كيف وصلت رسالة الإمام المهدي (عج) الى الشيخ المفيد ؟

, منذ 2 سنة 5K مشاهدة

صلة الشيخ المفيد بالناحية المقدسة عند وقوع الغيبة الكبرى انقطعت النيابة الخاصة وكذب من ادعى البابية، وصارت النيابة عامة للفقهاء العدول.
وهذا لا يدل على عدم إمكان رؤية الإمام في الغيبة الكبرى والتشرف بخدمته، حتى مع معرفة المشاهد له في حال الرؤية، لأن الذي نقطع بكذبه هو ادعاء الباب والنيابة الخاصة.
قال الشيخ المفيد في هذا الكتاب الفصول العشرة: فأما بعد انقراض من سميناه من أصحاب أبيه وأصحابه عليهم السلام، فقد كانت الأخبار عمن تقدم من أئمة آل محمد عليهم السلام متناصرة: بأنه لا بد للقائم المنتظر من غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى، يعرف خبره الخاص في القصرى، ولا يعرف العام له مستقرا في الطولى، إلا من تولى خدمته من ثقات أوليائه، ولم ينقطع عنه إلى الاشتغال بغيره (1).
فما ذكره الشيخ المفيد من الحديث صريح بأن في الغيبة الكبرى المعبر عنها بالطولي يمكن أن يعرف خبره من تولى خدمته من ثقات أوليائه ولم ينقطع عنه إلى الاشتغال بغيره.
إذا عرفت هذا فقد روى الشيخ الطبرسي توقيعين وردا من الناحية المقدسة إلا الشيخ المفيد، قال:
ذكر كتاب ورد من الناحية المقدسة حرسها الله ورعاها في أيام بقيت من صفر سنة عشرة وأربعمائة على الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان قدس الله روحه ونور ضريحه، ذكر موصله أنه يحمله من ناحية متصلة بالحجاز، نسخته:
للأخ السديد والولي الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه، من مستودع العهد المأخوذ على العباد...
وجاء في آخر التوقيع:
نسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السلام:
هذا كتابنا إليك أيها الأخ الوفي والمخلص في ودنا الصفي، والناصر لنا الوفي، حرسك الله بعينه التي لا تنام، فاحتفظ به، ولا تظهر على خطنا الذي سطرناه بماله ضمناه أحدا، واد ما فيه إلى من تسكن إليه، وأوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء الله، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين (2).
وقال الطبرسي أيضا يروي التوقيع الثاني:
وورد عليه كتاب آخر من قبله صلوات الله عليه يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، نسخته:
من عبد الله المرابط في سبيله إلى ملهم الحق ودليله...
وجاء في آخر التوقيع:
وكتب في غرة شوال من سنة اثنتي عشرة وأربعمائة نسخة التوقيع باليد العليا صلوات الله على صاحبها:
هذا كتابنا إليك أيها الولي الملهم للحق العلي، بإملائنا وخط ثقتنا، فاخفه عن كل أحد، واطوه، واجعل له نسخة تطلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا شملهم الله ببركتنا إن شاء الله، الحمد لله والصلاة على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين (2).
وروى هذين التوقيعين يحيى بن بطريق في رسالة نهج العلوم إلى نفي المعدوم كما حكي عنه، وزاد عليهما توقيع آخر لم تصل إلينا صورته (3).
وعند التأمل في التوقيعين الواصلين إلينا نستطيع أن نجزم بأنهما لا يفيدان النيابة الخاصة أو البابية، بل شأنهما شأن من يرى الإمام في غيبته الطولى ويعرفه، ولا يفهم من الأحاديث المكذبة لرؤيته إلا النيابة الخاصة.
والذي يزيدنا اطمئنانا بهذين التوقيعين ما ذكره الطبرسي في مقدمة كتابه الاحتجاج:
ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناد:
إما لوجود الاجماع عليه.
أو موافقته لما دلت العقول إليه.
أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف.
إلا ما أوردته عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام، فإنه ليس في الاشتهار على حد ما سواه، وإن كان مشتملا على مثل الذي قدمناه، فلأجل ذلك ذكرت إسناده في أول جزء من ذلك دون غيره، لأن جميع ما رويت عنه صلوات الله عليه إنما رويته بإسناد واحد من جملة الأخبار التي ذكرها عليه السلام في تفسيره... (4) فالتوقيعان اللذان رواهما بدون ذكر الإسناد لا يخلوان من ثلاثة وجوه:
وجود الاجماع عليهما، موافقتهما لما دلت العقول إليه، اشتهارهما في السير والكتب بين المخالف والمؤالف.
وهذه الدقة الموجودة عند الطبرسي في روايته، ووثاقة الطبرسي عند الكافة تعطينا اطمئنانا لقبول التوقيعين.
والذي يزيدنا اطمئنانا أيضا بهذين التوقيعين، ما ذكره المحدث البحراني في اللؤلؤة بعد ما نقل أبياتا في رثاء الشيخ المفيد منسوبة لصاحب الأمر وجدت مكتوبة على قبر الشيخ المفيد:
وليس هذا ببعيد بعد خروج ما خرج عنه عليه السلام من التوقيعات للشيخ المذكور المشتملة على مزيد التعظيم والاجلال...
ثم قال:
هذا وذكر الشيخ يحيى بن بطريق الحلي - وقد تقدم - في رسالة نهج العلوم إلى نفي المعدوم [المعروفة بسؤال أهل حلب] طريقين في تزكية الشيخ المفيد:
أحدهما: صحة نقله عن الأئمة الطاهرين، بما هو مذكور في تصانيفه من المقنعة وغيرها...
وأما الطريق الثاني في تزكيته: ما ترويه كافة الشيعة وتتلقاه بالقبول: من أن صاحب الأمر - صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه - كتب إليه ثلاثة كتب، في كل سنة كتابا، وكان نسخة عنوان الكتاب: للأخ السديد... وهذا أوفى مدح وتزكية وأزكى ثناء وتطرية بقول إمام الأمة وخلف الأئمة، انتهى ما في اللؤلؤة (1).
أقول: وكلامه صريح إن التوقيعين مجمع عليهما، ونستنتج من كلامه أيضا أن ما ذكره الطبرسي في مقدمة الاحتجاج - من ذكر الأسباب التي دعته إلى عدم ذكر السند للأحاديث التي يرويها - إن التوقيعين من قسم الأحاديث التي انعقد الاجماع عليها، لهذا لم يذكر سندهما.
وإن كان بعض المتأخرين قد شكك في هذين التوقيعين، لكن الاطمئنان الحاصل عند التأمل فيهما كاف في المقام، والله العالم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(١) الفصول العشرة: ٨٢ من طبعتنا هذه.
(2) الاحتجاج ٢: ٤٩٥ - ٤٩٨.
(3) الاحتجاج ٢: ٤٩٨ - 499. 
(4) معجم رجال الحديث ١٧: ٢٠٨ - ٢٠٩.
(5) الاحتجاج ١: ١٤.
(6) لؤلؤة البحرين: 363 - 367، وراجع حياة ابن بطريق في هذا الكتاب أيضا: 283، ووفاة ابن بطريق سنة 600.
المصدر: الشيخ المفيد، الفصول العشرة، ص21-24.

 

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.0560 Seconds