3 أسباب محتملة هي سبب غيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

, منذ 10 شهر 504 مشاهدة

إنَّ غيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) عن الأنظار وعدم خروجه وتصدّيه لقيادة الأمّة الإسلاميّة والإضطلاع بمهام الإمامة، يشكّل تحدّياً كبيراً للقائلين بوجوده، ولذلك كان عليهم أن يفسّروا سرّ الغيبة.

وقد قدَّموا عدّة نظريات في تفسير ظاهرة الغيبة المحيّرة، وهي كما يلي:

١ ـ نظرية الحكمة المجهولة:

وقد مال الشيخ الصدوق إلى هذه النظرية في: (إكمال الدين) وحتَّم وجود حكمة في غيبة الإمام، انطلاقاً من آثار حكمة الله في حججه المتقدّمين، وقال: إنَّ إيماننا بعصمة الإمام المهدي يقتضي منّا التسليم بوجود حكمة وراء غيبته.

وقد نفى السيّد المرتضى علم الهدى ضرورة معرفة سبب الغيبة على وجه التعيين، وكفاية علم الجملة بوجود سبب ما للغيبة، مع الإيمان بعصمة الإمام، واعتبر العلم في ذلك كالعلم بمراد الله من الآيات المتشابهات في القرآن الكريم.

وهكذا قال الشيخ الطوسي بضرورة افتراض سبب لغيبة (صاحب الزمان) واستتاره، والقول بوجود حكمة مسوّغة وإن لم نعلمها مفصّلاً، كما يتمّ افتراض أسباب وحكم لخلق الله عز وجل للبهائم والمؤذيات والصور القبيحة وإيلام الأطفال، وإن لم نعلم وجه حكمتها بالتفصيل، وقال: إذا علمنا إمامته بدليل وعلمنا عصمته بدليل آخر وعلمناه غاب حملنا غيبته على وجه يطابق عصمته، فلا فرق بين الموضعين.

وقال الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء في (أصل الشيعة وأصولها): إنَّ السؤال عن الحكمة ساقط إذا قامت البراهين على وجوب وجود الإمام في كلّ عصر، وإنَّ الأرض لا تخلو من حجّة، وإنَّ وجوده لطف وتصرّفه لطف آخر، واعتبر المقام أدقّ وأغمض من ذلك، كما اعترف بجهل الحكمة وعدم الوصول إلى حاقّ المصلحة.

٢ ـ نظرية التمحيص:

وهناك نظرية أخرى في تفسير (غيبة الإمام) هي نظرية (التمحيص) أي تمحيص الشيعة وتمييزهم وغربلتهم، من أجل التعرّف على حقيقة إيمانهم بالمهدي وصبرهم على البلاء.

وقد روى الصدوق والطوسي روايات عديدة في هذا المضمون عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام، ويتحدَّث بعض تلك الروايات عن عدم ظهور صاحب الأمر إلاَّ بعد ذهاب ثلثي الناس، وعدم بقاء أحد إلاَّ القليل، وعن غربلة الشيعة كما يغربل الزوان من القمح.

وتقول رواية منها: إنَّه لا بدَّ لصاحب هذا الأمر من غيبة يغيبها، حتَّى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنَّما هي محنة من الله امتحن بها خلقه، وإنَّ عقولكم تصغر عن هذا الأمر وأحلامكم عن حمله، ولكن إن تعيشوا تدركوه.

وتشبّه رواية أخرى منها غيبة الإمام المهدي بإبطاء العقوبة التي استنزلها نوح من السماء، حتَّى أخذت طوائف من المؤمنين به ترتدّ طائفة بعد أخرى.. وكذلك القائم فإنَّه تمتدّ أيّام غيبته؛ ليصرح الحقّ عن محضه ويصفو من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يُخشى عليهم النفاق، إذا أحسّوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم.

ولكن لم يأخذ بهذه النظرية سوى الصدوق، وقد أهملها المفيد والمرتضى والطوسي. وإن كانوا قد ذكروا بعض الروايات المتضمّنة لها، وفسَّر الطوسي تلك الروايات الواردة حول امتحان الشيعة في حال الغيبة بأنَّها تعني اتّفاق ذلك في أثنائها لا أنَّه سبب لها.

٣ ـ نظرية الخوف:

وهذه أقوى نظرية في تفسير سبب الغيبة، وقد روى الكليني في (الكافي) والصدوق في (إكمال الدين) مجموعة روايات عن الإمام الصادق عليه السلام تشير إلى أنَّ سبب الغيبة هو الخوف على الحياة والتقيّة.

وقال الشيخ المفيد في (الإرشاد): خلف الحسن ابنه المنتظر لدولة الحقّ وكان قد أخفى مولده، وستر أمره لصعوبة الوقت وشدّة طلب سلطان الزمان له واجتهاده في البحث عن أمره، وما شاع من مذهب الإمامية فيه وعرف من انتظارهم له، فلم يظهر ولده في حياته ولا عرفه الجمهور بعد وفاته.

