هل أخبر القرآن الكريم عن الامام المهدي (عج) وحكومته ؟

, منذ 2 سنة 639 مشاهدة

القرآن الكريم، كتاب اللّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

فيه تبيان كلّ شيء، لا رطب ولا يابس إلاّ في كتاب مبين، ما فرّطنا في الكتاب من شيء، وهو آخر الكتب السماوية، كما أنّ الإسلام آخر الأديان.

أترى القرآن يسكت عن هذا الحادث الجلل الذي يعتبر تبدّلا عظيما في الحياة؟!.

القرآن الذي أخبر عن غلبة الروم على الفرس، وعن قيام دولة اليهود بالتعاون مع الدول الكبرى‌ [1].

القرآن الذي أخبر عن يأجوج ومأجوج ومصيرهما في المستقبل.

القرآن الذي أخبر عن إمكانية غزو الفضاء بقوله تعالى: يَا مَعْشَرَ اَلْجِنِّ وَ اَلْإِنْسِ إِنِ اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ اَلسَّمَاوَاتِ وَ اَلْأَرْضِ فَانْفُذُوا لاَ تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ [2].

أترى القرآن لا يخبر عن ظهور الإمام المهدي واستيلائه على الحكم؟

كلاّ، إنّ القرآن الحكيم أخبر عن الامام المهدي (عليه السلام) وقيام حكومته في مواضع عديدة وآيات متعدّدة.

وهذه الآيات مأوّلة بالإمام المهدي وظهوره كما صرّح بذلك أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين أنزل القرآن في بيوتهم، وأهل البيت أدرى بما في البيت.

من هذه الآيات قوله تعالى: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوَارِثِينَ، `وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هَامَانَ وَ جُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ [3] .

في نهج البلاغة ج 3 قال علي (عليه السلام) : لتعطفنّ الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها، و تلا (عليه السلام) -عقيب ذلك- قوله تعالى: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوَارِثِينَ .

قال ابن أبي الحديد في شرحه: إن أصحابنا يقولون: إنه وعد بإمام يملك الأرض ويستولي على الممالك.

أقول: هذا الحديث مروي بطرق عديدة عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ، و لعلّ الحديث يحتاج الى شي‌ء من الشرح: «لتعطفن» يقال: عطفت الناقة على ولدها أي حنّت عليه و درّ لبنها، «شماسها» يقال: شمس

الفرس يشمس: أي إستعصى على راكبه و منع ظهره من الركوب، «الضروس» : الناقة السيئة الخلق، تعضّ حالبها [4] .

و معنى كلامه (عليه السلام) : ان الدنيا تقبل على أهل البيت (عليهم السلام) بعد الجفاء الطويل و المكاره الكثيرة، و المقصود: قيام حكومة أهل البيت و إنتصاراتهم على أعدائهم، و تذلّل جميع الصعوبات التي وقفت حجر عثرة في طريق نهضتهم المقدّسة، و تسهل لهم الدنيا بعد صعوبتها، و تحلو بعد مرارتها، و تخضع بعد تمرّدها، و تنقاد بعد عصيانها.

و عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) : قال: المستضعفون في الأرض، المذكورون في الكتاب، الذين يجعلهم اللّه أئمة: نحن أهل البيت، يبعث اللّه مهديّهم فيعزّهم و يذلّ عدوّهم‌ [5] .

و الآن-بعد أن وصل الكلام الى الآيات المأوّلة بالإمام المهدي (عليه السلام) -أرى من الأفضل أن أذكر كلمة موجزة عن التأويل، ليكون القاري‌ء النبيه على مزيد من الإطّلاع، و المعرفة بمعنى التأويل:

التأويل: إرجاع الكلام و صرفه عن معناه الظاهري الى معنى أخفى منه‌ [6] ، و هكذا تأويل الرؤيا و الأحلام أي الشي‌ء الذي ترجع اليه الرؤيا، فمثلا: رأى يوسف (عليه السلام) أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر رآهم له

ساجدين، وبعد سنين طويلة لما ذهب يعقوب وأولاده الى مصر، قال تعالى:

وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى اَلْعَرْشِ وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً، وَ قَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُءْيَايَ مِنْ قَبْلُ، قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا [7] . و نفس هذا الكلام يأتي في تأويل الأحلام و المنامات، فقد قال يوسف (عليه السلام) للشابّين الذين رأى كل منهما رؤيا، قال لهما: لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ [8] . و قال علي (عليه السلام) في حديثه عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم) و تعلّمه العلوم منه-: «ما من آية إلاّ و علّمني تأويلها» أي معناها الخفي.

أعود الى حديثي عن الآية الشريفة-التي سبقتها آية تتحدّث عن فرعون و جرائمه-فقال عزّ و جل: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ. فالمعنى الظاهري هو أن اللّه تعالى يعيد لبني إسرائيل عزّهم و كرامتهم و يهلك فرعون و وزيره هامان و جنودهما.

و لكن تأويل الآية-أي معناها الخفي غير المعنى الواضح الجليّ-هو أن المقصود من المستضعفين في هذه الآية: هم آل محمد (عليهم السلام) فقد استضعفهم الناس و ظلموهم و قتلوهم و شرّدوهم و صنعوا بهم ما صنعوا، و قد قال لهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم) : «أنتم المستضعفون بعدي» ، و لا أراني بحاجة إلى إثبات هذه الحقيقة، فالتاريخ الإسلامي يشهد و يصرّح بل و يصرخ بأعلى صوته بأنّ آل محمد (عليهم السلام) إستضعفهم الناس من يوم فارق رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم) هذه الحياة، و لو

راجعت كتاب (مقاتل الطالبيّين) و غيره من الكتب لوجدت-هناك-أنواع المصائب و المآسي و النوائب التي انصبّت على آل رسول اللّه (عليهم السلام) ، لأن أصحاب السلطة و القدرة استضعفوا هذه الذرّية الطاهرة فصنعوا بهم ما شاءت نفوسهم الممتلئة بالحقد و الجبروت، حتى وصل الأمر إلى أن الناس كانوا يهدون رؤوس آل محمد إلى الحكّام تقرّبا اليهم و تفريحا لقلوبهم، كما فعل ذلك جعفر البرمكي و غيره، و أيّ إستضعاف أشد من هذا؟!.

و لكنّ اللّه تعالى قد تعلّقت ارادته أن يتفضّل على هذه الذرية الطاهرة المظلومة-عبر التاريخ-و على أتباعهم و شيعتهم المضطهدين الذين كانوا و لا يزالون يعيشون تحت الضغط و الكبت و الذلّ و الهوان، المحرومين من أبسط حقوق البشر، الذين سلبتهم السلطات كل حرية و كل كرامة، أن يتفضّل عليهم بحكومة تشمل الكرة الأرضية و من عليها و ما عليها.

حكومة حدودها القطبان المنجمدان الشمالي و الجنوبي، و جميع المحيطات المترامية الأطراف، و هي الحكومة الوحيدة التي تحكم الأرض و من عليها، بلا مزاحم أو منافس، و تكون لهم السلطة التامة و القدرة الكاملة، و سيأتيك التفصيل.. بل التفاصيل قريبا إن شاء اللّه.

و ختاما للبحث و التحدّث عن هذه الآية يمكن أن نقول: من الممكن أن يستفاد هذا التأويل من نفس ظاهر الآية، و من قوله تعالى:

وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ بلفظ المستقبل‌، لأنّ نزول الآية كان بعد آلاف السنين من عصر موسى (عليه السلام) و فرعون، و كان من الممكن أن يقول سبحانه: و أردنا أن نمنّ. أو: مننّا على الذين استضعفوا. كما قال في مكان آخر، بل في أمكنة أخرى: لَقَدْ مَنَّ اَللَّهُ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً [9] .

كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اَللَّهُ عَلَيْكُمْ [10] .

وَ لَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى‌َ [11] .

وَ لَقَدْ مَنَنَّا عَلى‌َ مُوسى‌َ وَ هَارُونَ [12] .

ذكر اللّه تعالى هذه الآيات بلفظ الماضي، و هنا ذكرها بلفظ المستقبل فقال: و نريد أن نمنّ.

و هكذا قوله تعالى: وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هَامَانَ وَ جُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ فإنّه تعالى لم يقل: و أرينا فرعون و هامان.

و هكذا قوله سبحانه: نُرِيدُ و نَجْعَلَهُمْ و نَجْعَلَهُمْ أيضا، و نُمَكِّنَ و نُرِيَ حيث جاءت جميع هذه الألفاظ الستّة بصيغة المستقبل لا الماضي.

و لعلّ قائلا يقول: إنّ فرعون و هامان و جنودهما كانوا قد هلكوا قبل نزول الآية بآلاف السنين، فكيف يمكن تأويل الآية الى المستقبل؟

الجواب: لقد صار إسم (فرعون) رمزا لكلّ سلطان متجبّر جائر يتجاوز في ظلمه، فلكلّ عصر فرعون، و لكلّ امّة فراعنة.

و قد روي عن الإمام محمد الباقر و الإمام جعفر الصادق (عليهما السلام) -في تأويل هذه الآية-أنّ المراد من‌ فِرْعَوْنَ وَ هَامَانَ -في هذه الآية-هما رجلان من جبابرة قريش، يحييهما اللّه تعالى عند ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) -في آخر الزمان-فينتقم منهما بما أسلفا [13] .

وَ جُنُودَهُمَا أتباع الرجلين، الذين تعاونوا معهما، و ساروا على خطّهما، و أحيوا ذكرهما.

ــــــــــــــــــــــــــــ

[1] صربت عليهم الذلّة أينما ثقفوا إلا بحبل من اللّه وحبل من الناس. سورة آل عمران 112

[2] سورة الرحمن الآية 33.

[3] سورة القصص آية 5 و6.

[4] «مجمع البحرين» للطريحي.

[5] بحار الأنوار للمجلسي ج 51 ص 63، باب الآيات المأوّلة بالإمام المهدي (عليه السلام) .

[6] المصدر: «مجمع البحرين» للطريحي، مادة، أوّل.

[7] سورة يوسف/آية 100.

[8] سورة يوسف/آية 37.

[9] سورة آل عمران آية 164.

[10] سورة النساء آية 94.

[11] سورة طه آية 37.

[12] سورة الصافات آية 114.

[13] كتاب البرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني. في تفسير الآية.

المصدر: القزويني، السيد محمد كاظم، الامام المهدي (عج) من المهد إلى الظهور، بتصرف.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0658 Seconds