البركات في عصر الظهور للإمام المهدي (عج)

, منذ 1 يوم 52 مشاهدة

نتيجة الإيمان والتّقوى الّتي سوف يتمتّع بها النّاس في عصر الظهور فإنّ الله (عزَّ وجلَّ) سينزل بركات السّماء والأرض عليهم؛ بحيث يمكنهم قطف أيّ نوع من الثّمار بإرادة البارئ (عزَّ وجلَّ)، وتكون تلك الثّمار - على أثر تشابه الظّروف المناخيّة للفصول الأربعة - غير مختصّة في فصل معيّن، لذا نرى وجود ثمار وفاكهة الصّيف في الشّتاء والعكس كذلك.

وعلى هذا الأساس فإنّ قضيّة البركة هي حقيقة كبيرة، وبفضلها يأخذ العالم طابعاً ويكتسي حلية جديدة، وتزول جميع المشاكل والمصائب المربوطة في عصر الغيبة المظلم(1)، وستنعّم البشريّة بالرّفاه والعطاء الوفير.

وهذا كلّه يحصل بسبب هيمنة التّقوى وسريانها في جميع مفاصل الحياة، وزوال عوامل الإسراف واختفاء المعاصي وتقسيم البركة الإلهيّة على الجميع من دون استثناء يذكر، ويذهب الفقر والعوز والحاجة بدون رجعة، وتصبح تلك الاُمور أثر بعد عين.

وكما قلنا ستبرز سمات ومعالم جديدة لهذا الكون، وتكون حالة الازدهار والتّطوّر هي السّمة الأبرز في جميع المجالات، وتظهر الطّاقات الكامنة في كلّ بقعة منه، وتزول حالات البؤس والمحروميّة، وتقطع من دابرها، وترفع عنه مكامن الضّعف والعجز والقهر، وإحلال محلّها عوامل القدرة والقوّة والهيمنة، وتزرع الابتسامة فيه على كلّ الشّفاه الذّابلات، ويعمّ الفرح والبهجة والسّرور كلّ القلوب الحيرانة، وتنتشر البركة في ربوعه بواسطة الملائكة الموكّلين في الأرض والسّماء.

إنّ من المفروض - وحسب النّظرة المادّية - أنّ كلّ الأشياء تحصل حسب قوانينها الطبيعة، فمثلاً فإنّ زراعة الحنطة تحصل عن طريق البذرة والماء والتّراب فقط، ولكن من وجهة نظر الشّخص الّذي يؤمن بالغيب والماورائيات، فإنّه يرى ويعتقد بأنّ إيجاد الأشياء وتكوينها لا ينحصر بالوسائل الطبيعيّة والعادّية، وإنّما من الممكن حصولها عن طريق الأمور غير الطبيعيّة كذلك.

صحيح أنّ الله (عزَّ وجلَّ) أجرى الاُمور على أساس أسبابها، ولكن لا يعني هذا انشغالنا وانغماسنا بالأسباب، وترك مسبّب كلّ هذه الأسباب، والاعتقاد أنّ جميع الأسباب الّتي أوجدها محصورة في دائرة الأمور الماديّة ونحن على معرفة وإطّلاع كاملة بها.

٣ - إنّ حالة الضّياع والتّيه ستزول عن الإنسانيّة ويتّجه الجميع صوب الهداية الإلهيّة. وهذا دليل واضح على عالميّة الإسلام الواقعي، والإيمان القوي والرّاسخ بالحكومة العالميّة للإمام بقيّة الله الأعظم أرواحنا لمقدمه الفداء.

وخلافاً لما يجري في عصرنا هذا، فإنّ البشريّة حينذاك ترى الحقائق كما هي، فترفع الحجب والغشاوة عن أبصارها، وتذعن إلى الأوامر والتّعاليم الّتي جاء بها الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعملاً باعتقادهم هذا، فإنّهم يضعون التّقوى نصب أعينهم في كلّ خطوة يريدون خطوها.

ومن الطّبيعي فإنّ التّعاليم والأحكام الصّادرة من قبل رسول الرّحمة محمّد المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا تهدي النّاس إلاّ إلى القرآن الكريم وإتّباع العترة الطّاهرة، وتحسب أنّ أجر تبليغ رسالات السّماء هي المودّة في قرابته (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

يقول الله في محكم كتابه: «قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ في الْقُرْبى»(2).

إنّ الإنسانيّة ستقطع شوطاً طويلاً في تكاملها العقلي، فلذا نراها تتقبّل كلّ ما صدر من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وانطلاقاً من ذلك سوف تنشأ المحبّة والمودّة لأهل بيته (عليهم السلام).

إنّ مودّة أهل البيت (عليهم السلام) معناها هو المحبّة الباطنيّة والظّاهريّة الباعثة على تقّرب الإنسان إليهم (عليهم السلام).

المودّة؛ قرابة مستفادة(3).

وعلى ضوء هذه الرّواية، فإنّ الإيمان والتّقوى العامّة للمجتمع تبرز وتظهر من خلال اللجوء إلى أهل بيت الوحي الرسالة (عليهم السلام) وكسب مودّتهم، وهم السرّ في فتح أبواب السّماء ونزول البركات الإلهيّة.

إذن؛ نستنتج من هذا: أنّ الاُمّة لو كانت قد أذعنت ومنذ بداية البعثة النّبويّة إلى أقوال الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأفعاله وأعماله، وتمسّكت بمقام الولاية لأهل بيته الكرام الأطهار (عليهم السلام)، لما حدثت وسادت حالة الظّلمة والظّلام الّتي جرت العالم إلى الضّياع والتّيه إطلاقاً، ولما كان البارئ (عزَّ وجلَّ) قد منع بركاته عنهم.

ولكن مع الأسف الشديد فقد خرجت اليد الظّالمة، وغرست في السّقيفة المشؤومة شجرة الخلافة الأبديّة الّتي كانت من ثمارها إيجاد الاختلاف والظّلم والجور، وإشعال فتيلهما، واستمرارهما إلى اليوم الّذي تظهر القدرة الإلهيّة قوّتها، وتخرج الإمام صاحب العصر والزمان (عجّل الله تعالى فرجه) إلى الوجود، فيقلع عناصر الظّلمة، ويحرق الشجرة السّرمديّة للخلافة، ويملأ الأرض من أقصاها إلى أقصاها عدلاً ورحمةً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إنّ واحدة من المعطيات والنّتائج المترتّبة على عدم وجود التّقوى في المجتمع، هي حالة الإسراف والبذخ الّتي من شأنها منع أو تقليل البركات الإلهيّة، ومع الأسف فإنّ هذه الحالة متفشيّة في جميع أنحاء العالم، وليس هناك أيّ حلّ لاستئصالها.

اُنظر إلى هذا الخبر والّذي أخذناه كصورة مصغّرة:

رئيس مركز التّحقيقات للصناعات الغذائيّة في إيران: مع رمي أكثر من ٢٠ مليون طن من المحصولات الغذائيّة، يكون سبباً في ضياع طعام أكثر من ١٥ مليون شخص.

معاون وزير التّجارة الإيراني: يهدر سنويّاً ما يقارب مليوني طن من الحنطة بقيمة ٣٠٠ مليون دولار (ما يعادل ٢٤٠٠ مليون تومان).

معاون التخطيط الإداري والمالي لمحافظة «كيلان» (إحدى محافظات إيران الشّماليّة): يرمى من الخبز سنويّاً ما يعادل ميزانيّة بناء ٨٠ مكتبة قرويّة في المحافظة.

ويتلف في كلّ سنة الفرد الإيراني ٥٠ كيلو غراماً من الخبز، في الوقت الّذي يكون هذا المقدار كافياً لسدّ الحاجة الغذائيّة لأكثر من دولة في العالم.

وهل تعلم أنّ الخبز الّذي يرمى يوميّاً في بلدنا يكفي لإشباع ١٥ مليون جائع؟! وهل تعلم أنّنا إذا استطعنا بالفعل من إيجاد نوع من التّوازن في تناول الخبز فهذا يغنينا من استيراد الحنطة وشراءها من الدّول الأجنبيّة؟! وهل تعلم أنّ إيران هي الدّولة الثّانية في العالم من ناحية تناولها الخبز والثالثة من ناحية الإسراف به؟! حيث تجمع بلديّة طهران العاصمة وحدها ما يقرّب يوميّاً ٨٥ طن منه. (الإحصائيّات تكشف: ٨٣)

(2) سورة الشّورى، الآية ٢٣.

(3) بحار الأنوار: ١٦٥/٧٤.

المصدر : دولة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ـ تأليف: السيّد مرتضى المجتهدي السيستاني.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0571 Seconds