الشيخ علي آل محسن
ما فائدة إمام غائب عن الأنظار، مختفٍ عن الأبصار، لا ينتفع به المسلمون، ولا يستفيد منه المؤمنون، مع شدة الحاجة إليه إذا انتابتهم النوائب، أو ألمتْ بهم المصائب؟
وجوابها:
١ـ ما أفاده السيد المرتضى (أعلى الله مقامه) من أنَّا إذا علمنا أن المهدي (ع) هو الإمام دون غيره، ورأيناه غائباً عن الأبصار، علمنا أنه لم يغب مع عصمته وتعيّن فرض الإمامة فيه إلا لسبب اقتضى ذلك، ومصلحة استدعته، وضرورة حملت عليه، وإنْ لم يُعلم وجهه على التفصيل، لأن ذلك مما لا يلزم علمه، ويكون كلامنا حينئذ في الغيبة ووجهها جارياً مجرى الكلام في وجه المصلحة في رمي الجمار والطواف وما أشبه ذلك، فإنَّا إذا عوَّلنا على حكمة الله سبحانه، فلا بد من وجهٍ حسن في جميع ذلك وإن جهلناه بعينه، وبذلك نسد الباب على مخالفينا في سؤالاتهم، إلا أنّا نتبرّع بإيراد جوابات تلك المسائل على سبيل الاستظهار وبيان الاقتدار.(1)
٢ـ ننقض عليهم بعيسى بن مريم (ع)، فإنه غائب موجود في السماء، بل إن نفع المهدي (ع) الغائب في الأرض أقرب من نفع عيسى (ع) الغائب في السماء.
ولو سلّمنا بأنه لا فائدة للمهدي الآن في غيبته، فليس في ذلك محذور إذا كانت منفعته المدّخرة - وهي ملء الأرض قسطاً وعدلاً - مقطوعاً بها، كما أن عيسى (ع) لا محذور في عدم نفعه الآن إذا كانت له منفعة مدَّخرة مقطوع بها في آخر الزمان.
٣ـ أن الإمام (ع) ينتفع به الناس وإن كان غائباً، فغيبته لا تمنع من أن تكون له منافع مهمة وفوائد جليلة غير ما يتعلق بتبليغ الأحكام الشرعية، مثل رفع العذاب عن الناس، لأن الإمام من أهل البيت (ع) أمان لأهل الأرض من العذاب كما ورد في حديث جابر الأنصاري (رض) عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبتْ أتاها ما يوعدون، وأنا أمان لأصحابي ما كنتُ، فإذا ذهبتُ أتاهم ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون.(2)
ومع أن كل وظائف الإمام (ع) في زمان الغيبة لا نعلمها ولا نحيط بها، إلا أن كثيراً من الشيعة الذين وقعوا في مآزق وخطوب وبلايا، لقيهم الإمام (ع) فخلّصهم من محنهم، وأعانهم في شدَّتهم.
ولا أدري من أين حصل القطع للمخالفين بأن الإمام (ع) لا يصل إليه أحد من المسلمين، ولا ينتفع به أحد من المؤمنين، مع أن هذا أمر غير معلوم لهم، ولا سبيل إلى القطع به من قبلهم، ولا سيما أن الإمام (ع) منهم خاف واتقى، وبسببهم غاب واختفى، فلا يُتوقع ظهوره لهم والتقاؤه بهم، مع تمييزه بشخصه ومعرفته بوصفه.
٤ـ أن الإمام (ع) ليس بغائب عنّا، بل نحن لا نعرفه بشخصه، ولا نميِّزه عن غيره.
فقد روي عن عبد الله بن مسعود (رض) في أخبار ظهوره (ع)، أن القبائل يثور بعضها على بعض، فتقتتل ويُنهب الحاج، وتسيل الدماء على جمرة العقبة، ويأتي سبعة رجال علماء من آفاق شتى على غير ميعاد، وقد بايع لكل منهم ثلاثمائة وبضعة عشر، فيجتمعون بمكة، ويقول بعضهم لبعض: ما جاء بكم؟ فيقولون: جئنا في طلب هذا الرجل الذي ينبغي أن تهدأ على يديه الفتن ويُفتح له قسطنطينية، قد عرفناه باسمه واسم أبيه وأُمّه... فيتّفق السبعة على ذلك، فيطلبونه بمكّة، فيقولون: أنت فلان ابن فلان؟ فيقول: بل أنا رجل من الأنصار. فينفلت منهم، فيصفونه لأهل الخبرة به والمعرفة فيه، فيقولون: هو صاحبكم الذي تطلبونه وقد لحق بالمدينة. فيطلبونه بالمدينة، فيخالفهم إلى مكة... وهكذا إلى ثلاث مرات... ويأتي أولئك السبعة فيصيبونه بالثالثة بمكة عند الركن، ويقولون: إثمنا عليك، ودماؤنا في عنقك إن لم تمد يدك نبايعك... فيجلس بين الركن والمقام ويمد يده فيبايع.(3)
وقوله: (فيصفونه لأهل الخبرة به والمعرفة فيه) دال على أن هناك من يعرفه معرفة جيدة، وإن كان يجهل أنه هو المهدي المنتظر.
وقولهم: (هو صاحبكم الذي تطلبونه) دال على أنهم وجدوا فيه الصفات الفاضلة والمزايا العالية التي تؤهله لأن يكون مهدي هذه الأمّة، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، وهذه المعرفة لا تكون إلا مع طول المعاشرة وكثرة المخالطة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رسائل الشريف المرتضى ٢/٢٩٥.
(2) المستدرك على الصحيحين ٢/٤٨٦، ٣/٥١٧ قال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. المعجم الأوسط ٥/٣١٩.
(3) الفتن لنعيم بن حماد، ص ٢٤١. لوامع الأنوار البهية ٢/٨١. العرف الوردي المطبوع ضمن الحاوي للفتاوي ٢/٧٢. الإشاعة لأشراط الساعة، ص ٩٤.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة