غيبة الإمام المهدي (عج) تكتيك أمني صارم

, منذ 4 سنة 781 مشاهدة

الشيخ محمد السند 

إن غيبة صاحب العصـر والزمان عجل الله فرجه الشـريف مشروع أمني عملاق وسنة مهدوية عظيمة، فطابع مسيرته الان خلال عشـرة قرون هي الغيبة وعمله كله نشاط لكن في خفاء، ولذلك يجب ان نثري هذه البنود تتبعاً في الشريعة ومنها (الحرب خدعة) وهذا مرتبط بالخفاء لأنه مع تنبه العدو لا تكون الخدعة.

ومعرفة مضمون الحرب خدعة مهم جداً لأنه من العلوم الاستراتيجية للحرب، وهو أقوى فقرة تستخدم في الحرب ليحتفظ دائماً بعنصر المبادرة، والتخطيط بالخفاء من دون ان يشعر بك العدو.
كما إن آلة الانتصار في الحرب الأمنية بين الانظمة هي ان لا يستشعر عدوك بانك عدو له، وان لا يستشعر خصمك بأنك خصم له، بل يجب عليك ان تشعره بالثقة وهنا تكون قد حققت الانتصار واخترقت الطرف الآخر، لأنه لن يكون في يقظة واستعداد بل يكون في حالة سبات لأن استشعار العداوة يقظة. 
سر عظيم ان صاحب العصـر والزمان عجل الله فرجه الشـريف لا يهادن، لأن أعدائه ذئاب فلا يمكن الثقة والاطمئنان بهم، نعم ننبذ ثقافة الكراهية مع الشعوب لأنها محرومة ومستضعفة، أما الأنظمة العاتية وحكامها الطغاة فلا يمكن معهم المهادنة.
إن أئمة الجور الذي هم قادة الفتن والظلم والجور في المجتمعات البشرية يرفعون راية محاربة الإرهاب في العالم لاستغفال الآخرين وهم يديرون الإرهاب ويقودونه بأنفسهم. 
فالخفاء يحمل الكثير من الأسرار، والحرب خدعة كأنما أي سلاح في الأرض لا فائدة فيه لأن عمدة الأمر في الحرب هو الخدعة.
فبطولة وشجاعة امير المؤمنين عليه السلام غير الاليات الموجودة والتخطيط هو عنصر الخفاء والتدبير الذي يمارسه، وفي صفين معاوية بن ابي سفيان يكون تحت سيف أمير المؤمنين عليه السلام مرتين بواسطة التدبير والتخطيط الحربي.
والامام الحسن أيضاً صلوات الله عليه خطط ان يأتي بمعاوية بدون ان يبرم صفقة الهدنة معه، فاستدرج معاوية وجيشه الى الكوفة وعندها تعطلت كل العيون والجواسيس الذين كانوا يعملون لمعاوية في الكوفة لتداخل الجيشين في الأزقة والشوارع ولما يبرم معه أي صفقة ، وهذه عظمة التخطيط عند الامام الحسن عليه السلام، حتى ان معاوية أراد ان يفتك بعمرو بن العاص لأنه اعتقد ان هناك مؤامرة وتواطؤ بينه وبين الامام الحسن عليه السلام، لأنه رأئ نفسه في قبضة الامام الحسن عليه السلام ومن ثم أملى الامام عليه السلام شروطه على معاوية، وأول شرط فيها أن الحسين عليه السلام أن لا يبايع، وهذا يعني ان الخط الساخن في المواجهة يبقى مفتوحا وقد وافق معاوية مرغماً على ذلك.
كل خداع ومغريات ورشاوى معاوية ومؤامراته باءت بالفشل مع التدبير الخفي للإمام الحسن عليه السلام، هذا التدبير الخفي لم يعلم به لا معاوية ولا عمرو بن العاص ولا عبد الله بن عباس ولا عبيد الله بن عباس ولا أحد من الجيشين، فقط الامام الحسن والحسين عليهما السلام، وهنا دقة التدبير والمناورة عند الائمة سلام الله عليهم. والكثير ممن اطلع الى بنود صلح الامام الحسن عليه السلام لم ينتبه الى دقة البنود، لعدم وجود العلوم الأمنية فلم يقرأ البنود قراءة صحيحة.
هذه مسألة مفصلية في صلح الامام الحسن عليه السلام، وكيف أنه استدرج معاوية وجيشه في وسط الكوفة وفي قبضته ولما يبرم معه أي شيء فالمفاوضات ليس فيها التزام بعد، هذا هو معنى "الحرب خدعة"، كما تفكر في التصنيع العسكري والحربي فكر في التدبير العسكري والأمني الخفي. 
فكل بطولات امير المؤمنين عليه السلام اكبر عامل فيها هو عنصر الخفاء العسكري والأمني، فهو عليه السلام كان طالباً للشهادة لكنه لا يعطي العدو فرصة الاقتراب منه، ومن خصائص امير المؤمنين عليه السلام التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: أنه لا يهزم في حرب قط، وأيضاً ذكرها الامام الحسن عليه السلام بعد استشهاد أبيه عليه السلام، لأن تدبيره الامني لا يجعل للعدو فرصة ان ينتصر عليه ، اذن الشهادة عند امير المؤمنين عليه السلام ليس كما نفهمها نحن، فهي ليست عيُّ في التدبير الأمني والعسكري، أو الغفلة عن مخططات العدو لأن هذه ليست هي الشهادة.
التخطيط الأمني عند أئمة اهل البيت عليهم السلام تجهيز الجيوش بأسلحة قوية، وكل أنواع القوة يجب ان يتسلح بها بيت الايمان، لكن يبقى السلاح الأكبر هو سلاح الامن أي أن ترصد عدوك ولا يرصدك.
ولكن نحن نحمل مفهوماً خاطئاً مفاده أنك تستتر عن عدوك فقط وهذه ليست تقية فهي ليس فقط ان تستتر عن عدوك فمعنى الاستتار عن العدو هو انكشاف عدوك لك، والا كيف يستتر الانسان عن عدوه قبل تشخيصه وتحديد موقعه، ومعرفة جغرافية واحداثيات العدو في كل المجالات.
إذن قوام التقية هي كشف الطرف الآخر وأن لا يكون مستتراً عنك والا لا تتحقق التقية، وهذا قوام مهم في الفقه السياسي والعقائدي والعسكري وهو ركن مهم في باب التقية، وصاحب العصـر والزمان عجل الله فرجه الشـريف هو الغائب صحيح، لكن الآخرين بالنسبة اليه ليسوا غيَّباً بل هم في مشهد منه.
إذن قوام التقية وجهين متعاكسين، من جهة أنت في ستر وحصن، ومن جهة الطرف الآخر مكشوف لك، وأنّا لك ان تستتر والطرف الآخر غير مكشوف لك؟.
كيف نُعِّرف التقية بهذا المعنى والأمام الصادق عليه السلام يعرفها بانها حصن حصين ، فكيف نكون حصنا بتعريفنا الخاطئ لها، والامام الصادق عليه السلام يقول: "العالم بزمانه، لا تهجم عليه اللوابس"(1)، هذا قوام التقية فكيف نستتر من الذئاب؟ بمنهج النعامة بان ندفن رؤوسنا بالتراب؟ تضع رأسها في التراب وتظن ان هذا يحميها من عدوها هذا هو اطمئنان الحمقى.
فأول ركن في التقية هو ان ترصد العدو وتراقبه ليلا نهارا بلا توقف او سكون، وهذا من الحذر وليس من العدوان، فيجب ان نحافظ على مفاهيمنا من ان تنقلب رأساً على عقب، كم نادى المؤمنون "اَيْنَ صاحِبُ يَوْمِ الْفَتْحِ وَناشِرُ رايَةِ الْهُدى، اَيْنَ مُؤَلِّفُ شَمْلِ الصَّلاحِ وَالرِّضا..."(2) لكن هل خُدع صلوات الله عليه؟ كلا أبداً فهو لا يبرز لأنه لا يُخدع من قبل الجميع صديق كان أو عدوا، بل هو يعد العدة ويدبر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحسن بن علي الحراني، تحف العقول عن آل الرسول ص356.
 (2) مقطع من دعاء الندبة.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.1533 Seconds