وهو من المحتوم الذي لابدّ منه، كما نصّت على ذلك الروايات، فلا يتخلّف ولا يتأخّر كما هو الحال في السفياني، ممّا يعني أنّ هناك خطّان متقابلان من المحتوم، أحدهما يمثّل الظلم والجور والفساد، وهو الخطّ الذي يمثّله السفياني الذي يكون خروجه من الشام، والآخر يمثّل خطّ الإصلاح والعدل والقسط، وهو الذي يمثّله اليماني الذي يكون خروجه من اليمن.
كما سيكون اليمن موطن اليماني، الذي منه ينطلق بحركته المباركة، معقلاً لهذه الحركة الإصلاحيّة، وذلك كون اليمن يتوفّر فيها مناخ خاصّ لتلقّي دعوة اليماني، فالزيديّة المغيّبة سيكون لها الأثر الواضح في احتواء هذه الحركة واحتضانها، فبذرة التشيّع سوف تترعرع وتنمو إلى ما فيه نضوج وتكامل حركة اليماني، فضلاً عن كون اليمن لها موقعها الاستراتيجي من حيث إحاطتها بدول جوارٍ يقطنها أكثريةٍ مستضعفة، ولرّبما تستغل حركة اليماني هذا التواجد من الطبقات المستضعفة لتشكّل قوّتها الضاربة.
و في خضمّ التحوّلات السياسيّة والحركات الثورية التي تشهدها المنطقة، فإنّ رايات ثلاث ستتزعّم هذه الحركات المهمّة، أي التي سيكون لها أدوار حاسمة في مستقبل الأحداث. أمّا راية السفياني فهي راية ظلم وجورٍ وضلال، والرايتان الاُخريتان فهما رايتا إصلاح، إلاّ أنّ إحداهما ستُرّجح على الاُخرى.
فراية الخراساني ستكون داعية إلى أئمّة الهدى عليهم السلام، وسترفع شعار التشيّع، إلاّ أنّها ترى أنّ الدعوة لنفسها سيحقّق هذا الطموح، وهو نصرة مذهب أهل البيت عليهم السلام، فراية الخراسانيّ تدعو لأهل البيت عليهم السلام عن طريق الدعوة لنفسها، أمّا راية الإصلاح الاُخرى فهي راية اليماني الذي سيدعو إلى الحقّ دون شائبةٍ تخالطها الدعوة؛ لذا دعى أئمّة أهل البيت عليهم السلام إلى متابعتها ونصرتها، بل تحريم خذلانها.
هذا ما يُفهم من الروايات حيث ترجيح راية اليماني دون غيرها مسألة تثير التساؤل حقّاً.
كما إنّ اليمن _ على حسب الروايات _ ستكون معقلاً ممتازاً للنجاة من كثيرٍ من الفتن، والظاهر أنّ التوصية باليمن كونها معقلاً لحركة الخير والإصلاح التي يتزعّمها اليماني، وكون اليماني، وكون اليماني سيتعهّد بحفظ شيعة أهل البيت عليهم السلام وحمايتهم من التحدّيات المحدقة بهم، فضلاً عن كون شيعة أهل البيت عليهم السلام سيشكّلون قوّةً مهمّة تدخل في تنظيم وحركة اليماني القادمة.
ثم إن حركة اليماني تبتلي _ حالها حال حركات الإصلاح _ بمن يدّعي الانتساب إليها، فالتاريخ يكشفُ عن وثيقةٍ مهمّة يتلبّس أحد دعاة الإصلاح بعنوان اليماني، وهو الملقّب بـ (طالب الحقّ)، إلاّ أنّ الإمام أبا عبد الله الصادق عليه السلام تصدّى لهذه المحاولة وأبطلها بعد أن سحب منها مشروعيّة الانتساب إلى حركة اليماني، كون اليماني هو ممّن يتولّى أهل البيت عليهم السلام في حين أن (طالب الحق) هذا هو من أعدائهم، فلم يكن هذا المدعي كذباً هو اليماني، كما أكده الإمام عليه السلام ، وهذا دليل على بطلان انتساب الحركات الباقية إلى عناوين إصلاحية وردت في التراث الشيعي، وكانت ضمن مفردات الثقافة المهدوية، وأنّ أهل البيت عليهم السلام يتمنّون على شيعتهم أن يعينونهم بورعهم وتقواهم وتعقّلهم والتروّي في قراءة الأحداث، وفهم علامات الظهور دون الانجراف خلف دعوة (طالب الحقّ) الذي ادّعى أنّه اليماني، ممّا دعى شيعتهم إلى الوقوف حياله موقف المكذّب، والتوقّف في تصديقه ومن ثمّ تأييده.
وكذلك فإنّ حركة اليماني ستُبتلى بتحرّشاتٍ دوليةٍ ومضايقات إقليميّة؛ لما للحركة من أهمّية قصوى في مستقبل الأحداث وأثرها على الخارطة السياسيّة، لذا فهي ستعاني تبعات التوازنات الدوليّة، وستلقى تهديداتٍ تحاول الإطاحة بها، إلاّ أنّ الظاهر ستكون لحركة اليماني سطوتها القاضية بإحباط أيّة محاولة من شأنها المساس بها أو بكيانها ومبدأها.
عاشراً: لا يمكننا البتّ باسم اليماني سوى الاحتمالات التي نملكها من الروايات التي بين أيدينا، ولعلّ ما ورد من هذه الأسماء، أمّا أسماءً حقيقيّة أو أسماءً حركيّة لا يمكن البتّ بها أو القطع فيها.
حادي عشر: ما ورد في أكثر فصول الكتاب هو قراءاتٌ لنصوص علامات الظهور واستقراء لأكثر دلائلها حتّى أنّها شكّلت لدينا رؤيةً معيّنةً وقناعاتٍ خاصّةٍ تكوّنت من خلالها توقّعاتٍ واحتمالاتٍ لا ندّعي أنّا قد قطعنا بها، بل أنّ القرائن التي توفّرت لدينا أمكنتنا من تكوين رؤية معيّنة تقدّم الصورة المتوقّعة لليماني ولحركته المباركة، وما ينبغي اتّخاذه في هذا المجال تبعاً للمعلومات التي توفّرت لدينا على أساس بيان مفردات ثقافة (علامات الظهور).
سائلين المولى تعالى أن يثبّت أقدامنا، ويجعلنا من الممهّدين ليوم الظهور.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة