الشيخ محمد السند
لقد ورد في الحديث عن النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي يملؤها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما"[1].
فما معنى أن الإمام المهدي (عج) يملأها قسطاً وعدلاً؟
وهنا لابد أن نذكر أمرا اولاً وهو لنفس المعنى، فقد ورد عندنا في مستفيض الروايات ستكون بعد دولة صاحب العصـر والزمان عهد دابة الأرض، ودابة الأرض بنص القرآن الكريم:
(وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون[2])
فهي مرحلة من المراحل بعد دولة الامام المهدي، وبنصوص روايات الفريقين، وهي متواترة عند الطرفين[3].
وخصائص هذا العهد من دابة الأرض في روايات الفريقين - والذي هو من أبواب الرجعة - ان حكومته أعظم نوراً وهداية من دولة الظهور، مع انه في دولة الظهور يملأها قسطاً وعدلاً.
ومن هنا يتبين أن معنى يملأها قسطاً وعدلاً أن الملئ بقرينة جملة من السياقات القرآنية في موارد عديدة يراد به أنه اذا أصبحت دولة عظمى فإنها ستهيمن على دول وشعوب أخرى.
فإذا صار النظام العالمي بيد دولةٍ فإن تلك الهيمنة في الأرض هي ملئ لها، فإن كان الزمام بيد الخير فهو ملئ للخير، وان كان بيد دولة الشـر فهو ملئ للـشر، فمعنى الملئ بالدقة هو عبارة عن الهيمنة وليس ما يتبادر الى الذهن شبيه ملئ الكأس بالماء.
هذا هو المقصود من (بعدما ملأت ظلماً وجوراً) لا ان الخير غير موجود، فكيف يكون ذلك والله سبحانه وتعالى في محكم القرآن أخبرنا بأنه ستبقى في الأرض قواعد نور الى يوم القيامة:
في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال) وترفع يعني تعمر.
اذن من الثوابت ان هذا النور سيبقى الى يوم القيامة، إن مراقد اهل البيت (ع) نور في الأرض، ومع ذلك تُملأ الأرض ظلماً بمعنى الهيمنة، لأن الهيمنة لأولئك الظالمين.
ودولة الظهور التي سينشئها المهدي (عج) من نصيبها ان تكون دولة عظمى وهي صاحبة القول الفصل في الأرض، وليس هناك دولة تظاهيها قوة وهيمنة.
اذن من الخصائص المهمة في الدولة المهدوية انها دولة عظمى، مع ملاحظة امر مهم في تلك المسألة وهي ان النبي (ص) لم يبتدأ بحرب أبداً، وهكذا أمير المؤمنين (ع) من بعده "أكره أن أبداهم بحرب" فهم يحاورون الى ألف سنة ولا يبدأون بحرب! هذا هو منطق آل البيت سلام الله عليهم، بخلاف منطق الذين يتأرجحون بين التكفير والحكم بالردة، وحروب الردة وما الى ذلك :
( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيراً[4])
وهذا هو الفرق بين المنهجين.
نعم هو يصطدم مع المعتدي لكنه لا يبدأ بقتال، يعني دولة ردع، وهنا تكمن فلسفة القوة في القرآن الكريم وفي منطق اهل البيت (ع).
القوة في هذه الفلسفة ليست للعدوان والاكراه، بل هي فقط لردع من يعتدى وليست لردع المسالم، وهذا المنطق لا يستطيع تطبيقه الا اهل البيت عليهم السلام، فالمسالم أياً كان لا يعامل بالقوة أبداً.
أما هداية البشرية فهي على نفس الوتيرة المحمدية الأصيلة
(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين[5]) هذا هو منطق القرآن وعدله أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين.
[1] كمال الدين ص ٣١٧ باب،٣٠، ح ٤.
[2] النمل : 82.
[3] عن العامة رواها ابن أبي حاتم في تفسيره بسنده المتصل عن ابي هريرة قال "قال رسول الله صلى الله عليه (واله) وسلم تخرج دابة الأرض ومعها عصا موسى وخاتم سليمان ......"(تفسير ابن ابي حاتم، سورة النمل، مجلد11، ص203/ سنن ابن ماجة، ج2، ص1351، كتاب الفتن، باب دابة الأرض/ سنن الترمذي، ج5، ص21، ح3240....وآخرون).
[4] النور : 36.
[5] النساء: 94.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة