توقيع السمري وإشكالية مشاهدة الإمام المهدي (عج)

, منذ 4 سنة 7K مشاهدة

هيئة التحرير

صدر عن الناحية المقدّسة هذا التوقيع في بيان ختم الغيبة الصغرى، وبدءِ الغيبة الكبرى، على يدِ السفير الرابع علي بن محمد السمري:

(بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فأجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورا وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم[1]).

 

ومن خلال هذا التوقيع الشريف تبرز إشكالية مشاهدة الإمام المهدي (عج) في زمن الغيبة حيث ورد في فقراته:

(فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كذاب مفتر) فهل المقصود من هذه الفقرة أن المشاهدة المقصودة هي مشاهدة صاحب الأمر (عج) ؟

وإذا صح هذا الإحتمال فكيف يمكن الجمع بينه وبين آلاف النقولات الدالة على مشاهدته؟ والتي نقل بعض منها بواسطة أعلام معروفين!!

يمكن الإجابة بعدة وجوه

الوجه الأول :

ما ذهب إليه الميرزا النوري، حيث قال :

انّ هذا الخبر ضعيف، بل انّه خبر واحد ولا يفيد الا الظنّ ولا يورث الجزم واليقين، فلا يقدر أن يعارض الوجدان القطعي الذي حصل من مجموع تلك القصص والحكايات، ولو انّه لم يحصل من كلّ واحدة بوحدها، بل انّ في جملة منها كرامات ومعاجز لا يمكن صدورها من غيره عليه السلام، فكيف يصحّ الإعراض عنها لوجود خبر ضعيف[2] .

غير أن هذا التوجيه يمكن رده بإعتبار أن راوي هذا الحديث هو الحسين بن احمد المكتب، فهو وإن لم يرد فيه مدح ولا ذم إلا أنه يكفي في وثاقته ترحم الشيخ الصدوق عليه .

قال السيد الأمين (رحمه الله): (الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدّب أو المكتّب، لم ينص على توثيقه سوى ان الصدوق أكثر من الرواية عنه مترضياً مترحما، وهو كافٍ في جلالته، وفي الرياض: الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب: من أجلة مشايخ الصدوق[3]). 

إذن فالرواية من حيث السند لا غبار عليها.

الوجه الثاني :

ما ذهب اليه الشيخ علي أكبر النهاوندي الخراساني حيث ذكر في كتابه العبقري الحسان في أحوال الإمام صاحب الزمان

 

" لا معارضة بين التوقيع الشريف (توقيع السمري) وأمثال هذه الحكايات حتى يحتاج إلى الجمع, لأن التوقيع الشريف بصدد منع دعوى الظهور, والمشاهدة فيه (التوقيع) بمعنى الظهور والحضور, كما في الآية المباركة " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " لا بمعنى الرؤية، ليقع العلماء في حيص بيص في الجمع بين التوقيع الشريف وهذه الحكايات.

والقرينة على المعنى أمران:

الأول: قوله (ع): " فلا ظهور إلا بعد الهرج والمرج, والفتنة والفساد ".

والثاني: قوله (ع): ألا فمن ادّعى المشاهدة (أي الظهور) قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر, فكلاهما

(السفياني والصيحة) من علامات الظهور.

وعلى هذا, لا تعارض أبداً بين التوقيع الشريف وأمثاله مما ورد فيه امتناع المشاهدة وبين هذه الحكايات[4] ".

 

 

الوجه الثالث :

حمل معنى المشاهدة على السفارة، بمعنى أن الممنوع هو دعوى السفارة الخاصة في زمن الغيبة الكبرى بقرينة أن الإمام (ع) أمر السفير الرابع بأن لا يوصي لأي أحد بعد وفاته، (فاجمع أمرَكَ ولا توصِ إلى أحدٍ يقومُ مقامَكَ بعدَ وفاتكَ).

ومن القرائن الدالة على هذا المعنى أن أساطين علماء الإمامية قد صرحوا بإمكانية رؤيته (عليه السلام) مما يعني أن المقصود بالمشاهدة هي إدعاء النيابة، ومن جملة المصرحين:

 

1 - السيد المرتضى ( 355 - 436 هـ ):

قال :

" ، إنه غير ممتنع أن يكون الإمام عليه السلام يظهر لبعض أوليائه ممن لا يخشى من جهته شيئاً من أسباب الخوف، فإن هذا ما لا يمكن القطع على ارتفاعه وامتناعه، وإنما يعلم كل واحد من شيعته حال نفسه، ولا سبيل إلى العلم بحال غيره[5] ".

 

2- الشيخ ابو الفتح الكراجكي ( ت 449 هـ ):

قال رحمه الله في معرض بيان الفائدة من وجود الإمام رغم غيبته:

" ولسنا مع ذلك نقطع على أن الإمام عليه السلام لا يعرفه أحد، ولا يصير ( يصل ) إليه، بل قد يجوز أن يجتمع به طائفة من أوليائه تستر اجتماعها به وتخفيه[6]".

 

3- الشيخ الطوسي ( 385 -460 هـ ):

" وما ينبغي أن يقال في الجواب هو أننا لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه، بل يجوز أن يظهر لأكثرهم[7] ".

4- السيد ابن طاووس (589 -664 هـ ):

" وهو السيد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد، صاحب المقامات المعروفة، والكتب المشهورة في الأدعية والزيارات والمناقب، يقول في رسالة المواسعة والمضايقة: " وسمعت من شخص لا أذكر اسمه عن مواصلة بينه وبين مولانا المهديّ صلوات الله عليه. ولو كان يسوغ نقلها لبلغت عدة كراريس، وهي تدل على وجوده المقدس وحياته ومعجزته[8] ".

 

4 - المحدث الإربلي ( 693 هـ ):

قال :

" وأنا أذكر من ذلك قصتين قرب عهدهما من زماني, وحدثني بهما جماعة من ثقات إخواني ". ثم ذكر قصة الهرقلي وقصة السيد باقي بن عطوة, ثم عقب عليهما بقوله:

" والأخبار عنه عليه السلام في هذا الباب كثيرة, وأنه رآه جملة قد انقطعوا في طريق الحجاز وغيرها فخلّصهم وأوصلهم إلى حيث أرادوا. ولولا التطويل لذكرت منها جملة, ولكن هذا القدر الذي قرب عهده من زماني كاف[9].


[1] الغيبة للطوسي ص : 395.

[2] النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجّة الغائب (عج) ص 404.

[3] أعيان الشيعة: ٥/٤١١.

[4] العبقري الحسان ، باب المسك الأذفر - 128.

[5] تنزيه الأنبياء / 238 ط - دار الأضواء - بيروت.

[6] كنز الفوائد / 302.

[7] الغيبة للطوسي ص : 68.

[8] النجم الثاقب 251.

[9] كشف الغمة للإربلي 3 / 296 و 301.

مواضيع قد تعجبك

Execution Time: 0.1344 Seconds