يعتمد هذا الرأي ، في فهم أسباب تأخير الفرج وتأخير ظهور الإمام، الأسباب الموضوعية، وفي مقدمتها عدم وجود العدد الكافي من الأنصار من الناحية الكمية، وعدم وجود الكيفية المطلوبة في أنصار الإمام وشيعته من الناحية الكيفية. إنّ الثورة التي يقودها الإمام ثورة كونيه شاملة، يتولّى فيها المستضعفون والمحرومون الإمامة والقيمومة على المجتمع البشري: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الاَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)(1). يرثُ المستضعفون المؤمنون، في هذه المرحلة، ما كان يتداوله الطغاة في ما بينهم من السلطان والمال: (وَنَجْعَلَهُمْ أَئمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)، ويتم لهم السلطان على وجه الأرض (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الاَرْضِ)(2)، ويطهّر الإمام في هذه المرحلة الأرض كلّها من لوثة الشّرك والظلم (يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً)، ولا يبقى، كما في طائفة من الروايات، في المشارق والمغارب، أرض لا يؤدّى فيها لا إله إلاّ الله.
ومحور هذه الثورة الشاملة (التوحيد) و(العدل). ومثل هذه الثورة لابدّ لها من إعداد واسع، وتوطئة على مستوى عال من الناحيتين الكمية والكيفية، ومن دون هذا الإعداد وهذه التوطئة لا يمكن أن تتم هذه الثورة الشاملة، في سنن الله تعالى في التاريخ.
دور السُّنن الإلهية والإمداد الغيبي في الثورة
لا تتم الثورة، في مواجهة العُتاة والطغاة والأنظمة والمؤسسات الجاهلية الحاكمة والمتسلّطة على رقاب الناس، من دون إمداد غيبي وإسناد وتأييد من جانب الله بالتأكيد. والنصوص الإسلاميّة تؤكّد وجود هذا الإمداد الإلهي وتصف كيفيته.
إلاّ أنّ هذا المددّ الإلهي أحد طرفي هذه القضية والطرف الآخر هو دور السُّنن الإلهية في التاريخ والمجتمع في تحقيق هذه الثورة الكونية وتطويرها وإكمالها.
فإنّ هذه السُّنن لا تتبدّل ولا تتغيّر (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً)(3) ولا تعارض المدَدَ والإسناد الإلهيّين. وشأن هذه الثورة شأن دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى التوحيد، والحركة التي نهض بها (صلى الله عليه وآله) لتحقيق التوحيد في حياة الناس. فقد كانت هذه الحركة موضع الإمداد الإلهي الغيبي بالتأكيد. ونَصَرَ الله تعالى رسوله (صلى الله عليه وآله) بالملائكة المسوَّمين والمردفين والرياح، وجُند لم يروهم، ونَصَرهُ على أعدائه بالرُّعب، ولكنّ الله تعالى أمر رسوله (صلى الله عليه وآله) بأن يعد العدّة لهذه المعركة المصيرية: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة)(4).
وتمّت مراحل هذه المعركة بموجب سنن الله تعالى في التاريخ والمجتمع، ينتصر فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أعدائه حيناً وينتكس حيناً آخر، ويستخدم الجُند والمال والسلاح في هذه المعركة، ويُخطّط لها، ويفاجئ العدوّ بوسائل وأساليب جديدة للقتال، ويفاجئه في الزمان والمكان، ولا يعارض شيء من ذلك الإمداد الغيبي الإلهي لرسوله (صلى الله عليه وآله) الذي لا نشكّ فيه، وهما وجهان لقضية واحدة.
ولا تشذّ الثورة الكونية التي يقودها حفيده (عجّل الله فرجه) عن الدعوة والثورة التي قادها هو (صلى الله عليه وآله)، من قبل، بأمر من الله تعالى.
ومن جملة هذه السُّنن التي لابدّ منها، في هذه الثورة الكونية (الإعداد) و(التوطئة) قبل ظهور الإمام و(النصرة) و (الأنصار) حين ظهور الإمام (عليه السلام)، ومن دون هذا الإعداد والنصرة والتوطئة لا يمكن أن تتم ثورة بهذا الحجم الكبير في تاريخ الإنسان.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القصص: ٥.
(2) القصص: ٦.
(3) الأحزاب: ٦٢.
(4) الأنفال: ٦٠.
المصدر : الانتظار الموجّه (دراسة في علاقة الانتظار بالحركة وفي علاقة الحركة بالانتظار) ـ تأليف: الشيخ محمد مهدي الآصفي (رحمه الله).
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة