلامي.

هل هناك في علماء المسلمين من ينكر القضية المهدوية؟ هل القضية المهدوية محل خلاف بين علماء المسلمين، بمعنى أن بعضهم يقول: سيأتي يوم يظهر فيه المهدي، وبعض يقول: لن يأتي هذا اليوم أبدًا؟ هل هناك خلاف في أصل القضية المهدوية؟ أنا أؤكد لك أنه لا خلاف.

حاول ابن خلدون في مقدمته أن ينكر القضية المهدوية، محتجًا بحديث موضوع في سنن ابن ماجة قال: ”لا مهدي إلا عيسى“، عيسى هو الذي سيأتي، غير النبي عيسى لن يأتي، هذا كلام ابن خلدون، من الذي رد عليه؟ أكثر من ثلاثين كتابًا من علماء المسلمين جاءت ردًا على كلام ابن خلدون، نحن نكتفي بما ذكره محمد بن المنتصر الكتاني مدير مجمع الفقه الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، هو الذي ردّ على ابن خلدون.

قال: وقام بالرد عليه - يعني على ابن خلدون - شيخنا ابن عبد المؤمن في كتاب مطبوع متداول في الشرق والمغرب منذ أكثر من ثلاثين سنة، ونص الحفاظ والمحدثون على أن أحاديث المهدي فيها الصحيح والحسن، ومجموعها متواتر مقطوع بتواتره وصحته، وأن الاعتقاد بخروج المهدي واجب، وأنه من عقائد أهل السنة والجماعة، ولا ينكره إلا جاهل بالسنة، ومبتدع في العقيدة، والله يهدي إلى الحق، ويهدي إلى سواء السبيل.

إذن هذا مدير المجمع، مجمع الفقه الإسلامي في رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، يقول بأن الأحاديث الواردة في المهدي متواترة مقطوع بتواترها وصحتها، وأنه لا ينكر ذلك إلا جاهل أو مبتدع، فلا تضيع وقتك مع الجهال! هذا هو البعد الإسلامي.

البعد الرابع: البعد الإمامي.

الإمامية تختلف عن بقية المذاهب الإسلامية، الإمامية تعتقد أن المهدي وُلِد، وما زال موجودًا، ويظهر يومًا من الأيام متى شاء الله له ذلك، كما ورد عن النبي محمد : ”لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلًا من أهل بيتي اسمه اسمي يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا“، البعد الإمامي يستند إلى ماذا؟

العقيدة بالإمامة تقتضي العقيدة بالمهدي، لا يوجد تفكيك، هناك ملازمة بين الاعتقاد بالإمامة والاعتقاد بالمهدي، من ينكر القضية المهدوية لا بد أن ينكر الإمامة، هناك ملازمة بينهما، لا يمكن أن تفكك بين العقيدتين، من يعتقد بمبدأ الإمامة، بأصل الإمامة، وأنه لا بد من وجود إمام، من يعتقد بمبدأ الإمامة لا بد أن يعتقد بوجود المهدي المنتظر، ومن ينكر وجود المهدي المنتظر لا يمكنه أن يبقى معتقداً بمبدأ الإمامة، فهناك ملازمة بين العقيدتين، بين العقيدة بالإمامة والاعتقاد بوجود المهدي المنتظر، لذلك العقيدة المهدوية متفرعة على العقيدة بالإمامة.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0788 Seconds