هل الإمام المهدي (عج) هو من إختار الغيبة أو فُرضت عليه ؟

, منذ 2 سنة 491 مشاهدة

السيد منير الخباز
ورد عن النبي المصطفى  (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ”لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظُلماً وجورا“.

القضيةُ المهدوية من معتقدات الإمامية قد تُثار حولها بعض الأسئلة وبعض الشُبهات التي تحتاج إلى أن نقف عندها ونتأمل في الإجابة عليها، ونطرحُ هنا ثلاثة أسئلة تتعلق بهذه القضية المهمة في مُعتقد الإمامية ألا وهي ظهور المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

السؤال الأول: أن بقاء الإمام  هذا العُمر الطويل إما أن يكون أمراً طبيعياً وإما أن يكون أمراً إعجازياً، فإن كان طول عُمره أمراً طبيعياً فهذا يتنافى مع ما قررهُ كثيرٌ مِن العُلماء أن خلايا البدن لا تصمت لألف سنة فأكثر بل تعرضها الشيخوخة فإن لهذه الخلايا عُمراً إفتراضياً معيناً تعرضه الشيخوخة والهرم وبالتالي لا تقدر هذه الخلايا على الصموت والإستمرار في العطاء والإنتاج، فلو قلنا بأن طول عُمر الإمام  أمر طبيعي فيتنافى مع هذا الطرح وهو أن الخلايا لها عمر معين. 
وإذا قلنا بأن طول عمر الإمام أمر إعجازي أي أن الله تبارك وتعالى أبقاه على سبيل الإعجاز وخرق النواميس الطبيعية هذا العمر الطويل، إذن فليُبقه ظاهراً لماذا يُبقيه غائباً إذا كان الأمر أمراً إعجازياً فكما شاء الإعجاز أن يُطيل عُمره أكثر من ألف سنه فليشأ الإعجاز أن يُظهره للناس ويجعله بينهم من حيث لا يصله سوء ولا ضرر ولا خطر، فإما أن تقولوا أيها الإمامية أن المسألة طبيعية فإذن لا يستطيع أن يعيش ألف سنه خلاياه تهرم وتُصاب بالشيخوخة. 
أو تقولوا المسألة إعجازية إذاً فليظهر بين الناس وليعيش واضحاً معروفاً بين الناس وتتدخل يد الإعجاز في حفظه ودفع ظلم الظالمين وجور الجائرين على حياته . فإذاً الجمع بين الأمرين لا يلتقي مع المنظور الطبيعي والمنظور الإعجازي. 
ما هو الجواب عن هذه الفكرة المطروحة؟

الشق الأول: نعم طول عُمر الإمام قضيه طبيعية وليست إعجازية، بقاءُ الإمام هذا العمر الطويل أمرٌ طبيعي وفق العلم وليس إعجازياً، إلى الآن ما إستطاع الطب أن يُقرر عمراً محدداً بأن الخلايا تهرم وتشيخ وتفنى. 
مادام الإنسان في ظروفٍ وقائية بمعنى أنه لا يتعرض لعوامل الشيخوخة والضرر وعوامل الضعف فمن المُمكن أن تبقى خلاياه نشطة وغضة وطرية مهما بقي من سنين طويلة. 
وهذا التاريخ لا يختص بالشيعة الإمامية بل جميع الملل والأديان الأخرى في إصحاحاتهم وتوراتهم حتى المسيح واليهود كُلهم يقولون نوح عاش أكثر من 900 سنه وإدريس.، وبإتفاق أن عيسى بن مريم مازال حياً يرزق.

الشق الثاني: المسألة إعجازية، أي أن الله تبارك وتعالى أبقاه هذا العُمر الطويل على سبيل الإعجاز وخرق النواميس الطبيعية لأنه يريد أن يؤهله إلى ذلك اليوم الموعود فما دام الهدف هو تأهيله وإعداده لذلك اليوم العظيم وهو إقامة الدولة على الأرض كلها ليملئها قِسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجورا بما أنه معد لذلك اليوم إذاً من مقتضيات هذا الإعداد أن الله تبارك وتعالى أمده بالرحمة والتسديد واللطف فحفظ له عمره هذا الزمن الطويل. 
حتى الإنسان العادي عندما نقول إعجاز هو لطف ورحمة من الله عزوجل كما قال تعالى : ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾ هذا لطف من الله، أيضاً عندما يتعرض الكثير من البشر لبلاءات وأخطار الله يدفعها عنهم ضمن ظروف وعوامل معينه ومع ذلك تتدخل الرحمة الإلهية في حفظه ودفع الأخطار عنه إلى مدة معينه بحسب ما يراه الله صالحاً لهم.

إذن تدخل اللطف الإلهي والرحمة في حفظ الإنسان ووقايته من الأخطار ليس أمراً بدعاً هذا أمر واضح والقرآن يرشد إلى ذلك: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ مادام بقاءه العمر الطويل بإعجازٍ وتدخل غيبي إذن فليظهر بين الناس و يقيه الله من الأخطار المحدقة من أجل أن يبين أنه أمر إعجازي، لماذا لا يكون كذلك؟ الغيبة إما أمرٌ إختياري وإما أمر قسري، هنا إتجاهان عند علمائنا وهذا الإختلاف نتيجة ما يُختلف من النصوص والروايات:

الإتجاه الأول: القائل أن الغيبة أمرٌ قسري، الغيبة أمرٌ فُرض عليه من قِبل الله تبارك وتعالى فالمسألة قسريه وليست اختياريه تارةً نقول بأن الغيبة أمرٌ إختياري، بأن الإمام طوعاً وبإرادته هو إختار سبيل الغيبة وإلا كان بإمكانه أن يظهر لكنه إختار الغيبة، إذا كانت الغيبة بإختياره وبإرادته فماهي الحكمة وراء الغيبة حتى إختارها؟ 
الإمام نفسه سُأل عن ذلك والجواب؟ والإمام كما ورد عنه في الرواية، ”أجاب: وأما علة غيبتي فإنه لم يكن أحدٌ من آبائي إلا وفي عنقه بيعةٌ لظالم زمانه وأنا إذ أخرج، أخرج ولا بيعة في عُنقي لظالم“ معناه، نحن عندما نقرأ سيرة الأئمة الطاهرين  كل الأئمة فلا يوجد إمام لم يعش تحت ظل حكومة إنسان ظالم، سواءاً بايع حاكم زمانه على أي حال عاش تحت حكومة لا يراها شرعية.

كونُ الإمام المعصوم تحت ظِل حكومة غير شرعيه وهو غير قادر على مُقاومتها، حتى الإمام الحُسين  بعد إستشهاد أخيه الإمام الحسن الزكي  عام 50 هـ ، والإمام الحُسين بقي إلى 61 هـ  تحت ظل حُكومة معاوية عشر سنوات لم يُقاوم معاوية وإنما قاوم يزيد بن معاوية بعد هلاك معاوية بن أبي سفيان. 
كل الأئمة بلا إستثناء عاشوا تحت حُكومات لم يكن يرونها شرعية والإمام لم يكن قادراً على مُقاومتها إلا أن هذا الوجود قد يُعطي بنظر الناس أن الحكومة شرعية، يُتوهم بنظر الناس يُقال بأن هذا الإمام المُفترض الطاعة ومع ذلك لم يُقاوم إذاً معناه أن الحُكومة شرعية، هذا الإنطباع قد يحصل لقسمٍ من الناس ولو على سبيل الإحتجاج والتوهين.

المهدي المُنتظر يقول أنا مُهيئ ومُعد لدور إقتلاع الظُلم والظلمة ولقطع دابر الظلمة وأُعددت من قِبل الله لإجتثاث الظُلم والظالمين ولأملئ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظُلماً وجوراً، بما أن هذا الدور مُناطاً بي فلا ينسجم مع هذا الدور أن أعيش لحظه واحده تحت حُكومةٍ ظالمة.

ثانياً: الغيبة مشروعٌ تربويٌ للأمة الإسلامية لاحظوا آيات القرآن الكريم عند تأملها تُرشد أنه من المشاريع التربوية التي يؤكد عليها القرآن الكريم مشروع الإمتحان والإبتلاء، لا يوجد إنسان يصل إلى الكمال إلا بعد فترة إمتحان وإبتلاء، لا بد أن يتعرض إلى فترة الإمتحان والإبتلاء وهي طريقه إلى الوصول إلى الكمال الروحي، لاحظوا القرآن الكريم عندما يقول ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ يخضع إلى الإبتلاء، وقال: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ وقال في آيةٍ ثالثة ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ الإمتحان والإبتلاء مشروع تربوي قرآني وهو طريقٌ إلى صقل النفس والوصول إلى الكمال الروحي، لأجل ذلك إختار الإمام الغيبة فإن فيها إمتحان للأمة وإبتلاءً لها، الإمام أراد أن تعيش الأمة هذا المشروع ليتميز الصادق من الكاذب والصابر من المتزلزل، وسوف يزداد البيان ويزداد صنوف العذاب حتى تُمحص الأمة تمحيصاً والروايات نطقت بذلك كما ورد عن الإمام الصادق  ”لتُغربلن ثم تُغربلن ثم تُغربلن حتى لا يبقى إلا النزر القليل“ تمر الأمة بصنوف من الإضطهاد والبلاء إلى أن تتهيأ الأرضية المعدة بقناعه وصدق وخلاص بإستقبال ظهور المهدي المنتظر «عج» ولذلك ورد عنهم أيضاً ”يغيبُ غيبة لا يثبت على الإيمان به فيها إلا من إمتحن اللهُ قلبه بالإيمان“ وورد عنهم  ”يغيبُ غيبةً طويله حتى يُقال مات أو هلك في أي وادٍ سلك“

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0647 Seconds