واعتبر المفيد أنَّ الظروف المحيطة بغيبة (الإمام المهدي) أصعب بكثير من الظروف التي أحاطت بالأئمّة السابقين من أهل البيت، الذين لم يختفوا عن الأنظار، وكانوا يتحصَّنون بالتقيّة، وأنَّ سلاطين الزمان كانوا يعلمون قيام المهدي بالسيف؛ ولذلك كانوا أحرص على ملاحقته واستيصال شأفته، وأنَّ السبب الذي كان يمنعه من الخروج هو قلّة الأعوان والأنصار.

وأكَّد السيّد المرتضى في (الشافي): إنَّ سبب غيبته إخافة الظالمين له ومنعهم يده عن التصرّف فيما جعل إليه التدبير والتصرّف فيه، فإذا حيل بينه وبين مراده سقط عنه فرض القيام بالإمامة (١)، وإذا خاف على نفسه وجبت غيبته ولزم استتاره.

وقال الكراجكي في (كنز الفوائد): إنَّ السبب في غيبة الإمام إخافة الظالمين له وطلبهم بسفك دمه وإعلام الله أنَّه متى أبدى شخصه لهم قتلوه، ومتى قدروا عليه أهلكوه، وإنَّما يلزمه القيام بواجباته بشرط التمكّن والقدرة وعدم المنع والحيلولة وإزالة المخافة على النفس والمهجة، فمتى لم يكن ذلك فالتقيّة واجبة، والغيبة عند الأسباب الملجئة إليها لازمة؛ لأنَّ التحرّر من المضار واجب عقلاً وسمعاً.

وحصر الطوسي أسباب الغيبة في الخوف، وقال: لا علّة تمنع من ظهوره عليه السلام إلاَّ خوفه على نفسه من القتل؛ لأنَّه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار، وكان يتحمَّل المشاق والأذى، فإنَّ منازل الأئمّة وكذلك الأنبياء عليهم السلام إنَّما تعظم منزلتهم لتحمّلهم المشاق العظيمة في ذات الله.

ولكن لماذا يخاف الإمام (محمّد بن الحسن) على نفسه من القتل، وقد خرج الإمام الحسين وضحّى بنفسه في كربلاء؟

إنَّ السيّد المرتضى والشيخ الطوسي والكراجكي يجيبون على ذلك بالقول: إنَّ أحداً من البشر لا يقوم مقام الإمام المهدي؛ لأنَّه آخر الأئمّة؛ ولأنَّ مصلحة المكلّفين مقصورة عليه!

وهذا الجواب يفترض عدّة أمور هي:

١ ـ تحديد مهدوية الإمام الثاني عشر من قبل الأئمّة السابقين، والإشارة إليه من قبل.

٢ ـ وجود أزمة سياسية وعداوة وخوف لدى السلطات العبّاسية من المهدي، ووجود خوف شديد وأعظم لدى الإمام من المخاوف التي كانت في عصور الأئمّة السابقين في ظلّ الحكام الأمويين والعبّاسيين.

٣ ـ خاتمية الإمام الثاني عشر للأئمّة وانحصار الإمامة فيه.

٤ ـ تحريم التقيّة للمهدي قبل قيامه وظهوره.

فإذا قلنا: إنَّ الأئمّة السابقين لم يحدّدوا هوية المهدي من قبل، فلا حاجة له للغيبة منذ ولادته. وإذا ثبت أنَّ العلاقة بين أهل البيت والعبّاسيين في تلك الفترة كانت طبيعية وإيجابية ولا يوجد فيها ضغط أو توتّر سياسي، فلا حاجة أيضاً إلى الغيبة. وإذا قلنا: إنَّ الإمام الثاني عشر هو واحد من الأئمّة وليس آخرهم _ كما كان الإماميون يعتقدون في البداية وحتَّى نهاية القرن الثالث _، فلا توجد ضرورة للغيبة؛ لأنَّ الأئمّة السابقين كانوا جميعاً معرضين للقتل ولم يغيبوا. وإذا قلنا: إنَّ الإمام الثاني عشر (المهدي) يجوز له استخدام التقيّة كسائر الأئمّة فرضاً، فإنَّه كان بمقدوره أن ينفي هويته ومهدويته إلى أن يظهر، ولم يكن بحاجة إلى الغيبة منذ ولادته (2).

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(١) ليس في تعبير المرتضى سقوط الإمامة، وإنَّما الذي في العبارة سقوط وظيفة تشكيل الحكم في الظاهر.

(2) وهذا هو معنى الغيبة الذي نعتقده من أنَّه حيّ حاضر بيننا، إلاَّ أنَّه نجهل هويته، وبمفاد هذا روي أنَّه عند ظهوره يقول كلّ الناس: إنَّ هذا الذي قد رأيناه من قبل ولم نعرف أنَّه المهدي.

المصدر : متاهات في مدينة الضباب ـ حوار مع أحمد الكاتب حول الإمام المهدي عليه السلام

المحاورون: سماحة الشيخ محمّد السند وسماحة الشيخ علي الكوراني

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0539 Seconds