إنّ الشخصية العظيمة التي يتمتّع بها الإمام المهديّ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) نابعة من الأدوار العظيمة التي سيقوم بها حين ظهوره الشريف، وسنستعرض فيما يأتي جملة من الأبعاد الهامّة والخاصّة بشخصية الإمام المهديّ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف).
١- الإمام المهديّ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) خاتم الولاية
للإمام المهديّ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) أبعاد مختلفة ينكشف بعضها بما اتّضح للبشر من القرآن الكريم والنبيّ العظيم هو بعض أبعاد تلك المعنويات. ثمة معنويات في القرآن لم تكشف لبشر قط سوى النبيّ ومن تتلمذ عليه. وهناك أمور في أدعيتنا على هذا المنوال، فكما أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حاكم ومهيمن على كافة الموجودات فإنّ الإمام المهديّ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) كذلك، فذاك خاتم الأنبياء وهذا خاتم الأوصياء، ذاك خاتم الولاية العامة بالأصالة وهذا خاتم الولاية العامة بالتبع(1).
٢- الإمام المهديّ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) هو الإنسان الكامل
"قالت الملائكة: لِمَ تخلُق هذا المفسد: الإنسان؟ فقال: أنتم لا تعلمون. وبعدما علّم الأسماء لم يستطع أحد حملها إلّا الإنسان، ولم يحمل الأمانة إلّا الإنسان، وإذ علَّمه الأسماء ثمَّ عرضهم على الملائكة الذين اعترضوا على خلق الإنسان عجزوا جميعاً عن معرفتهم، كل الملائكة بقوا عاجزين أيضاً، الملائكة المقرّبون عاجزون أيضاً، وليس نحن، الإنسان، فنحن موجودون في مفترق طريقين، فأولئك الطيّبون منّا هم الذين لم يسلكوا الطريق المعوج وإلّا فهم في الطريق لنرى ما يصيرون إليه. وقال - تعالى - بعد تلك الآية: (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) ولعلّ المعنى هو اقرأ مع ربِّك، وهناك: (اقْرَأْ) (الَّذِي خَلَقَ) والحديث بهذا طويل طبعا.
وقوله - تعالى-: (خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ) أي: من هذا الماء خلق الله مثل هذه القوّة التي هي ذلك الإنسان الذي هو جميع العالم، ويقولون فيه: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) والعصر هو الإنسان الكامل، وهو صاحب الزَّمان - سلام الله عليه - فهو عصارة جميع الموجودات، والقسم بعصارة جميع الموجودات هو قسم بالإنسان الكامل.
وقوله - تبارك وتعالى -: (إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ) هذا الإنسان الذي هنا هو الإنسان برأس وأذنين، وندعوه نحن إنساناً، والخطاب لنا نحن الذين في مفترق طريقين هما طريق الإنسانية الذي هو الصراط المستقيم، أحد طرفي الصراط المستقيم في الطبيعة، والآخر عند الألوهيّة، فهو طريق يمتدّ من العلق، فبعضه طبيعيّ، وذلك المهمّ منه إراديّ، فمبدؤه من الطبيعة، ومنتهاه عند مقام الألوهية. والإنسان يبدأ من الطبيعة، ويمضي إلى حيث لا يصل وهمي ووهمك"(2).
٣- علم الإمام المهديّ (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)
"من الممكن أن هذا الشهر (شهر رمضان) إنّما صار مباركاً لأنَّ الوليّ الأعظم أعني رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قد وصل، وبعد وصوله نزل الملائكة والقرآن، وبقدرة الوليّ الأعظم ينزل القرآن والملائكة، والوليّ الأعظم يصل إلى حقيقة القرآن في هذا الشهر المبارك وفي ليلة القدر منه، وبعد وصوله يتنزّل القرآن بواسطة الملائكة بالمقدار الذي يخاطب به النّاس، فالقرآن ليس من مستوانا، ليس من مستوى البشر، والقرآن سرّ بين الحقّ والوليّ الأعظم الذي هو رسول الله وهو ينزل متتالياً حتّى يصل إلى الحدّ الذي يظهر فيه بصورة حروف وكلمات مكتوبة فيؤلّف كتاباً بحيث نستفيد منه نحن لكنّ استفادتنا غير تامّة، ولو أننا نعلم سرّ ليلة القدر وسرّ نزول الملائكة فيها وهو علم ينفرد به وليّ الله الأعظم حضرة صاحب الزَّمان (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) لسهلت كلّ مشاكلنا، فكلّ مشاكلنا ناشئة عن كوننا محجوبين عن مشاهدة الحقيقة كما هي ونظام الوجود كما هو.
إنّنا نتصوّر أنَّ الحياة هنا شيء وعدمها نقص، في حين أنَّ الحياة هي خلاصة تلك الحقيقة الآتية من عالم الغيب، وأنَّ الموت - إن كان موتاً إنسانياً - هو الرجوع إلى المرتبة الأولى، والمراتب والشؤون مختلفة بالطبع. إن كلَّ ما جاءَ به الأنبياء لم يكن مقصوداً بذاته، فتشكيل الحكومات ليس هدفاً مقصوداً بذاته للأنبياء، والدعوات مهما تكن مقدّسة فإنّما هي لإيقاظ الإنسان وتوعيته، وليفهموا الإنسان ويروه أنّه كيف كان قبلًا وما هو الآن، وكيف سيكون فيما بعد، وما هو وضع العالم بالنسبة للذات المقدسة للحق تعالى. وإن أيدينا لتقصر عن الوصول إليه، ونحن نأمل ببركة أولياء الله أن نحصل على بعض هذه المعرفة لتنزاح بعض الحجب عن أعيننا بحيث إننا عندما يقول الله تعالى: (اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، و(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ)، ندرك ذلك بقلبنا ووجودنا لا بالإدراك العلميّ، بل بالمشاهدة لأنَّ الإدراك العلميّ أمر سهل، لكنّ وصول الإنسان إلى فهم الأمور أمر صعب ويحتاج إلى المجاهدة، وقد وصل الأنبياء والأولياء بمجاهداتهم إلى هذه الأمور"(3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صحيفة الإمام، ج٢٠، ص٢٠٥.
(2) صحيفة الإمام، ج٨، ص٢٥٣.
(3) صحيفة الإمام ج١٩، ص٢٥٣.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة