هل يمكننا الإلتقاء بالإمام المهدي (عج) في زمن الغيبة ؟

, منذ 8 شهر 494 مشاهدة

لقاء الإمام هو لقاء الله لأنَّ الإمام مظهر لله، فلقاء الإمام يعني لقاء الله عز وجل.

وهو لقاء الفناء لا لقاء الارتباط كما يعبَّر عنه في مصطلح علم الفلسفة، إذ هناك فرق بين العلاقة الارتباطية والعلاقة الفنائية، ولتقريب الفكرة نضرب مثلاً: إذا وضعت عسلاً في كأس حليب، فالحليب مع العسل يسمّى (علاقة ارتباطية) إذ ما زلت عندما تشرب الحليب تشعر أنَّ هناك حليباً وأنَّ هناك عسلاً، يعني هناك وجودان ارتبط أحدهما بالآخر.

بينما إذا صهر الذهب مع معدن آخر وأصبح مادة واحدة فهذه تسمّى علاقة فنائية، لأنَّك لا تشعر بأنَّ هناك شيئين، بل مادة واحدة، بينما علاقة الامتزاج بين الحليب والعسل علاقة ارتباطية لا فنائية، هذا بلحاظ الوجود الخارجي وكذلك بلحاظ الوجود الذهني ويحصل بالتأمّل في علاقة الاسم بالمسمّى، مثلاً: إذا جيء لي بولد وأسميته ضرغام، فعندما يقول لي واحد من الناس: ضرغام، لا يتبادر ذهني إلى الولد لأنّي لم أتعوَّد على ذلك، فأشعر بأنَّ هناك وجودين وجود للولد وهو ابني ووجود للحروف، ضاد وراء وغين وألف وميم.

لكن إذا مرَّت الأيّام واعتدت على الاسم فبمجرَّد أن يقال لي: ضرغام، ينتقل ذهني إلى ولدي ولا أشعر بالحروف أبداً، وهذه تسمّى (علاقة فنائية) فناء الاسم في المسمّى، فالعلاقة بين الاسم وبين المسمّى في أوّل أيّام الولادة كانت ارتباطية ربط الاسم بالمسمّى، لكن بمرور الوقت تحوَّلت العلاقة من علاقة ارتباطية إلى علاقة فنائية، ولا تشعر بالاسم أبداً.

وهكذا لقاؤنا مع الله يجب أن يكون لقاء فناء بحيث نشعر أن ليس هناك وجودان وجود لنا ووجود لله، ولا نشعر إلاَّ بوجود الله، هذا ما يسمّى بالعلاقة الفنائية، واللقاء الفنائي أن يصل الإنسان إلى حدّ الإحساس بحضور الله، فالقرآن الكريم يعبّر عن العلاقة الفنائية عندما يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (الفتح: ١٠)، حيث يشعر الإنسان أنَّ يد الله تلامس يده، ويقول تعالى: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) (التوبة: ١٠٤)، بحيث نصل إلى الشعور بأنَّ الله هو الذي يأخذ صدقاتنا منّا، وقال تعالى في آية ثالثة: (لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) (الحجّ: ٣٧).

فالمطلوب في لقائنا مع الله أن يكون لقاء الفناء أي أن لا نشعر بأنفسنا، بل لا نشعر إلاَّ بوجود الله، وهذا ما تحدَّث عنه الإمام الحسين عليه السلام في دعاء يوم عرفة: (مَتَى غِبْتَ حَتَّى تَحْتَاجَ إِلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ، وَمَتَى بَعُدْتَ حَتَّى تَكُونَ الآثَارُ هِيَ الَّتِي تُوصِلُ إِلَيْكَ، عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَرَاكَ عَلَيْهَا رَقِيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبَّكَ نَصِيباً).

هل يريد الإمام عليه السلام لقاءنا؟

إنَّ علماء العرفان يقولون: هناك فرق بين لقاء الأنس ولقاء التشريف، والفرق بينهما هو أنَّ لقاء التشريف بمعنى أن يمنَّ عليَّ الإمام عليه السلام ويريني طلعته الرشيدة وغرَّته الحميدة كما جاء في الدعاء: (اللَّهُمَّ أرِني الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ، وَالْغُرَّةَ الْحَمِيدَةَ، وَاكْحُلْ نَاظِري بِنَظْرَةٍ مِنّي إِلَيْهِ، وَعَجَّلْ فَرَجَهُ).

لكن الإمام لا يريد ذلك، بل الإمام يريد لقاء الأنس، وكيف يلتقي بنا الإمام لقاء الأنس إذا لم نكن أهلاً لإيناس الإمام، ولم نكن أهلاً لتفريح قلب الإمام، إذن الإمام يريد شيئاً ونحن نريد شيئاً، نحن نريد أن نبقى على ذنوبنا ومعاصينا وعلى الإمام أن يشرّفنا بلقائه ويكرمنا بطلعته والإمام ينادينا: أنا لا أريد هذا اللقاء، أريد لقاء الأنس أريد أن التقي بكم وأنا فرح بكم، مبتهج بكم، والفرح والبهجة والأنس تتوقَّف على أن ننصهر بالإمام وأن تكون علاقتنا بالإمام علاقة فنائية لا ارتباطية حتَّى يكون لقاؤنا مع الإمام لقاء الأنس، وإلاَّ فالإمام يتفضَّل علينا باللقاء وهو كريم لكنَّه يريد أن يكرمنا بلقاء يعبّر عنه بلقاء الأنس، فما نطلبه نحن غير ما يطلبه الإمام منّا.

ـــــــــــــــــــــــــــ

السيد منير الخباز

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0767 Seconds