لماذا لا يقوم الإمام المهدي بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويظهر علمه؟

, منذ 1 ساعة 4 مشاهدة

ان الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو الحجة الإلهية الباقية على الأرض، الذي به يحفظ الله تعالى دينه، وهو الامتداد الطبيعي لوظيفة الأنبياء والأوصياء. ومع ذلك، قد يُثار التساؤل: إذا كان الإمام موجوداً ويملك علماً واسعاً وقدرة على الهداية، فلماذا لا يظهر علمه، ولا يقوم الآن بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل علني وظاهر؟

أولاً: وظيفة الأمر بالمعروف مشروطة بالقدرة

الشرط الشرعي: اتفق الفقهاء أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب مشروط بـ القدرة وعدم الضرر الأعظم. فإذا أدى القيام بهذه الوظيفة إلى ضرر أعظم على الدين أو على الإمام نفسه بحيث يؤدي إلى قتله قبل تحقق الغاية من وجوده، سقط الوجوب.

الجانب العقلي: الغرض من وجود الإمام المهدي هو إصلاح الأرض كلها وإقامة العدل، وهذا لا يتحقق إلا بتهيئة الظروف الإلهية والإنسانية المناسبة. فإذا قام قبل الأوان بالتصدي العلني، لأُحبط المشروع الرباني بقتله كما حصل مع آبائه من الأئمة.

ثانياً: سُنّة الإمهال والامتحان الإلهي

الابتلاء بالغيبة: الغيبة ليست غياباً للإمام عن الواقع، بل غياب عن الظهور العلني. وفي هذه الغيبة يمتحن الله تعالى المؤمنين بمدى تمسكهم بالشرع والوصية دون وجود قائد حاضر بينهم.

الغاية من الامتحان: يقول الإمام الصادق عليه السلام: «لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة، يرتاب فيها كل مبطل، ويثبت فيها كل صادق» (الغيبة للنعماني، ص 144).

فوظيفة الإمام هنا ليست في المواجهة الظاهرة، بل في رعاية خفية وتهيئة الأمة.

ثالثاً: إظهار العلم يحتاج إلى قابلية الأمة

حكمة الإظهار: العلم الذي يحمله الإمام ليس مجرد مسائل فقهية، بل علم شامل بالكتاب والسنن والسنن الكونية. إظهاره في غير وقته يُعرضه للتحريف أو التكذيب.

الموقف التاريخي: حتى رسول الله صلى الله عليه وآله لم يُظهر كل علومه، بل قال: «إنّا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم» (الكافي، ج1، ص23).

فإذا كانت عقول الناس آنذاك غير مؤهلة، فكيف بعلم الإمام الذي يتجاوز المعهود؟

رابعاً: الحجة قائمة وإن لم يظهر

وجود الإمام بذاته حجة: في الفكر الشيعي، وجود الحجة الإلهية على الأرض شرط لبقاء العالم. روي عن الإمام الصادق عليه السلام: «لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت» (الكافي، ج1، ص178).

الأثر الخفي: الإمام يمارس دوره في حفظ الشريعة، ودفع البلاء، وهداية الخواص، دون أن يظهر للعامة، وهذا يكفي لإقامة الحجة على البشر إلى حين الظهور.

خامساً: انتظار اللحظة الموعودة

الإصلاح الشامل: وظيفة الإمام الموعودة هي ملء الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن تملأ ظلماً وجوراً. وهذا لا يتحقق إلا عند توفر شروط عالمية وإرادة إلهية بظهوره.

التوقيت الإلهي: الغيبة والانتظار مرحلة إلهية ضرورية لحماية الإمام، ولتهيئة الأرض لنصرته، ولتصفية الأمة من الانتهازيين والمتلونين.

إذن، عدم قيام الإمام المهدي حالياً بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل علني، وعدم إظهاره لعلمه، ليس تقصيراً منه، بل هو عين الحكمة الإلهية. ذلك أن:

الواجب مشروط بالقدرة وعدم المفسدة.

الغيبة امتحان إلهي للأمة.

إظهار العلم يتطلب القابلية المجتمعية.

وجود الإمام بذاته كافٍ لإقامة الحجة وحفظ الدين.

ظهوره مؤجل حتى تحين اللحظة الإلهية الموعودة.

وعندها سيظهر علمه، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويقيم دولة العدل الإلهي على وجه الأرض، ليصدق وعد الله:

﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص: 5).

فيتلحص التالي :

1. سقوط التكليف مع عدم القدرة :

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب مشروط بالقدرة وعدم ترتب مفسدة أعظم. فإذا كان إعلان الإمام عن نفسه سيؤدي إلى قتله قبل تحقق الهدف الرباني، أو يؤدي إلى ضياع الرسالة، فإن التكليف الشرعي يسقط عنه في مرحلة الغيبة.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا رأي لمن لا يُطاع» (نهج البلاغة، الحكمة 117). أي أن القائد الذي لا يجد الطاعة لا يستطيع تنفيذ برنامجه، فيبقى الصمت هو الحكمة.

2. الغيبة مشروع إلهي مقصود

غيبة الإمام ليست انزواءً شخصياً، بل مرحلة إلهية لازمة لتهيئة العالم لنصرته. ولو كان مجرد "آمر بالمعروف" كسائر الفقهاء لما كانت هناك ضرورة لغيبة معصوم، بل كانت الأمة تكتفي بعلمائها.

الغيبة امتحان وفلترة للصفوف؛ قال الإمام الكاظم عليه السلام: « " إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم، لا يزيلنكم عنها، فإنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنما هي محنة من الله يمتحن الله بها خلقه » (الغيبة للنعماني، ص 154).

3. إظهار العلم يحتاج أرضية

الإمام يحمل علم الكتاب كله (﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾). إظهار هذا العلم قبل نضج الأمة يؤدي إلى تكذيبه وتحريفه.

وهذا الإمام الباقر (عليه السلام) يقول : « لو وجدت لعلمي الذي آتاني الله عز وجل حملة لنشرت التوحيد والاسلام والايمان والدين والشرائع من الصمد، وكيف لي بذلك ولم يجد جدي أمير المؤمنين عليه السلام حملة لعلمه حتى كان يتنفس الصعداء ويقول على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين الجوانح مني علما جما، هاه هاه، ألا لا أجد من يحمله، ألا وإني عليكم من الله الحجة البالغة، فلا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور. » (بحار الأنوار - ج ٣ - ص ٢٢٥).

فكيف بالإمام المهدي الذي علمه وراثة عن آبائه الطاهرين (عليهم السلام) ؟

4. الحجة قائمة بوجوده لا بمجرد ظهوره

في العقيدة الشيعية، الأرض لا تخلو من حجة؛ وجود الإمام بذاته – وإن كان غائباً عن الأنظار – هو سبب بقاء الأرض وسبب حفظ الدين.

قال الإمام الصادق عليه السلام: «لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت» (الكافي، ج1، ص179).

إذن، بركة وجوده كافية لحفظ النظام الكوني والشرعي حتى يأذن الله بالظهور.

5. الانتظار تربية للأمة

لو كان الإمام يمارس وظيفة الأمر بالمعروف ظاهراً منذ البداية لما كانت هناك حاجة للانتظار. لكن الله أراد أن يكون الانتظار مدرسة إيمانية تُربي شيعته على الصبر والتمحيص والاستعداد للنصرة.

روي عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: "انتظروا الفرجَ ولا تيأسوا من روح الله فإنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ انتظار الفرج" بحار الأنوار، ج52، ص 123.

الخاتمة

إذن، الإمام المهدي لا يُمارس الآن وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل علني، ولا يُظهر علمه الواسع، ليس لعجزٍ منه أو قصور، بل لحكمة إلهية بالغة:

لأن الواجب مشروط بالقدرة وعدم المفسدة.

لأن الغيبة امتحان للأمة وتمحيص للقلوب.

لأن إظهار العلم قبل الأوان يضيّع الغاية.

لأن وجوده بحد ذاته حجة تحفظ الأرض والدين.

لأن ظهوره مؤجل إلى اللحظة الموعودة التي وعد الله بها عباده المستضعفين.

وبهذا يتضح أن غيبته وصمته الآن عين الطاعة لله، وأنه يعمل وفق منهج رباني لا يُدركه إلا أولوا الألباب.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0536 Seconds