الشيخ حسين الأسدي
هو يعيش معنا، في وجداننا، وشعورنا، وأحاسيسنا...
هو ليس غائباً عن قلوبنا...
هو حاضر في جميع مفاصل حياتنا...
هكذا ينبغي أن نكون مع مَنْ لولاه لساخت بنا الأرض...
وهكذا ينبغي أن نتحرّى مواضع رضاه... ومواطن القرب منه...
أما كيف ذلك؟
فهذه برقيات سريعة، ترسم طريق الولاء... والحب... والوصول...
علينا أن نعيش حياتنا مستشعرين المراقبة الذاتية الإلهية أوَّلاً والمعصومية ثانياً، وأن نُرتِّب أثراً على هذه المراقبة يتلخَّص بالابتعاد عمَّا حرَّمه الله تعالى، والعمل على تحصيل رضاه من خلال ما رسمه لنا أهل البيت (عليهم السلام)، وهو معنى ما ورد عنه (عجّل الله فرجه):
فليعمل كلُّ امرئ منكم بما يقرب به من محبَّتنا، ويتجنَّب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإنَّ أمرنا بغتة فجاءة حين لا تنفعه توبة، ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة. [الاحتجاج للطبرسي ٢: ٣٢٣ و٣٢٤]
الانتظار: إيمان بأُصول الدين، وعمل بفروع الدين، والتزام بمكارم الأخلاق، وتهيئة عملية للظهور، ومشاركة عملية في التغيير - على مستوى النفس أو على مستوى المجتمع -.
عن جابر [الجعفي]، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنَّه قال:
«يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إنَّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم البارئ (عزَّ وجلَّ) فيقول:
عبادي وإمائي! آمنتم بسرّي وصدَّقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب منّي، فأنتم عبادي وإمائي حقّاً منكم أتقبَّل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث وأدفع عنهم البلاء، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي...». [كمال الدين للصدوق: ٣٣٠/ باب ٣٢/ ح١٥]
إنَّ البعض لا يذكر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إلّا في يوم ولادته (عجّل الله فرجه).
والبعض لا يذكره إلّا إذا دهته نائبة من الدهر أو اشتدَّت به الريح في يوم عاصف.
وثالث ذاكر له، لكن عطف الأيّام عليه وسكون الليالي عنه تلهيه عن ذكره.
ورابع متألّم على فراقه، لكنَّه لا يخطو خطوة واحدة نحو الوصال.
وهناك من أحرق غياب الإمام قلبه، وأقلق مضجعه، ونفى رقاده، فهام قلبه في عشقه يبحث في أرجاء السماء وأقطار الأرض عن موضع لمولاه، فلا انقطع حنينه، ولا سكن أنينه، ولا يقرُّ له قرار إلّا برؤية طلعة مولاه البهيَّة، ولطالما ردَّد قلبه بهدوء يكاد لا يسمع همسه: (لَيْتَ شِعْرِي أيْنَ اسْتَقَرَّتْ بِكَ النَّوى، بَلْ أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّكَ أَوْ ثَرى؟! أَبِرَضْوى أَوْ غَيْرِها أَمْ ذِي طُوى؟! عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَرى الخَلْقَ وَلا تُرى، وَلا أَسْمَعُ لَكَ حَسِيساً وَلا نَجْوى، عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ تُحِيطَ بِكَ دُونِيَ البَلْوى، وَلا يَنالُكَ مِنِّي ضَجِيجٌ وَلا شَكْوى...).
كن مهدوياً في قولك وفعلك واهتمامك، فردِّد الأدعية المهدوية أمام عائلتك، واقرأ بعض الروايات المهدوية، وليرَ وليستمع أبناؤك منك ذلك، فتأثير التربية بالفعل أقوى بكثير من التربية بالقول. على ما رسمه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله:
«مَنْ نَصَبَ نَفْسَه لِلنَّاسِ إِمَاماً فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِه قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِه، وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُه بِسِيرَتِه قَبْلَ تَأْدِيبِه بِلِسَانِه، وَمُعَلِّمُ نَفْسِه وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالإِجْلَالِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِمْ». [نهج البلاغة: ٤٨٠/ ح٧٣]
اقتن مكتبة مهدوية، تضمُّ كتباً متفاوتة من حيث التخصّص وأُسلوب طرح المعلومة المهدوية، وليكن فيها أفلام أنتجت لغرض زيادة المعرفة المهدوية، خصوصاً تلك التي تناغم أحاسيس الأطفال وتتناسب مع إدراكهم.
وكذلك القصص المهدوية المصوَّرة والهادفة.
أقم مسابقات مهدوية فيما بين أطفالك، تتضمَّن طرح أسئلة، أو قراءة قصَّة وإعادة إلقائها أمامك، وما شابه ذلك، ولتكن الهدايا والجوائز متناغمة مع رغباتهم ونفسياتهم.
اصطحب عائلتك معك في سفرات ترفيهية دينية، للمعالم التي لها ارتباط بقضيَّة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، كمسجدي الكوفة والسهلة، ومراقد الأئمَّة (عليهم السلام)، والمقامات المنسوبة للإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وإن أمكن اصطحابهم لبيت الله الحرام وتذكيرهم بالمكان الذي سيظهر فيه الإمام (عجّل الله فرجه) أوَّل ما يظهر.
ولنتذكَّر دوماً.. أنَّ أبناءنا غنيمة ومسؤولية.
على الممهِّد أن يجعل من أولوياته المهمَّة زيادة معارفه المهدوية يوماً بعد يوم، ولو بنسبة (١%) من وقته.
فإنَّ القضيَّة المهدوية من أهمّ القضايا المصيرية، ومن أكثرها إثارات وخلافات اليوم، ممَّا يعني أنَّ زيادة المعرفة في هذا الجانب له دخل في تثبيت إيمان الممهِّد، وتقويته بالعلم المأخوذ من مصادره المعتبرة.
على المرأة المهدوية أن تستغلَّ أوقات تواجدها مع نظيراتها بإثارة القضايا ذات الصلة بالقضيَّة المهدوية خصوصاً، والإسلاميَّة والإنسانية عموماً، من أجل توسعة رقعة التأثير المهدوي في البيت، وفي دائرة العمل الوظيفي، وعند اجتماع الأحباب، وفي كلِّ حالٍ.
إنَّ المرأة تنطلق للتمهيد للظهور المهدوي من مملكة بيتها، وعرش عفَّتها، وحصون أدبها، لترسم لوحة زاهية الألوان، تملؤها العاطفة والحنان، تغمر بهما بيتها، وأهلها، ومعارفها، لتُؤطِّر عملها بأريج الحبِّ المهدوي، ونسمات العشق العلوي، ونفحات العفَّة الفاطمية.
من المهم لنا كمنتظرين، أن نعمل على تحصيل رضا الله تعالى من خلال تحصيل رضا أهل البيت (عليهم السلام)، فالهدف إذن هو رضا الله تعالى ورضا أهل البيت (عليهم السلام)، ورؤيتهم سعادة ما مثلها سعادة إن حصلت.
أنَّ الإحساس بحضور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) واستشعاره رغم غيبته يُولِّد في النفوس أملاً يزيح عنّا ظلام الدروب، وحافزاً لتحمّل ما يمرُّ علينا من صعاب، ودافعاً لتهيئة الأرضية المناسبة لظهوره بالعمل على التمهيد لذلك من خلال الالتزام بالنظام العامّ للإسلام على مستوياته المختلفة: العقائدية والفقهية والسلوكية الأخلاقية.
فحضوره معنا يقول لنا: لا تحزنوا، ولا تهنوا، فأنتم تحت المراقبة، وفي محطِّ النظر، وتحت دائرة الدعاء.
ليكن معلوماً: أن الاقتداء بإمامك الغائب (عجّل الله فرجه) لا يتوقَّف على اللقاء المباشر به، فيكفي أن نعرف صفات القدوة ونُطبِّقها على سلوكنا، فإنَّ لنا أُسوة برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) رغم أنَّنا لم نرَه، ولم نجد إلّا حبراً على ورق.
وقد روي أنَّه قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
(... إلّا إنَّ أعجب الخلق إليَّ إيماناً لقوم يكونون من بعدكم يجدون صحفاً فيها كتاب يؤمنون بما فيها).
لا ينبغي أن يكون الهدف الأساسي لأعمال المؤمن هو لقاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فقط، فإنَّ لقاءه إنَّما هو طريق لتحصيل رضا الله تعالى ورضاهم (عليهم السلام)، فالمهمُّ إذن، هو أن نعمل بما يرضيهم، وأمَّا مسألة اللقاء، فإن حصلت فهي السعادة كلُّ السعادة بأن يُكحِل أحدنا ناظريه برؤية صاحب الطلعة البهيَّة حجَّة الله على الأرض.
وإن لم تحصل، فلا بدَّ أن يكون ذلك لحكمة يعلمها الله تعالى ورسوله وإمام الزمان، وليس أمامنا آنذاك إلّا التسليم.
كلَّما زادت معارف الإنسان، كلَّما انفتحت أمامه آفاق السماء وأقطار الأرض، ولكن هذه الفتوحات لا تعني أبداً ضرورة مصاحبتها للتمسّك بالغيب وتوطيد العلاقة بالسماء، كلَّا، فلعلَّ التقدّم التكنولوجي يقف حائلاً أمام التواصل الغيبي، ليترك جفافاً روحياً يعيش المرء معه ضنك الحياة، والانكماش على الذات، وعدم قبول الآخر.
وهذا يُمثِّل جاهلية جهلاء من شأنها أن تقف أمام حركات الإصلاح المخلصة، وهذا ما ربَّما يكون سبباً لمعارضة البعض لحركة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) التغييرية.
إنَّ من المقرَّر قرآنياً وروائياً أنَّ هناك مرتبتين للإيمان:
الإسلام، وهي مرتبة الإيمان الظاهري.
والإيمان، وهي مرتبة العقد القلبي الذي لا يتزلزل أبداً، قال تعالى: ﴿قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾. [الحجرات: ١٤]
ومن لا يعرف إمام زمانه يكون في المرتبة الأُولى، ولم يترقَّ في مدارج الإيمان القلبي.
إنَّ الإسلام لا يكون إلّا كما يريده الله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ﴾ [آل عمران: ١٩]، ومسألة الإمامة تُعتَبر مسألة أُصولية محورية فيه، ومن لا يعرف إمام زمانه فإنَّه يكون ضالّاً عن السبيل الأقوم.
موقع ديني مختص في مسائل الإمام المهدي (عج) تابع لشعبة البحوث والدراسات - ق. الشؤون الدينية - الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة