لماذا لم ينصب الإمام المهدي (عج) سفيراً من العلويين ؟

, منذ 2 سنة 512 مشاهدة

السيد عبد الهادي العلوي 

لا يخفى أنّ منصب السفارة والنيابة الخاصّة منصب حسّاس وخطير؛ إذ أنّه يرتبط بالجانب الأمنيّ للإمام الحجّة (عجّل الله فرجه الشريف)؛ باعتبار أنّ للنائب الخاصّ اتّصالاً وتواصلاً مباشراً مع الإمام (سلام الله عليه)، وهذا يقتضي أن يكون حائزاً على مؤهّلات خاصّة وفريدة تجعله يؤدّي مسؤولياته في الإشراف على شؤون الطائفة وإدارتها والتواصل مع الناحية المقدّسة.

وقد نقل الشيخ الطوسيّ في كتاب [الغيبة ص391]: أنّ أبا سهل النوبختيّ ـ الذي كان من أكابر علماء الطائفة ومتكلّميها ـ سُئِل: كيف صارت النيابة الخاصّة إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح النوبختيّ ولم تصر إليك؟ فقال أبو سهل: « هم أعلم وما اختاروه، ولكن أنا رجل ألقي الخصوم وأناظرهم، ولو علمتُ بمكانه كما علم أبو القاسم وضغطتني الحجّة على مكانه لعلّي كنتُ أدلّ على مكانه، وأبو القاسم لو كانت الحجّة تحت ذيله وقُرِّض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه ».

ويبدو أنّ مثل هذه المهمّة الحسّاسة لإدارة ملف التشيّع بتوجيه الإمام (عجّل الله فرجه) واللقاء به، لم يكن متيسّراً لأكابر العلويّين آنذاك؛ باعتبار أنّ السلطات العباسيّة كانت شديدة الحساسيّة من البيت العلويّ ورجالاتها وأكابرها، حيث ضغطت على العلويّين، وضيّقت عليهم الخناق، وجعلت عليهم العيون والجواسيس، ورصدت حركاتهم وسكناتهم، فضلاً عن ملاحقة جماعات منهم وتشريدهم وبحثهم عنهم وسجنهم وإيقاع المجازر فيهم ومحاولة إبادتهم وإفنائهم؛ لأسباب كثيرة:

(منها): ترقّب ولادة الحجّة المنتظر (عجل الله فرجه)، ولهذا جعلت السلطة آنذاك ثقلها الأمنيّ على بيت الإمام العسكريّ (عليه السلام)، ورصدت تحركاتهم، وأدخلت عليهم الجواسيس، بل جاؤوا بالقوابل تفحص النساء في بيت الإمام طلباً للولد، ثمّ حاولوا بشتّى الطرق الوصول للإمام، لكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

(ومنها): أنّ جملة من العلويّين رفعوا الراية ضدّ الظلم والظالمين، فخرجوا على السلطات العباسيّة، وقد كان لهذا أثر بالغ في نفوس السلطات، فتعاملت السلطات معهم بقسوة وحذر شديدين، فجعلوا العيون والجواسيس على رجالات البيت العلويّ توجّساً وخوفاً من قيامهم.

(ومنها): الحسد والبغض للبيت العلويّ؛ إذ السلطات العباسيّة كانت تبغض البيت العلويّ؛ لِمَا حازوا عليه من الكمالات والفضائل النفسية والعلمية، مع ما ورد فيهم من النصوص الشريفة التي تحثّ على مودّتهم ومحبّتهم واحترامهم والإحسان لهم وغير ذلك، ولهذا كان دافع الحسد والبغض يحرّك السلطات لرصد تحرّكات العلويّين عن كثب، والفحص عن أسرارهم وخصوصيّاتهم؛ لإشهار أمرهم فيما لو صدر عنهم سوء للتنقيص منهم والحطّ من منزلتهم وقدرهم في نفوس المسلمين.

هذه الأمور وغيرها جعلت العلويّين تحت مجهر السلطات العباسيّة، يبحثون عنهم ويفحصون عن أسرارهم، ولو كانت توجد شخصيّة علويّة متصدية لإدارة شؤون الطائفة والتواصل مع الإمام (عجّل الله فرجه)، فسيتعرّض أولاً الإمام (عليه السلام) للخطر، وثانياً ستتعرّض الطائفة الحقّة للخطر أيضاً؛ لأنّ العيون مرصودة عليهم، تعدّ حركاتهم وسكناتهم، ومن الطبيعيّ أن يلتفت الجواسيس لفعاليته، ولهذا لم يكن النوّاب الأربعة من البيت العلويّ، وإنّما كانوا من سائر الناس، وهذا ما جعل مهمّتهم ميسّرة بحدّ ما؛ إذ بطبيعة الحال كانت الضغوط التي على الشيعة عموماً أخفّ ممّا كانت على البيت العلويّ.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0743 Seconds