يَطلب المنتظِر من الله تعالى إبلاغ السلام والتحيّة لإمام الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، في اثنتي عشرة فقرة:
١- اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلانَا الْإِمَامَ الْهَادِيَ الْمَهْدِيَّ الْقَائِمَ بِأَمْرِكَ:
إنّ للأشخاص العظماء والمشهورين أسماءً وألقاباً وكنىً مختلفة وواقعيّة، وكل واحد منها يعكس بعداً من أبعاد شخصيّتهم ووجودهم.
لذلك، عندما تُبيّن الأدعية والزيارات أسماءً وألقاباً متعدّدة للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، نستكشف منها أنّ الأبعاد الوجوديّة للإمام متعدّدة وذات حقيقة. وقد أُشير في هذه الفقرة إلى خمس خصائص للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، سنوضّحها في العناوين الآتية:
أ- المولى:
كلمة المولى مشتقّة من مادة (و-ل-ي). وهذه الكلمة هي من أكثر الكلمات استعمالاً في القرآن الكريم، بأشكال مختلفة.
والمعنى الأصليّ لهذه الكلمة هو المتولِّي للأمور، وسائر المعاني الأخرى التي تُذكر لهذه الكلمة تستفاد من القرينة.
والإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو "مولانا"، فله الولاية علينا، وهو المتولِّي لأمورنا.
عندما تُبيّن الأدعية والزيارات أسماءً وألقاباً متعدّدة للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، نستكشف منها أنّ الأبعاد الوجوديّة للإمام متعدّدة وذات حقيقة.
"الإمام" ليس هادياً فحسب، بل "إمام"، وليس متولّياً للأمور فحسب، بل "إمام"، ما يعني أنّ في عمله وعبادته، أكله وحربه، سكوته وكلامه، "درساً وأسوة".
ب- الإمام:
الله تعالى هو الذي جعل الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) إماماً. و"الإمام" ليس هادياً فحسب، بل "إمام"، وليس متولّياً للأمور فحسب، بل "إمام"، ما يعني أنّ في عمله وعبادته، أكله وحربه، سكوته وكلامه، "درساً وأسوة".
و"الإمام" هو التجسيد العينيّ للأقوال والنظريّات، وهو الذي يحوّل الأطروحات الذهنيّة للإسلام إلى حقائق خارجيّة، والتصوّرات إلى واقعيّات، والخيال إلى حقيقة، ويبيّن أنّ الإسلام ليس اسماً بلا مسمّى.
و"الإمام" بما يحمل من صفات وأفكار وأعمال هو دائماً "إمام"، في جميع الأوقات وبالنسبة إلى كلّ الأفراد، كما هي الحال في إبراهيم (عليه السلام) الذي لا زال حتّى الآن إماماً.
ما أجمل هذا التعبير! وما أحلى هذا المقام! وما أروع هذه الكلمة! "إمام". وهي كلمة جامعة وذات محتوى إلى درجة أنّ الكلمات الأخرى من قبيل: المعلّم، المرشد، الهادي، المبلّغ، الواعظ، ليس لها هذا المعنى، وهي تدلّ على التعليم والإرشاد، لا على الحركة والاتّباع، لكنّ "الإمام" هو الشخص الذي يسير ويكون مقدَّماً من الناحية العمليّة، والآخرون يتبعونه ويسيرون خلفه.
ج- الهادي:
الشخص الوحيد الذي تجري الهداية على يديه هو خاتم الأوصياء الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، يقول تعالى في سورة الرعد (الآية ٧): ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾.
وبما أنّ النبوّة قد خُتمت، فالله تعالى يُتمّ الحجّة على جميع خلقه، ولا يخلي الأرض من حجّة ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾. وقد جاء في التفاسير كـ"مجمع البيان" و"كنز الدقائق" حديث يبيّن أن المراد بالـ: ﴿هَادٍ﴾. هم الأئمّة المعصومون (عليهم السلام). وفي زماننا الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الهادي الوحيد للعالَم من قبل الله تعالى.
د- المهديّ:
أحد الألقاب المشهورة لإمام الزمان هو "المهديّ". وهو بمعنى صاحب الهداية ومن لديه الهداية. وفي الواقع هو التجلّي الواقعيّ لهداية الناس في أهمّ مقاطع التاريخ البشريّ. فالإمام هو الموصِل لجميع الناس إلى أوج الكمال والتعالي، والمُنجي لهم من الغرق في مهاوي الضلال والفساد.
جاء في الرواية: "إنّما سُمّي القائم مهديّاً لأنّه يهدي إلى أمر مضلول عنه..."(1). وعن الإمام الصادق (عليه السلام) -أيضاً- أنّه قال: "لأنّه يهدي إلى كلّ أمر خفيّ"(2).
