قصر حكم الإمام المهدي (عليه السلام) بعد ظهوره

, منذ 3 سنة 1K مشاهدة

الشيخ حيدر السندي 
إن روايات الشيعة تنص على أن المهدي (عليه السلام) الذي سوف يظهر الدين الواقعي ، ويطبقه كما يريد الله تعالى ، و يقيم دولة العدل سوف يحكم مدة قصيرة جداً ، وهذه الروايات مختلفة في العدد ، ولكن تتفق في قلة المدة ، ونقل جملة منها في كتاب منتخب الأثر ، منها:
1ـ عن  أمير المؤمنين (عليه ‌السلام) يخبر عن أثر إمارة معاوية : يدرس في سلطانه الحقّ ، ويظهر الباطل ، ويقتل من ناواه على الحقّ ، ويدين من والاه على الباطل ، فكذلك حتّى يبعث الله رجلا في آخر الزمان ، وكلب من الدهر ، وجهل من الناس ، يؤيّده الله بملائكته ، ويعصم أنصاره ، وينصره بآياته ، ويظهره على أهل الأرض حتّى يدينوا طوعا وكرها ، يملأ الأرض قسطا وعدلا ونورا وبرهانا ، يدين له عرض البلاد وطولها ، لا يبقى كافر إلّا آمن به ، ولا طالح إلّا صلح ، وتصطلح في ملكه السباع ، وتخرج الأرض نبتها ، وتنزل السماء بركتها ، وتظهر له الكنوز ، يملك ما بين الخافقين أربعين عاما ، فطوبى لمن أدرك أيّامه وسمع كلامه1  . 
2ـ وفي الفتن : عن أبي سعيد الخدري (رضي‌الله‌عنه) عن النبي (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)  قال : المهدي يعيش في ذلك (يعني : بعد ما يملك) سبع سنين ، أو ثمان ، أو تسع 2. 
3ـ و في جواهر العقدين : عن حذيفة بن اليمان ( رضي‌الله‌عنه ) قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه [وآله] وسلّم) : المهدي رجل من ولدي ، وجهه كالكوكب الدرّي ، اللون لون عربيّ ، والجسم جسم إسرائيلي ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ، يرضى بخلافته أهل السماء ، وأهل الأرض ، والطير في الجوّ ، يملك عشرين سنة 3 . 
4 ـ وفي الفتن : عن علي [عليه ‌السلام] قال : يلي المهدي أمر الناس ثلاثين أو أربعين سنة 4 . 
5ـ في غيبة النعماني عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام) أنّه قال : [ي] ملك القائم تسع عشرة سنة وأشهرا5 . 
وهنا يأتي هذا السؤال : إن الله تعالى بعث النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وأنزل عليه الكتاب لهداية الناس بالدين الواقعي ، فكيف يضيع الدين، و يكون محفوظاً عند شخص واحد غائب لمئات ـ  ولربما لآلاف السنين ـ حتى يخرج بعد ذلك و يطبق الدين في مدة قصير جداً لا تتجاوز  60 سنة بحسب أكبر عدد ذكرته الروايات ، وهو ما في  الإرشاد عن  عبد الكريم الخثعمي ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه ‌السلام): كم يملك القائم (عليه‌ السلام)؟ قال : سبع سنين ، تطول له الأيّام ، حتّى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم ، فيكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه6 . 
ان هذا أمر بعيد يرفضه العقل، فإن الله تعالى أنزل الدين لكل الناس و لا تتناسب مقدمات دولة ظهور الدين وتطبيق العدل التام من بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) و طول تقلب الناس في الغيبة في الحرمان ، و معاناتهم في الانتظار مع قصر زمان هذه الدولة والحكومة العالمية.
مناقشة الشبهة
وفي مقام مناقشة هذه الشبهة أذكر جملة من المناقشات وهي قسمان:
الأجوبة النقضية:
القسم الأول: المناقشات النقضية.
فإن هنالك موارد كثيرة يلتزم فيها المخالفون أو ينبغي أن يلتزموا فيها بنفس ما التزم به الشيعة في مسألة الإمام المهدي (عليه السلام)، منها:
النقض الأول : دلت جملة من آيات القرآن الكريم على عموم نبوة النبي الخاتم، يقول تعالى: {  قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ  }  سورة الأعراف، الآية: 158.، ويقول : { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } سورة الفرقان، الآية: 1. ، ويقول : { وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } سورة الأنعام، الآية: 19. ، ويقول : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } سورة سبأ، الآية: 28. ، ويقول : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } سورة الأنبياء، الآية: 107. ،ومع ذلك نحن نرى أكثر الناس كفاراً من يوم بعثت النبي ( صلى الله عليه وآله) ، وإلى يوم الناس هذا ، وقد قال تعالى : {لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} سورة الزخرف : آية 78  ، وهنا يواجه المشكل هذا السؤال: ما الفرق بين طول وقت الانحراف، و قلة وقت الصلاح ، وبين كثرة عدد المنحرفين وقلة عدد المؤمنين في كون الغرض الإلهي لم يتحقق فعلاً إلا بالنسبة إلى الأقل إما وقتاً أو كماً ، فما هو الجواب الذي يذكره المشكل ، فإننا نذكره في طول غيبة الإمام(عليه السلام).
النقض الثاني: في روايات العامة الصحيحة عندهم أن الشرط والوثنية و عبادة الأصنام باقية ، و الشرور مستمرة إلى قيام الساعة ، نعم في مدة قصيرة فقط يتحقق ما يعتقد الشيعة تحققه في دولة المهدي(عليه السلام) وفقد روى مسلم (2940) عَنْ عَبْد اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو   قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ [آله ]سَلَّمَ ): ( يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ ، ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّامِ فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِي كَبِدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ ، قَالَ : فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا فَيَتَمَثَّلُ لَهُمْ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ أَلَا تَسْتَجِيبُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ، حَسَنٌ عَيْشُهُمْ ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ).
فيأتي السؤال : لماذا بعثت الأنبياء ، ولماذا أنزل القرآن ، و قضى الله بعد آلاف من سنين البغضاء بعد إطالة عمر الدجال ـ كما في رواياتهم ـ أن ينزل عيسى لكي يهلك الدجال، و يبعث ريحاً لكي ( يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ) فقط؟
لو لاحظنا سنين ادخار الدجال ثم تسليطه وقارنا بينها وبين 7 سنوات، لرأينا الفرق كبير جداً، فلماذا يستبعد غيبة الإمام وادخاره ، بسبب تقصير الأمة ، وانتشار الظلم بفعلها لا فعل الله ،و ظهور الإمام هادياً بتمكين الله تعالى ،ويقبل انتشار الشر بسبب ادخار الدجال و تمكينه تكويناً وهو فعل الله ، ثم ارسال ريح تحقق الخير لمدة قصيرة جداً؟! 
ومن الخطأ نسبة تحريف القرآن إلى الشيعة ، والقول بأن الناس تعمل بالقرآن الموجود  إلى يوم الناس هذا  ، و كأنه ليس اغلب الناس من غير المسلمين ، والمسلمين ليس مختلفين في كثير من معاني آيات القرآن وعقائد الدين و احكامه .
القسم الثاني: الجواب الحلي.
وهو أن الله تعالى لم ينزل الأديان والشرائع و يرسل الأنبياء لكي يتحقق في الخارج هداية كل الناس بالفعل ، و إلا للزم من ذلك الجهل في ساحته تعالى ، فإنه يعلم أن بعض الناس سوف لن يتبعوا الهدى عناداً و طغياناً ، وبعضهم قصوراً بسبب عوامل عالم الدنيا المتزاحمة ، يقول تعالى : {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً}  سورة النساء: آية 99، وهذا ما تحقق خارجاً ، فلو كان غرضه غير المتحقق قبل تحققه ، لكان لا يعلم بما سوف يكون ، وهو تعالى محيط بكل شيء لا يجوز عليه الجعل.
من هنا كان الموافق للتحقيق هو أن الغرض من البعثة و انزال الكتاب جعل المجتمع البشري قادراً على تحصيل الهداية لو توفرت الأسباب جميعها من جهة المجتمع البشري ، ولم يبق إلا أن يبين الله تعالى تعاليمه ، فإذا قصر البشر في تهيئة الأسباب ، فجهل البعض وضل ،أو  تكبر و تغطرس من بلغه الحق، فليس في هذا نقض للغرض الإلهي، لأن تمكين الله العباد لو لم يقصر العباد أنفسهم متحقق ، و هذا التمكين له مراتب ودرجات ، فإذا قصر العباد ومنعوا بدرجة 50% يتحقق التمكين بدرجة 50% ، وإذا منعوا بدرجة 90% يتحقق التمكين بدرجة 10% ، ولهذا لا يكون الغرض الإلهي مع ضياع بعض الدين أو غيبة الإمام المهدي(عليه السلام) غير متحقق بنحو تام من الله تعالى ، وإنما هو متحقق بنحو من التحقق بسبب تقصير الناس الذين لم يوفروا أسباب هداية المهدي(عليه السلام) فكانت المصلحة في غيبته ، وهذا يستفاد مما رواه في العلل  عن مروان الأنباري قال: خرج من أبى جعفر (عليه السلام) : إن الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم7 " . 
فإن الله أوجد الإمام (عليه السلام)، و مكن الناس به من بلوغ الغاية ، ولكنهم تمردوا ، و أوجبوا بحسب قوانين عالمنا وجود تمانع بين بقاء الإمام (عليه السلام) ظاهراً  و تحقق الغاية العليا ، وهي تحقيق دولة العدل في زمانه، فكان لابد من حفظه لوقت توفر الأسباب ، وهو وقت مجهول عندنا ، معلوم عند الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الاحتجاج : ج ٢ ص ٢٩٠

[2] عقد الدرر : ص ٢٣٨ ب ١١.

[3] عقد الدرر : ص ٢٣٩ ب ١١ مختصرا

[4] الفتاوي الحديثيّة : ص ٤٢.

[5] غيبة النعماني : ص ٣٣١ ـ ٣٣٢.

[6] الفصول المهمة ص 302.

[7] علل الشرائع   ج ١ ص ٢٤٤.

 

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.1081 Seconds