وعليه، فالإمام الثاني عشر يمكنه هداية الجميع وإرشادهم للوصول إلى قمّة الحقيقة والإيمان، كما جاء في حديث عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال لعليّ (عليه السلام): "يا عليّ، لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يملك رجل من عترتك، يُقال له المهديّ، يهدي إلى الله (عزَّ وجلَّ)..."(3).
هـ- القائم:
أحد أهمّ ألقاب الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وأشهرها هو "القائم". وسُمّي بذلك لأنّه يقوم مقابل الانحرافات وأنواع الظلم الموجودة، السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، ويعمل ضدّ الظالمين والفاسدين. في هذه المدة الطويلة كلّها، الإمام جاهز للنهضة العالميّة، والقتال ضدّ الأعداء، وهو بشكل دائم في حال انتظار للقيام.
يجب أن يعلم المنتظرون، أنّ إحدى الآفات التي تلاحقهم هي الغفلة عن الإمام، ويحتمل أن تصل ببعض الأفراد المعتقدين بإمام الزمان، فيقعون في بلاء نسيان الحجّة الحيّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)
وفي رواية عن الإمام الجواد (عليه السلام) أنّه سئل: يا بن رسول الله، لم سمّي القائم؟ قال (عليه السلام): "لأنّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته"(4).
وعلى هذا الأساس، يجب أن يعلم المنتظرون، أنّ إحدى الآفات التي تلاحقهم هي الغفلة عن الإمام، ويحتمل أن تصل ببعض الأفراد المعتقدين بإمام الزمان، فيقعون في بلاء نسيان الحجّة الحيّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
٢- صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ:
من الوظائف والتكاليف المتعلّقة بالعباد تجاه الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، الصلاة عليه(5). وبالالتفات إلى الآية الكريمة: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾(6), يتضح:
أ- إنّ الله تعالى يصلّي على نبيّه. وهذه الصلوات التي هي جمع صلاة، عندما تُنسب إلى الله تعالى تأتي بمعنى إنزال الرحمة، وعندما تُنسب إلى الملائكة والمؤمنين تأتي بمعنى طلب الرحمة(7).
ب- من تعبير "يصلون"، الذي هو فعل مضارع دالّ على الاستمرار، يُفهم أنّ الله تعالى يصلّي عليه، وينزل رحمته عليه دائماً وبلا انقطاع(8).
ج- العلاقة بين الناس والقائد في الحكومة الإلهية هي الصلوات والسلام: العلاقة القلبيّة ليست كافية، بل من اللازم إظهارها، فالله تعالى يخاطب نبيَّه في كتابه: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾(٩).
وهذه الآية توصي الناس بأن يصلّوا على النبيّ. نعم، العلاقة في الإسلام بين الناس والقائد هي علاقة الصلوات والسلام، كما ورد في (الآية ٥٤) من سورة الأنعام من أنّ الله تعالى يأمر نبيّه بالسلام على من يأتيه: ﴿وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ﴾.
وعليه، فالصلوات الإلهية على الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بمعنى إرسال الرحمة والبركة الدائمة والمستمرّة.
وهذه الصلوات نجدها كثيراً في الأدعية:
ففي دعاء الافتتاح، نطلب من الله تعالى: "اللهمّ، وصلِّ على وليِّ أمرك القائم"، وفي دعاء عيد الفطر -أيضاً- ندعو: "اللهمَّ صلِّ على وليّك المنتظَر"، وفي صبيحة كلّ يوم جمعة، نسأل الله تعالى في دعاء الندبة: "اللهمَّ صلِّ على حجّتك ووليّ أمرك"، وفي دعاء الصلوات نقول أيضاً: "اللهمَّ صلِّ على وليّك وابن أوليائك"(10).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإرشاد، المفيد، ج ٢، ص٣٨٣.
(2) الغيبة، الطوسي، ص٤٧١, الغيبة، النعمانيّ، ص٢٣٧.
(3) دلائل الإمامة، الطبري الإماميّ، ص٤٦٩.
(4) كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، ص٣٧٨.
(5) مكيال المكارم، محمّد تقيّ الأصفهانيّ، ج ٢، ص٣٧٣، الوظيفة الإحدى والأربعون، وقد بيَّن في هذا المجال مطالب قيّمة.
(6) سورة الأحزاب، الآية: ٥٦.
(7) المفردات، الراغب الأصفهانيّ، مادة: "صل".
(8) راجع: تفسير الأمثل، ناصر مكارم الشيرازيّ، حيث ذكر بحثاً مفصّلاً في ذيل الآية الشريفة، أيضاً: الأنوار الساطعة، ج ٥، ص٥٢٧.
(9) سورة التوبة، الآية: ١٠٣.
(10) مصباح المتهجِّد، الطوسيّ، ص٤٥.
المصدر: المصدر: شرح دعاء العهد، الشيخ محسن قراءتي.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة